تدبير المدن .. و»الأجندة الحضرية» ل 2030

حميد بنواحمان benouahman.presse@gmail.com

 

« …إن من أبرز مظاهر التوسع الحضري، تزايد عدد سكان المدن، وما يواكبه من اتساع للمساحة التنظيمية للمدن، نتيجة للامتداد الأفقي والعمودي للعمران، الذي يتطلب توفير احتياجات السكان الأساسية، من مساكن وطرق، وخدمات بمختلف أشكالها…»، «كما أن هذه التحولات على مستوى الحياة الحضرية، ستساهم في ظهور فوارق اجتماعية ومجالية داخل المدن عامة، وفي الحواضر الكبرى خاصة، مما يساعد على بروز فضاءات هامشية تشكو من ندرة المرافق الضرورية، وضعف البنيات التحتية، وعدم تأمين الخدمات الحضرية الأساسية، مما يهدد التماسك الاجتماعي والاندماج الحضري». و»وعيا منا بتعقد هذا الوضع وما ينطوي عليه من مخاطر، ما فتئنا نوجه الجهات المختصة، إلى الاهتمام بالمدينة في شمولية نموها، وإلى ضرورة التعامل بكامل الجدية مع القضايا الأساسية التي تطرحها على مستوى التنظيم الترابي في مفهومه الشامل، وليس انطلاقا من مقاربة ضيقة تعنى بالسكن فقط « .
إنها مقتطفات من الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في المنتدى الوزاري العربي الثاني للإسكان والتنمية الحضرية، الذي احتضنت أشغاله الخميس قبل الماضي – 21 دجنبر 2017 – العاصمة الرباط، والتي تشكل خريطة طريق مستقبلية، تؤشر على أن تحديات جسيمة تنتظر مدبري الشأن العام، على امتداد جغرافية المدن المغربية .
تحديات لابد وأن تستوقف المتتبع ل «النهج التدبيري « السائد في العديد من «الحواضر»، والذي سبق أن كانت «نقائصه» و « اختلالاته «، المتعددة الأوجه ، محط تنبيه من قبل قضاة المجلس الأعلى للحسابات، وذلك من خلال طرح السؤال : هل ما تحبل به دورات العديد من المجالس الجماعية، العادية منها والاستثنائية ، من تطاحنات وتبادل للاتهامات، يمكن أن تشكل مدعاة للتفاؤل بإمكانية بلوغ أهداف «الأجندة الحضرية « لعام 2030 المحددة مقوماتها دوليا؟
إن واقع المفارقات الصارخة ، الذي تئن تحت وطأته مجموعة من المدن، يشكل عنوانا «قاتما» على أن زمنا تنمويا ثمينا تم هدره ، ومن العسير تداركه دون إحداث قطيعة مع «نمط تدبيري» لا يؤمن «أنصاره» سوى باعتماد ركيزتين أساسيتين لا ثالثة لهما :» المصالح الخاصة « و «الحسابات السياسوية الضيقة» ، أما «المصلحة العامة» فليشرب الحالمون بتجسيدها على أرض الواقع البحر ؟
حقيقة مرة ، ولا شك ، تكفي زيارة خاطفة لنماذج من أحياء وتجمعات سكنية رأت النور في العقدين الأخيرين، بضواحي مدن كبرى ، للوقوف على تمظهراتها الفاضحة، ضدا على الغاية الكبرى من إحداثها ، والمتمثلة، أساسا ، في بلوغ مستوى مشرف من «الحياة الحضرية» كما هي متعارف عليها عالميا .
فهذه مدينة تامنصورت المحدثة، على مساحة إجمالية تقدر ب 1930 هكتارا داخل تراب جماعة حربيل القروية ، والمشيدة على بعد 15 كيلومترا من المدينة الحمراء مراكش، في اتجاه مدينتي أسفي والجديدة ، والتي رصدت الدولة، لإنجاز مشاريعها المنطلقة نهاية عام 2004 ، غلافا ماليا ناهز 40 مليار درهم ، أضحت مبعث معاناة وقلق بالنسبة للعديد من قاطنيها، وذلك نتيجة «افتقارها لمرافق حيوية ، وانتشار مجموعة من الظواهر التي تعاكس أسلوب الحياة المدينية : احتلال الملك العام ، مشكل النظافة ، عدم كفاية التواجد الأمني والمساحات الخضراء ..» تقول مضامين شكايات سالفة نشرتها الجريدة .
عدم الارتياح ذاته، يوحد تصريحات – ومراسلات موجهة للجهات المسؤولة – عدد من ساكني «مدينة الرحمة «، المقامة بتراب جماعة دار بوعزة التابعة نفوذيا لعمالة النواصر ، جراء « تفاقم سلبيات عدة تعيد عقارب ساعة التمدن إلى الوراء في ظل تزايد سكاني يحمل في طياته إكراهات ضاغطة تسائل أكثر من قطاع « .
في سياق «الاختلالات التدبيرية « ، دائما ، يستحضر المتتبع، بغير قليل من الأسف والحسرة ، وضعية أحياء جديدة ب»عاصمة الأسمنت» ، والتي باتت مصدر خيبة بالنسبة لقاطنيها ، بعد أن تم اقتناء المسكن ، بناء على إغراء الموقع ذي المناخ الصحي، البعيد عن ضجيج «الصناعة» وما تنفثه من عوامل الاختناق المادي والمعنوي ، وما يحيل عليه التصميم الأولي، المؤشر عليه رسميا من قبل مختلف الجهات المسؤولة ، من ضمانات التناسق العمراني . كيف لا وهندسة « البلان « ، المعترف بها إداريا ، تؤكد أن الإقامات السكنية المشكلة للتجزئة لن يتجاوز علوها الطابقين ، و»هذه الأخيرة مخصصة للسكن حصريا ، ولن يسمح بمزاولة أي نشاط داخلها، كيفما كانت طبيعته، وأي مخالفة تعرض صاحبها للمساءلة «، تشدد أكثر من وثيقة خاصة بقطاع التعمير والبناء «تعج « بها رفوف مكاتب المصالح المعنية بالجماعات الترابية .
نصوص وتصاميم «يتبخر» محتواها بجرة «قرار» ذي خلفية انتخابوية، كما هو الحال في تجزئة «الخزامى» ، وبمحاذاة منطقتي «الزبير» و»الحاج فاتح» بتراب الحي الحسني – على سبيل المثال فقط – ، بعد أن استقرت « حسابات « المؤتمنين على تدبير الشأن المحلي ، خلال ولاية جماعية سابقة ، على «الترخيص بزيادة طابق إضافي» . خطوة فقدت معها العديد من الأزقة هدوءها المعتاد ، وأضحت عبارة عن «ورش» مفتوح على كل أصناف «الصداع» ، حيث لا يكاد البناؤون يغادرون المكان حتى يضع « طاشرون « آخر عتاده إيذانا بتمديد فترة «التشويش والإزعاج « ؟
خطوة يتساءل، بشأنها ، المتتبع : هل الخروج عن محددات التصميم الأولي ، المبنية على دراسات وقياسات «رياضية» مدققة وتصورات جمالية للمعمار ، أمر «يسير» يمكن أن يفتي فيه ، هذا الطرف أو ذاك، بعيدا عن رأي ذوي الاختصاص ؟ هل تم إجراء دراسة تقنية قبلية للأماكن التي رخص فيها بتعلية الطوابق ، أكدت استجابة منازلها ، بالمطلق والتعميم ، لمقومات البناء المضادة للطوارئ ، وأنها مزودة ب»الصلابة «الكافية لتحمل طابق جديد ب»حمولته» البشرية والعتادية ، تفاديا لحدوث أفجع المفاجآت؟ هل سبق للمصوتين لفائدة تمرير نقطة «تراخيص التعلية « – في أكثر من مدينة – أن اطلعوا على تجربة مماثلة ، في ما يخص عدم احترام التصاميم الأصلية، خلال سفرياتهم لإحدى المدن الأوربية ، في إطار زيارات «التعاون وتبادل الخبرات « التي تنص عليها اتفاقيات «التوأمة» المبرمة من قبل أكثر من مجلس جماعي ؟
هي ، إذن ، «مؤشرات سلبية» تفيد قراءتها المتأنية بأن كسب الرهانات التنموية المستقبلية ، التي يفرضها «توسع مساحات المدن»، يستدعي توفر «مدبرين للشأن العام» على بينة ووعي تامين بأن» التمدن» الحقيقي ليس معناه «البنيان»، المبتلع لأراض فلاحية، في هذه الجهة أو تلك ، ولكنه أسلوب حياة – بالفعل لا بالتقليد – ميزته الأساسية أن «مبتدأه ومنتهاه «هو الإنسان، بما له من حقوق وما عليه من واجبات .

الكاتب : حميد بنواحمان benouahman.presse@gmail.com - بتاريخ : 02/01/2018