تفاعل الإتحاد الإشتراكي مع الرؤية الملكية الناجحة
عبد السلام المساوي
حلت، يوم السبت الماضي، الذكرى الثالثة والعشرون لاعتلاء الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية، وهي مناسبة غالبا ما يتم استحضارها للحديث عن بعض إنجازات هذه الشخصية العظيمة ذات الحس الإنساني.
ويكفي استعراض حصيلة إنجازات المغرب طيلة العقدين من حكم محمد السادس، للوقوف عند التحديات، التي رفعها المغرب، على جميع المستويات، وتأكيد نجاح الرؤية الملكية المهيكلة، التي حولت المغرب إلى فضاء للأوراش التنموية، والإقلاع في جميع القطاعات، عبر مخططات استراتيجية، كان لها انعكاس على التنمية البشرية والإجتماعية.
وبدون شك فإن هاته الذكرى الغالية على نفوس المغاربة تأتي في ظروف خاصة وتقلبات جيواستراتيجية ومناخية استثنائية إن على المستوى الوطني أو الدولي، وهو ما يفرض الرجوع للقرارات الملكية الحاسمة التي كانت تبعث على التفاؤل والثقة في المستقبل وتحول الأزمة إلى فرصة، بفضل ما يرمز إليه الملك من ضمانات دستورية ودينية وتاريخية . فكل ما أعلنه الملك من توجيهات وتعليمات، منذ عيد العرش الماضي وإلى اليوم، كان يشيع الاطمئنان ويبعث على التفاؤل بحتمية الخروج من الأزمة والإقلاع الصحيح لبلادنا نحو آفاق التقدم والبناء الديموقراطي والتنمية الشاملة للبلاد رغم حالة اللايقين التي يعيشها العالم .
من الصعب في هذا المقام سرد كل ما أنجزه الملك محمد السادس خلال سنة من الحكم، لكن يمكن أن نجمل القول في أننا كنا أمام ملك يحصي كل صغيرة وكبيرة، ويختار بعناية فائقة متى يتدخل وكيف يتدخل وأين يتدخل لتبقى للدولة هيبتها وللمواطن كرامته وللمؤسسات مكانتها .
لقد شكل عيد العرش دوما مناسبة للتأكيد أن «المغرب قوي بوحدته الوطنية، وإجماع مكوناته حول مقدساته، وهو قوي بمؤسساته وطاقات وكفاءات أبنائه، وعملهم على تنميته وتقدمه، والدفاع عن وحدته واستقراره» يقول جلالة الملك في خطاب العرش السنة الماضية، وهو «الرصيد البشري والحضاري المتجدد والمتواصل، الذي مكن بلادنا من رفع التحديات، وتجاوز الصعوبات، عبر تاريخها الطويل والحديث».
ارتضينا لنفسنا هاته المظلة الملكية راعية للمغاربة أجمعهم، بمختلف أعراقهم، وأنسابهم، وجذورهم، وأصولهم، وألسنتهم، ودياناتهم، وكل ما يصنع الكون في الإنسان من اختلافات …لدينا ما يكفي من النبوغ المحلي لكي نعرف كيف نجمع هاته الفسيفساء المغربية الخاصة من نوعها في قالب واحد، ينبض بقلب واحد، حبا وانتسابا وإيمانا بشيء واحد: الوطن، المغرب.
كل عيد عرش مجيد والمغاربة، ملكا وشعبا ووطنا وأمة، بألف ألف خير.
دامت لهذا المكان رحابة بركته، وشساعة قدرته على مواجهة الأذى الكبير بالصبر الأكبر عليه.
ودامت لنا هاته القدرة على مواجهة من لا تاريخ لهم بكل هذا التاريخ .
1 – بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة الجمعة 12 أكتوبر 2018، كان خطاب جلالة الملك، وهو يعلن باسمه الشخصي وباسم كل المغاربة في كل مكان من هاته الرقعة الجغرافية والتاريخية والحضارية التي تسمى المغرب الملل الجماعي والعياء التام والكامل من الانتهازيين، ومن الذين يريدون من المغرب أن يعطيهم فقط، ولا يريدون بالمقابل أن يعطوه شيئا.
المغرب «يجب أن يكون بلدا للفرص، لا بلدا للانتهازيين، وأي مواطن، كيفما كان، ينبغي أن توفر له نفس الحظوظ ، لخدمة بلاده، وأن يستفيد على قدم المساواة مع جميع المغاربة، من خيراته، ومن فرص النمو والارتقاء» هكذا تحدث جلالة الملك، وهكذا التقط المغاربة العبارة بكل الوضوح التام والكامل وفهموا المغزى منها والمراد من قولها وعرفوا أيضا المعنيين بها ….
المغرب «يحتاج، اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إبى وطنيين حقيقيين، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين» هكذا شدد جلالة الملك على حاجة المغرب أيضا «إلى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات».
لذلك يبدو الرهان اليوم واضحا للغاية، غير قادر على مداراة نفسه: هذا البلد محتاج للقادرين على الدفاع عنه، المستعدين لبنائه وتنميته والصعود به، المفتخرين بالانتساب إليه، المصارحين بحقائقه كلها صعبها وسهلها، حلوها ومرها، لكن المنتمين له لا إلى أي مكان آخر.
جاء خطاب العرش _2019 _ ليعلن وجوب إجراء قطيعة نهائية مع الريع والعبث، يقول جلالة الملك «…بناء مغرب الأمل والمساواة للجميع. مغرب لا مكان فيه للتفاوتات الصارخة، ولا للتصرفات المحبطة، ولا لمظاهر الريع، واهدار الوقت والطاقات ..
لذا، يجب إجراء قطيعة نهائية مع هذه التصرفات والمظاهر السلبية، واشاعة قيم العمل والمسؤولية، والاستحقاق وتكافؤ الفرص .»
وهكذا يتبين بكل وضوح وصرامة، أن جلالة الملك يدعو وجوبا إلى إحداث قطيعة، قطيعة نهائية ؛ قطيعة بالمعنى البنيوي، القيمي، السياسي والسوسيولوجي مع السلوكات والتصرفات التي تعيق استكمال بناء مغرب الأمل والمساواة …
وجب إذن، القطع مع ثقافة النهب والعبث، والتأسيس لثقافة العمل والمسؤولية.
المغاربة الذين يقولونها بكل اللغات عن تبرمهم ومللهم من الانتهازيين والناهبين، سمعوا ملك البلاد يقول بأن الحاجة ضرورية اليوم لكفاءات صادقة ومخلصة ….أن هذا الملك يريد العمل، ويبحث عن الصادقين للعمل معه .
لا ننكر أن العثور على هؤلاء الصادقين عملة صعبة في زمننا هذا …ولكن نعرف أن المغرب هو بلد كفاءات، وبلد شباب وبلد وطنيين مواطنين قادرين على إبداع كل الطرق والحلول للنهوض ببلادهم والسير معها جنبا إلى جنب في كل مراحلها، وأساسا في مرحلتها الجديدة المقبلة.
إن قدر المغرب ليس أن يبقى رهينة الذين يقفلون على الكفاءات المخلصة والمحبة لوطنها منافذ الطموح والمسؤولية في بلادهم . وهم من جعلوا الانتخابات وسيلة اغتناء عوض أن يجعلوها وسيلة خدمة للمواطنين والمواطنات. وهم سبب حقيقي من أسباب بقاء المغاربة غير مستفيدين من كثير الإصلاحات التي وقعت في البلد، رغم أهمية هاته الإصلاحات وثوريتها وعدم تحققها في بلدان أخرى ….
هناك اقتناع، هناك توافق بين الملك وبين شعبه؛ ان الحاجة ماسة إلى الكفاءات الحقيقية الجديدة، والطاقات المواطنة التي يمتلئ بها خزان هذا البلد حد الإبهار.
وهذه المرة كانت واضحة أكثر من المرات السابقة، وتقول باسم الشعب وباسم الملك معا إن الحاجة ماسة لضخ الدماء الجديدة في العروق، التي لم تعد تستطيع الاشتغال بشكل سليم ..
2_ لقد تعلمنا أنه لا يمكن قراءة الخطب الملكية بدون الرجوع إلى مضامين الخطب السابقة ، وأن هناك خيط رابط بين جميع الخطب الملكية ، وبالتالي فإن أي قراءة لا تأخذ بعين الاعتبار الخطابات السابقة تبقى قراءة معيبة وتزيغ عن الصواب.
عندما نقرأ خطاب العرش، 29 يوليوز 2020، فإننا نستحضر بشكل اوتوماتيكي خطب ملكية أخرى حملت معها ثورات هادئة في مجالات الادارة العمومية والديبلوماسية والجهوية المتقدمة ومراكز التكوين المهني والتعليم ومراكز الاستثمار الجهوي وميثاق اللامركزية …وغيرها من المجالات التي تهدف إلى تحسين حياة المواطن وتجويد الخدمات العمومية، وتسعى إلى تحقيق مقومات التنمية الاجتماعية والاقتصادية …
لقد جاء في أكثر من خطاب ملكي، أن تشريح وتشخيص الواقع بكل جرأة وموضوعية ليس نقدا هداما ولا يدخل في خانة جلد للذات، لكنه نقد بناء خاصة وأنه مرفوق دائما بالاقتراحات والحلول الاستعجالية والاستراتيجية ..
لقد شكلت خطب جلالة الملك محمد السادس جيلا جديدا من الخطب، إذ تميزت بالواقعية والموضوعية والجرأة، سواء في مجال تشخيص الواقع وانتقاد أداء المؤسسات والمرافق الإدارية…
خطاب العرش _ 2020 _منسجم ومكمل لخطب جلالة الملك محمد السادس في الآونة الأخيرة، خطب تتميز بسمات جديدة لم يألفها المواطن من قبل ولم يتعود عليها ذوو المناصب والمحتكرون للثروة والسلطة …خطب متجددة وحداثية تتماشى وروح العصر، بل وتحمل في طياتها حمولات سياسية واقتصادية واجتماعية بلغة سلسة واضحة يفهمها ويتذوقها الجميع.
بقية ص: 02
إن خطب جلالة الملك محمد السادس متميزة شكلا ومضمونا، وتشكل خارطة طريق لإخراج المغرب من كل الاختلالات السياسية والتنموية والاقتصادية والمجالية ، لكنها في حاجة، ليس لمن يشيد بها، بل لمن يلتزم بها وينزلها إلى ارض الواقع .
خطب متماسكة ومنسجمة ، تحكمها وحدة الهدف ووحدة الرؤية …
خطب مؤسسة على ثوابت مبدئية ورؤية واعية واستراتيجية …
خطب حية متجددة يحكمها ناظم مشترك ؛ تنمية المغرب وخدمة المواطن …
خطب واعية وهادفة ، خطب عقلانية لا تروم السيطرة على الوجدان بخطاب عاطفي ….
خطب الحقيقة ، واضحة شكلا ومضمونا ، لغة وفكرا ، منهجية ورؤية …. يقول جلالة الملك في خطاب العرش 29 يوليوز 2019 « نحن نريد سماع الحقيقة كاملة عما يجري في بلادنا وان كانت قاسية ومؤلمة .» يقولها ملك البلاد بكل الوضوح الممكن ، يقولها ويكررها لمن يريد ان يفهمه ، لا لمن يريد فقط الانصات لجلالته
خطب صريحة وصارمة، خطب نقدية ، جريئة وشجاعة …
وعلى المسؤولين الذين يقولون لنا دائما ان المصلحة العامة تهمهم اكثر من الخاصة ان يؤكدوا لنا هذه المرة بالملموس ، بالفعل لا بالكلام ، انهم مقتنعون بهذا الشعار الذي يرددونه ، وان يحاولوا تدوير العجلة ، واخلاء المكان ، والبحث عمن يستطيعون الحديث مع مغرب 2020 بلغة 2020 بل بلغة 2030 و 2050 و…
ان المسألة تهم مستقبل وطن بأكمله ، المستقبل الذي ينادينا ، والذي يطرح على كل واحد منا السؤال ؛ اي بلد سنتركه للأبناء والاحفاد بعدنا ؟
جاء في خطاب العرش _29 يوليوز 2019» ان المغرب ملك لجميع المغاربة ، وهو بيتنا المشترك . وعلينا جميعا ، كل من موقعه ، ان نساهم في بنائه وتنميته ، وان نحافظ على وحدته و أمنه واستقراره .»العمومية أو في مجال طرح وصفات الحلول الاستراتيجية …
3_ خطاب العرش _ 29 يوليوز 2020 _كان خطابا بنفس اجتماعي متقدم ، تعودناه من جلالته في خطبه كلها منذ اعتلائه العرش لكن خطاب هاته السنة وهو يأتي في زمن خاص من نوعه ، يسميه الكل « زمن كورونا « جعل لهذا النفس الاجتماعي معنى آخر ووزنا أكبر .
الاستفادة من الجائحة ومن دروسها ومن المحنة الصحية والوبائية والاجتماعية والمجتمعية التي يمر منها العالم بأسره وضمنه بلدنا، تلك كانت هي النبرة الناظمة لخطاب العرش الذي تابعه المغاربة جميعا بكبير الاهتمام .
استفادة تعيد ترتيب أولوياتنا المغربية ، وتضع في اعتبارها الأساس أكثرنا هشاشة الذين لا يمكن أن نتركهم على قارعة الطريق وأن نمضي، لأن هذا الأمر مستحيل ، وبلدنا سيسير بنا جميعا أو لن يسير .
المغرب ، وملك المغرب قرر له منذ البدء أن يسير بنا جميعا . وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها جلالة الملك عن الفئات الهشة وعما يجب أن تفعله لاخراجها من وضعيتها. لكن هاته المرة جلالته ذكرنا أن ما قاله في خطبه كلها أكدته الأيام ، وأكده أساسا الزمن الصعب المسمى « زمن كورونا « .
لذلك كان الرد واضحا على سؤال الهشاشة هذا من خلال رصد مبلغ مالي ضخم لمواجهتها ، ومن خلال وضع خطة لا تتجاوز مدتها السنوات الخمس لأجل أن ندخل جميعا – دون استثناء – نظاما اجتماعيا يغطي لحظات ضعفنا ، ويؤكد لنا أننا – جميعا – مرة أخرى أبناء وبنات هذا البلد وأنه لن يفرط فينا وأننا لن نفرط فيه .
كان خطابا متميزا مرة أخرى، وكان خطابا بنفس اجتماعي متقدم ذكرنا جميعا بأن ما يمسنا يمس ملك البلاد ، وأن الشعور متبادل حتى الختام …
4_ « آمن الاتحاد الاشتراكي بأن الاشتراكية الديموقراطية هي المدخل الضروري لمعالجة الاختلالات الاجتماعية، إحدى مداخل الحداثة واستدراك التأخر التاريخي، فالاشتراكية ترتبط بالفضاء العقلي للحداثة ، ومن هنا ، آمن الاتحاد الاشتراكي بضرورة تحيين الاشتراكية كمثال بفك ارتباطها بنماذج معينة وبالحفاظ على الشحنة الفكرية التي قامت عليها، أي التشبث بالأرضية الحداثية الثقافية للاشتراكية وخلفياتها الفلسفية الانوارية….
الاتحاد الاشتراكي قوة دفع تقدمية، يسارية اجتماعية – ديموقراطية تروم إصلاح وتطوير الأوضاع، والمساهمة في رسم خطوط المستقبل، ومناط تحول في المجالات كافة، السياسية والمؤسساتية والاجتماعية والثقافية….
وإذا كان الاتحاد الاشتراكي أداة إصلاح وتغيير في الحاضر ومناط تطوير وتحديث في المستقبل، فإن قدراته السياسية والفكرية على التكيف والرؤية البعيدة ، ومؤهلاته النضالية والميدانية، لتجعل منه قوة فاعلة في حاضر البلاد ومستقبلها، كما كان وقود نضال وتغيير في الماضي …
إن الاتحاد الاشتراكي هو القوة المجتمعية الأكثر انفتاحا وتأهلا للمساهمة بفعالية ، في إنجاز الأوراش الإصلاحية ، على قاعدة الجدلية الحية القائمة بين الإصلاح والاستقرار، في إطار مجتمع متماسك، متضامن ومتطور…
وفي هذا السياق الذي تحكمه إرادة المبادرة، لا انهزامية الانكفاء ، تندرج أرضية الأستاذ إدريس لشكر التي تقارب مجالات حيوية لصيقة بمعيش أفراد الشعب، سواء في المجال الاجتماعي أو في المجال السياسي والمؤسساتي …
ولسنا في حاجة الى تذكير دعاة التشكيك في القدرة اللامحدودة للاتحاد الاشتراكي على كفاءته العالية في التكيف الايجابي والمنتج
إن المغرب اليوم في محك حقيقي، أثبتنا فيه بالفعل أننا دولة قوية تحترم المؤسسات سواء في صيغتها الدستورية أو القانونية ، وأن عملية تنزيل وتطبيق الحجر الصحي كانت نموذجا واضحا في الثقة، ودليلا على أن هناك تجاوبا مطلقا ما بين « المؤسسات ومكونات المجتمع المغربي …
إن التحرك الاستباقي للمغرب في تعامله مع الوباء كان صائبا ، بل هو نموذج يثني عليه العديدون في أقطار المعمور ..
يقول الأستاذ إدريس لشكر في الأرضية التوجيهية « كاشتراكيين ديموقراطيين، جعلنا شعار مشروع النموذج التنموي الجديد لحزبنا الذي أعلننا عنه بعد مشاورات ومداولات داخلية في ندوة دولية في أبريل 2018 : « دولة قوية عادلة ومجتمع حداثي متضامن « . واليوم وبلادنا على المحك، يعي الجميع معنى الدولة القوية العادلة : دولة ذات مصداقية تحرص على تحمل مسؤولياتها والوفاء بالتزاماتها ومهامها كيفما كانت كانت الظروف . ويعي الجميع معنى المجتمع الحداثي المتضامن : فئات مجتمعية متضامنة فيما بينها بغض النظر عن انتمائها الطبقي أو الفئوي أو الجغرافي أو النوعي .»
ويقول الأستاذ إدريس لشكر في ذات الأرضية « فمع البدايات الأولى لانتشار جائحة « كورونا « ، جسدت الدولة المغربية بقيادة جلالة الملك طابعها الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى، وبشكل جعل بلادنا مضرب الأمثال في مختلف أقطار العالم .
لقد كان للمبادرات الملكية عظيم الأثر في تجنيب بلادنا مأس غير محسوبة العواقب . فقد تفاعلت الدولة المغربية مع تقارير المنظمات الدولية ( منظمة الصحة العالمية ، صندوق النقد الدولي ، البنك الدولي ، منظمة الأمم المتحدة ) بكل عقلانية ورصانة ، فتوالت المبادرات الملكية بقيام جلالة الملك باستعمال كل ما منحه الدستور من صلاحيات ، سواء على مستوى إمارة المؤمنين ، أو رئاسة الدولة ، أوالقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية، لإطلاق المبادرات اللازمة للحد من انتشار الفيروس ، الشيء الذي سهل انخراط كل مكونات المجتمع لمكافحة هذا الداء والحد من تبعاته، كل من موقعه .
لقد اختارت الدولة المغربية الانسان على أي شيء آخر . والسلطة بينت على علو كعبها وجندت كل أطقمها تلبية لنداء الوطن . وجنود المواجهة من أطقم طبية وصحية وأمن ودرك وقوات مساعدة وجيش ، كل هؤلاء دخلوا المعركة باقدام وشجاعة ومسؤولية وطنية عالية . ما تبقى هو في يد المواطنين الذين عليهم أن يمتثلوا بتعليمات الخطة المتبعة ويلزموا بيوتهم ويساهموا في هزم العدو بعزله ومنعه من الانتشار.
ولنا أن نفخر بقرار إنشاء « الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا كوفيد _19 « لتغطية النفقات الطبية ، وتأهيل الآليات والوسائل الصحية ، ودعم القدرة الشرائية للأسر ، ومساعدة القطاعات الاقتصادية المتضررة والحفاظ على مناصب الشغل . صندوق فاقت مداخيله كل التوقعات ، حيث تجاوزت 33 مليار درهم ( 3 في المائة من النتاج الداخلي الاجمالي ) ، بفعل الحس الراقي المتضامن الذي أبانت عنه كل مكونات الشعب المغربي ، كما أحدثت « لجنة اليقظة الاقتصادية « لمواكبة انعكاسات الوباء والمبادرة بالاجراءات اللازمة لمعالجتها .»
من بين حسنات فيروس « كورونا « أنها أعادت للمغاربة الثقة في الدولة ، فالمغاربة تأكدوا أن هناك دولة تحميهم ، بعدما لاحظوا أن المغرب نجح الى حد كبير في تدبير الأزمة ، كما لاحظوا أن الملك محمد السادس اتخذ قرارات هامة تهدف إلى حماية من فقدوا وظيفتهم ، قرارات ستحمي الشركات التي قد يتعرض بعضها للإفلاس بعد الشلل الاقتصادي الذي أصاب عددا من دول العالم ، ومن المؤكد انه أصاب الاقتصاد المغربي أيضا .
المغاربة فهموا أيضا بعد أزمة « كورونا « الدور الكبير الذي تلعبه المؤسسات ، ولو بامكانياتها البسيطة ، وأن دور الدولة ليس هو فقط تحصيل الضرائب من جيوب المواطن البسيط والفقير ، ولكن أن تقف إلى جانبه أيضا في وقت الأزمات .
المغاربة عرفوا أيضا الأدوار التي يقوم بها الأمن في التوعية والتحسيس وحماية حياة المواطنين، كما عرفوا أن المغرب يمكنه أن يكون مستقلا عن الدول الأوروبية في تدبير شؤونه الخاصة ، وفي حماية مواطنيه وأنظمته على حد سواء ، فلا مجال لأي جهة خارجية اليوم ان تزايد علينا . صحيح ان وسائل المغاربة وامكانياتهم بسيطة ، لكن الدولة بمؤسساتها وشعبها نجحت في كل الأحوال في تدبير الأزمة ، بقدر المستطاع.
اليوم الدولة أظهرت دورها كدولة رعاية وكمؤسسة تمثل وعي وضمير ومسؤولية المجتمع ، وهي في موقع القيادة ولهذا ظهر وجهها الآخر الذي يخصص امكانيات مالية …
وهنا لا يمكن أن ننسى المجتمع الذي برزت فيه مظاهر جديدة من التضامن والقيم التي كانت تتضاءل من قبل . لقد اكتشف المغاربة الجانب الإيجابي في بعضهم البعض ، من خلال العديد من تمظهرات قيم التضامن على كافة المستويات.
اليوم برزت قيم التضامن بسخاء، وهذا شيء جميل تذكر به لحظات رهيبة ثمنها الغالي، هذه طبيعة التاريخ ، كثيرا ما يقلب ظهر المحن، ويظهر لنا وجوها مختلفة حسب الظروف.
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 04/08/2022