تكتل لمحاصرة المغرب!!!

نوفل البعمري

سنة 2021 عبر راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي آنذاك عن رغبة تونس في بناء تحالف ثلاثي يجمعها مع الجزائر وليبيا يشمل فتح الحدود وعملة موحدة بين هذه البلدان، وهي التصريحات التي لم تحظ باهتمام كبير، واعتُبرت أنها صادرة تحت تأثير الوضع الداخلي التونسي الذي انتهى بخروج النهضة من الحكم ووصول قيس السعيد، الذي اتخذ خطوة أكثر تصعيداً من ذلك التصريح تجاه المغرب، وهي خطوة استقبال ابراهيم غالي بشكل رسمي تحت مبررات واهية، هذا الاستقبال أعاد للواجهة موضوع بناء تحالف ثلاثي في بعض الصالونات بل انتقلت مواقع إلكترونية تابعة للبوليساريو لتعيد الترويج لبناء مغرب عربي بين البلدان الأربعة مع استثناء المغرب ويكون هذا التنظيم حاضرا معهم كطرف خامس بدل المغرب، قد تبدو الفكرة مبالغا فيها لكن كما يقال لا نار بدون دخان، وهي بالون اختبار للفكرة الأصلية التي عبر عنها الغنوشي والتي قد تجد لها امتدادا في عهد قيس السعيد الذي أصبح إعلامه منذ هذه الأزمة يستنسخ خطاب الإعلام الجزائري في مواجهة المغرب بنفس المسوغات «التطبيع«، «تقرير المصير« «المغرب يجلس مع البوليساريو في الاتحاد الإفريقي» في تكرار لنفس الخطاب من طرف إعلام قيس السعيد، مع ملاحظة أن راشد الغنوشي لم يخرج بأي تصريح رسمي له حيال استقبال ابراهيم غالي وقد برر البعض ذلك أنه قد يكون دخل في مفاوضات غير رسمية مع السعيد مع وجود يد فرنسية، وهي نفس اليد التي باتت اليوم تتحرك في المنطقة للضغط على المغرب لتغيير تحالفاته الدولية، خاصة مع إسبانيا، ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية ثم الصين.
المغرب لا يمكن أن يظل في موقع المتفرج أمام هذه التحركات حتى يجد ليبيا أو موريتانيا و قد انتقلتا من الوضع الحالي الى نفس الوضع التونسي الحالي، خاصة وأن فرنسا التي تحرك دماها في كل من تونس والجزائر، عينها على ليبيا بعد أن خسرت مالي، وما قيس السعيد وتبون إلا «بردعة» لتحاصر بهما المغرب ويبتزه، فما الذي يجب القيام به؟!
المغرب قدره التاريخي أن يكون عمقه المتوسطي والإفريقي والعربي بالشرق الأوسط دائما أقوى من شمال إفريقيا التي تضم دولا هشة، واحدة عسكرية وثانية تسير على خطاها، وثالثة وضعها جد مضطرب ومازال السلاح هو الوسيلة لحسم الصراع داخلها،ورغم ذلك فهل يجب أن نستسلم لهذا القدر؟!
المغرب لعب دوراً مهما في ليبيا في طرح مبادرة تحولت من مبادرة مغربية إلى مبادرة أممية ترجمت في اتفاق الصخيرات، وقد كان الوضع قريبا من الحسم نحو إخراج ليبيا من وضعية الفوضى والسلاح التي عادت إليها للأسف، بسبب تدخل أطراف أجنبية خارجية التي تريد لليبيا أن تظل على وضعها الحالي، وهنا يجب أن يتحرك المغرب ويعود للساحة الليبية لإعادتها لسكة الحوار الداخلي لأنه الإجابة الوحيدة على أية محاولة لاستغلال هذا الوضع المضطرب لجرها لأي تحالف قد يكون على حساب المغرب ومصالحه. وقد تكون عودة المغرب من خلال آلية إحياء اتفاق الصخيرات لدفع مختلف أطراف الصراع السياسي للاجتماع بليبيا، كما قد يكون لدول عربية أخرى اذا ما فُتح معها الحوار، تأثير إيجابي على تطبيق اتفاق الصخيرات، و أقصد هنا الإمارات و مصر اللتين إذا ما تم ربطهما بأي مبادرة، نظرا للمصالح الموجودة لهما في ليبيا خاصة على مستوى المخاطر الأمنية-الإرهابية، قد يكون لهما دورا في إنهاء حالة الفوضى الحالية، فليبيا مستقرة هي آخر ما يريده العسكر الجزائري.
ثاني ملف يحتاج لإعادة الانتباه إليه هو الملف الموريتاني، فالمغرب لا يجب أن يدير ظهره لموريتانيا، ولا أن ينسى خلفيته الثقافية، التاريخية بهذا البلد الشقيق. فموريتانيا لموقعها الجغرافي و دورها في المنطقة، يجب أن يظل المغرب منتبها لها، ودائم التواصل السياسي والمؤسساتي مع مختلف النخب الموريتانية بشكل رسمي أو غير رسمي مع تشجيع التحرك المدني الصحراوي المغربي مع نظيره الموريتاني نظرا للترابط التاريخي والقبلي والأسري الموجود بينهما، وهو امتداد قد يلعب دورا كبيرا في الحفاظ على علاقة متينة، قوية بين المغرب وموريتانيا، مع التشديد على أهمية أن يكون هناك تكامل اقتصادي مع موريتانيا خاصة من حيث ربطها بالمشاريع التي تفتتح بالأقاليم الجنوبية، وجعل هذه المشاريع ذات بعد إقليمي، عائداتها يستفيد منها البلدان والشعبان، المغربي خاصة الصحراوي المحلي منه، والموريتاني.
إن الورقتين، الليبية التي يريدها خصوم المغرب أن تظل مضطربة ليسهل التسلل إليها، والموريتانية التي يسعون لاستقطابها، هما ورقتان لا يمكن للمغرب أن يتجاهلهما خاصة في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، وطبيعة التحركات الفرنسية التي لا تريد حسم موقفها تجاه المغرب، وهنا يجب القول إن البلدين يجب أن يظلا كأولوية داخل الأجندة الدبلوماسية المغربية حتى لا نستفيق يوما على خبر تكتل تقوده الجزائر بشمال إفريقيا، كل هدفه هو محاصرة وعزل المغرب، تحركه أياد من خارج المنطقة، وقد سحبت منا كل الأوراق في شمال إفريقيا!!

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 05/09/2022