تمرد فاطمة الخلفي

بديعة الراضي

لا أخفيكم قرائي سرا أني وجدت نفسي منشغلة بالسيدة فاطمة الخلفي التي هي اليوم رهن الاعتقال، في ملف كان من المفروض أن يعتقل فيه زوجها العائد من المهجر ليسطو على عرق جبينها.
وهو الانشغال الذي شدني من قفاي كي يغادر ذهني قهرا جواب وزير العدل عن سؤال تقدم به الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين حول تنفيذ الأحكام القضائية وامتناع مؤسسات عمومية عن ذلك، لأستعين في المتابعة بما سجله زميلي عبد النبي الموساوي العاشق للصورة والصوت. انشغال تلتقط فيه مسامعي مرافعات رئيس الفريق الاشتراكي محمد علمي وهو يحتج ضد المتمردين من القطاعات الوزارية على أحكام صادرة لصالح مواطنين توجهوا إلى القضاء لينصفهم عندما مورس عليهم ظلم إداري قلنا إن دستور المسؤولية والمحاسبة حد من تفشي ظاهرته نحو عدالة قادرة على بناء عالم مغاير للذي كان.
وكما ذكرتني تسجيلات الموساوي، ففي الوقت الذي كان محمد أوجار- بلباقته وهدوئه الذي نعتبره جزءا من طبيعة الرجل في تدبير مختلف القطاعات التي تبوأها- يوجه الشكر والتقدير لأسرة القضاء، ويخص في ذلك نساء ورجال كتابة الضبط وكل العاملين في وزارة العدل والمحاكم على المجهودات المتواصلة التي ما فتئوا يبذلونها للرفع من مردودية ونجاعة منظومة العدالة بالمغرب، كنت أتخيل الحالة النفسية لفاطمة الخلفي وهي تفترش الأرض في أحد سجون الدار البيضاء، بعدما تمردت ضد حكم ظالم احتكم إلى المساطر والقوانين وغاب عنه واقع القضية التي تفنن الزوج في السطو على عمر امرأة وعلى عرق جبينها لتجد نفسها وهي تقارب الستين سنة في الشارع إثر الحكم عليها بإفراغ منزل أو عش بنته من عائدات عملها الذي ليس إلا بيع الرغيف مع استكمال باقي الدريهمات من العمل في البيوت.
لم تستوعب المساطر أن فاطمة تزوجت ذلك الرجل وهي قاصر، لا تعرف من الزواج إلا التفريخ والتربية والرضاعة والعمل من أجل قوت الأبناء، في غياب زوج اختار أن يأتي إليها في عطلة يقتطعها من زمنه في المهجر، لا يعرف بالضبط كيف كبر الستة من أولاده في مسكن صفيحي تحول بقدرة قادر إلى اسم الزوج عندما فكرت الدولة في محاربة مدن القصدير، فعوضت العائلة ببقعة أرضية عملت فاطمة الخلفي على بناء سكن عليها، وقبلت أن يكون من نصيب الزوج، معتقدة أنهما واحد وأن أبناءهما الستة هم الشهادة الحقيقية لوفاء عائلي دائم، إلا أن الذي حصل كان أكبر من تفكير فاطمة وأكبر من قدرتها على الحلم، لقد رفع الزوج دعوى الطلاق ضدها، وأخذ منها كل شيء، لتجد نفسها وجها لوجه مع من يطالبونها بالإفراغ، بناء على مساطر جافة ترى أن الحل هو القدرة على التنفيذ اعتبارا لحكم صادر عن المحكمة، والحال أن حكما ينبغي أن يصدر ضد زوج سرق من فاطمة الحياة، وحكم عليها بالانتحار على جسر مؤدي إلى الهاوية والضياع والتشرد، وهو الحكم الذي قاد فاطمة إلى التمرد ضده، ضد الظلم الذي تجهل أسبابه التي ليست سوى الثقة التي وضعتها فاطمة في رجل ظالم، خَبِر كيف يستغل القانون والمساطر وسرعة التنفيذ، ضد امرأة خبرت كيف تحرم نفسها من الأكل والشرب والعناية بالذات كي تبني عشا يجمعها بأبنائها وبزوجها العائد خاوي الوفاض من الغربة التي لم يستطع فيها إفادة عائلته التي هجرها من أجل عيش كريم لها كما عبر عن ذلك، والحال أنه ذهب إلى هناك كي يتعلم كيفية توظيف القانون لإجبار السلطة على المجيء إلى سكن طليقته من أجل الإفراغ بالقوة، في مشهد استأسد فيه الرجل العارف جدا بمجريات الأمور ضد جاهلة بالقانون الذي لا يحمي المغفلين.
ولا أخفيكم قرائي أن الحرقة التي تحدث بها رئيس الفريق الاشتراكي محمد علمي ضد الممتنعين عن عدم تنفيذ أحكام قضائية من موقع القوة والجبروت ، وأن ترديده» بما أننا دولة الحق والقانون، دولة قائمة على أساس ديمقراطي، حيث يسود احترام المبادئ والقوانين، وبما أننا من بين الأنظمة السياسية التي تبنت مبدأ سمو القانون، والذي تجلى في الفصل الرابع من الدستور، يجب إعادة النظر في هذه القضية التي تعتبر من أبرز مظاهر النقص التي تعاني منها الإدارة المغربية»، فإنني وجدت نفسي أقوم بنفس المرافعة من أجل فاطمة الخلفي، وأنا أخاطب وزير العدل في الخيال الذي رسمته في ذهني، منشغلة من شرفة مجلس المستشارين، بكل هذا الظلم الذي يسرع في تنفيذ أحكام ضد البسطاء ويتجاهلها ضد من يعتبرون أنفسهم فوق القضاء، وخارج القانون والدستور، تسريع لم يتكلف فيه المعنيون بتدقيق البحث، بل هو حكم آت من مشهد نرمي فيه ملفات باسم المسطرة إلى مجتمع تراكمت فيه نفس المشاهد مرسخة بذلك البؤس الذي نجتر اليوم تداعياته المجتمعية التي أوصلتنا حد الجهر أننا فشلنا في نموذج تنموي وينبغي اليوم البحث عن آخر جديد. ولهذا أقول إن استصدار قوانين صارمة تدعو إلى « تجريم ومعاقبة كل من يمتنع بدون سبب مشروع عن تنفيذ حكم، أو أمر قضائي، أو يتسبب في تأخير تنفيذه، بعد إنذاره بتنفيذ الحكم داخل ثلاثين يوما..» لا يعنيني بقدر ما يعنيني تكثيف الجهود وتدقيق البحث وتوظيف الأبعاد الإنسانية والمجتمعية، وضبط الاختلالات القائمة قبل إصدار أحكام تعمل على تعميق جرح شعب ووطن تواق إلى عدالة حقيقية.

الكاتب : بديعة الراضي - بتاريخ : 26/04/2018