ثمان ملاحظات على قرار المحكمة البريطانية

نوفل البعمري

أصدرت محكمة الاستئناف-القسم المدني ببريطانيا، يوم الخميس 25 ماي 2023، حكمها القضائي في الطعن الذي تقدمت به «حملة الصحراء الغربية بالمملكة المتحدة»، في الحكم الذي صدر عن المحكمة الابتدائية الذي كانت قد قضت فيه آنذاك برفض الدعوى، فتم استئناف الحكم على أمل استصدار حكم مغاير من هذه المحكمة إلا أن المحكمة الاستئنافية قضت بتأييد ذلك القرار القضائي، واتجهت نحو تبنيه من الناحية القانونية وأضافت عناصر أخرى في إطار تعليلها للحكم الصادر عنها.
بالعودة لمنطوق هذا الحكم لابد من إبداء بعض الملاحظات والاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من قراءة القرار، ويمكن إجمالها في ثمان ملاحظات على ثمان نقط قانونية بها تم تعديل القرار:
1 – الحكم قضى برفض الدعوى، بمعنى أن الطعن كما المرحلة الابتدائية تم قبوله شكلًا، هنا المستجد الذي لجأت إليه البوليساريو التي يبدو أنها استخلصت الدرس من الدعاوى التي رفعتها في المحاكم الأوروبية، وكانت تقضي فيها محكمة العدل الأوروبية بعدم قبولها بسبب انعدام صفة تنظيم البوليساريو للتقاضي باسم ما يسمى «بالشعب الصحراوي» وتمثيله أمام القضاء الأوروبي، لذلك عند رفعها لهذه الدعوى الفضائية تم اللجوء لجمعيات بريطانية لسلوك هذه المساطر القضائية قصد تفادي الإعلان عن نفس الموقف، الذي سبق أن تم التعبير عنه في المحاكم الأوروبية، ولضمان قبول الدعوى شكلا، بالتالي مناقشتها من الناحية الموضوعية لتكون معه المحكمة مضطرة للبت في الدفوعات القانونية التي تم الاستناد إليها من طرفهم لرفع الدعوى.
2 – البت في موضوع الدعوى والفصل فيها بعد قبولها شكلًا، له أهمية قانونية كبيرة لأن المحكمة في المرحلتين ناقشت موضوع الدعوى، وردَّت على مختلف ادعاءات الجمعيات الموالية للبوليساريو، وهو ما يجعل من هذا الحكم أعلى قيمة من الناحية القانونية والقضائية على الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الأوروبية، لأن المحاكم البريطانية ناقشت مدى قانونية الاتفاقية الموقعة بين بريطانيا والمغرب، وكان ردها حاسماً في كلتا المرحلتين لصالح استمرار العمل بها.
3 – البوليساريو مازالت مستمرة في «معركتها» القضائية بالمحاكم الأوروبية، وقريبا ستتم مناقشة الحكم الصادر عن محكمة العدل الأوروبية ابتدائيا في المحكمة الاستئنافية، وهو ما يفرض على الاتحاد الأوروبي والمغرب أن يحتجا بهذا الحكم النهائي الصادر عن محكمة الاستئناف البريطانية أمام محكمة العدل الأوروبية الاستئنافية، باعتباره اجتهادا قضائيا صادرًا عن محكمة أوروبية أضفى شرعية قانونية على الاتفاقيات التي يوقعها المغرب وتكون الأقاليم الصحراوية الجنوبية مشتملة عليها.
4 – الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف البريطانية قام بالرد على مذكرة الطعن، التي تم رفعها من طرف «الحملة»، والرد الذي أجاب في ثمان نقاط قانونية على كل الدفوعات التي تم الاستناد إليها أثناء صياغة مذكرة الطعن في الحكم الابتدائي، وهي النقط التي تم نسفها من الناحية القانونية من طرف الهيئة التي أصدرت حكمها، ولم تعد بذلك لكل الأوراق التي ترفعها البوليساريو، ومن يحركها أي حجة للمطالبة بإبطال الاتفاقيات الاقتصادية التي يوقعها المغرب مع دول أجنبية، وتكون الصحراء جزءاً منها.
5 – محكمة الاستئناف البريطانية اعتبرت في ردها على دفوعات الطرف المستأنف للدعوى على مبدأ احترام سيادة أعمال الدول، واعتبرت أن توقيع المغرب لاتفاقيات اقتصادية مشتملة على الأقاليم الصحراوية هو أمر سيادي بالنسبة للدولة المغربية ولا يمكن أن يُقحم القضاء البريطاني نفسه اعتبارًا لكونه « لا يمكن له أن يحدد طبيعة شرعية تصرفات دولة أجنبية في إدارة شؤونها الخارجية»، مما يضفي الطابع السيادي لمختلف الأعمال التي يقوم بها المغرب داخل الأقاليم الصحراوية، بما فيها توقيع الاتفاقيات الدولية، وهو اعتراف قضائي
وقانوني بسيادة المغرب على كامل ترابه بما فيها ما يسمى «بإقليم الصحراء الغربية»، هذا الطابع السيادي ينسحب على السيادة الاقتصادية مما يجعل المغرب ومؤسساته هما المخاطب الوحيد أمام المنتظم الدولي والدول، في ما يتعلق بوجود رغبة دولية للقيام باستثمارات اقتصادية في الصحراء.
6 – الحكم حسم الجدل من ناحية القانون الوطني البريطاني، إذ حاول الطعن المقدم من طرف «حملة الصحراء الغربية بالمملكة المتحدة» الاستناد على قانون «التجارة الضريبية»، الذي يطبق على المبادلات التجارية الدولية الصادرة ببريطانيا سنة 2018، حيث ادعت الجهة المستأنفة أن استيراد سلع من «الصحراء الغربية» خاضعة للتعريف الضريبي المغربي والجمارك المغربية، هو خرق للقسم 28 من القانون المشار اليه سابقًا، وأن «الحكومة البريطانية تصرفت خارج حدودها
ونطاقها القانوني»، وهو الدفع الذي رفضته المحكمة البريطانية في كلتا المرحلتين بعلة أن المحكمة ليس لها الحق في تأويل معاهدة دولية، وأن البرلمان هو من عليه مناقشتها، وهنا أبعدت النقاش السياسي
وحصرت المحكمة نفسها بذكاء في النقاش القانوني الصرف دون السقوط في ما أراده محركو الدعوى.
7 – المحكمة من بين ما عللت به رفضها الطعن المقدم من طرف «حملة الصحراء الغربية بالمملكة المتحدة»، بأن الاتفاقيات التي وقعتها المملكة البريطانية مع نظيرتها المغربية، منذ دخول اتفاقية بريكست إلى حيز الوجود، هي متوافقة مع القانون الدولي، بمعنى أن الحكم لم يستند فقط على القانون الوطني البريطاني، بل عمد لمقارنة هذه الاتفاقيات مع القانون الدولي، وانتهت بشكل واضح للقول إلى كون هذه الاتفاقيات لا تتعارض مع الاتفاقيات الدولية، وليكون أكثر دقة هنا أشار الحكم للمادة 31 من “اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات”، من فصلها الثالث المعنون « بتفسير المعاهدات»، بحيث أشارت المادة التي استند عليها الحكم إلى ضرورة « تفسير المعاهدات بحسن نية، ووفقا للمعنى الذي أعطي لألفاظها ضمن السياق الخاص بموضوعها والغرض منها»، مضيفًا أن «الحملة» عمدت إلى تقديم تفسير سيء للاتفاقية، وأنه لم يكن هناك حسن نية من طرفهم/التقاضي بحسن نية، مما جعل الحكم يحتج بهذه المادة، ويعلل رفضه لمذكرة الطعن المقدمة من طرفهم بسوء نية الحملة.
8 – الحكم في تعليله لرفض الطعن بالاستئناف استند على تقديم مدلول قانوني سليم لفكرة « تقرير المصير»، التي استندت عليها الحملة في طعنها، معتبرا أن الاتفاقيات الموقعة تحترم هذا المبدأ، أي مبدأ “تقرير المصير”، وأن استغلال المغرب للثروات الطبيعية يحقق روح فكرة تقرير المصير كما هو حال هذه الاتفاقيات الموقعة بين المغرب
وبريطانيا، هنا لابد من الإشارة إلى كون المحكمة الابتدائية ببريطانيا عند رفضها للدعوى استندت إلى الاستشارة التي تم القيام بها من طرف لجنة برلمانية أوروبية كانت بريطانيا آنذاك لاتزال جزءا من الاتحاد الأوروبي، وخلصت إلى كون عائدات هذه الاتفاقيات بستفيد منها سكان «الصحراء الغربية»،
وتقدمت آنذاك بتوصية لتجديد اتفاقية الصيد البحري والتبادل الفلاحي بين المغرب والاتحاد الأوروبي، مفندة مقولة «نهب الثروات الطبيعية»، وهو نفسه ما أيدته وتبنته المحكمة الاستئنافية عند رفضها ربط الاتفاقية الموقعة بين المملكتين و»تقرير المصير» و«تدبير الثروات الطبيعية».
خلاصة: بعد استعراض مختلف النقط القانونية التي تضمنها الحكم الاستئنافي الصادر ببريطانيا، لابد من التأكيد أن أهميته لا تتمثل فقط، كما ورد في ما تمت مناقشته سابقًا، في كونه رد على الدفوع الموضوعية لرافعي الدعوى، وأنه لم يقف عند الشكليات، بل قيمته تكمن في كونه صادرا عن قضاء يعتبر نموذجيا في المدرسة القانونية الأنجلوساكسونية، وبالتفسيرات الواسعة التي قدمها لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، ولحق الدول في تدبير الثروات الطبيعية في الأقاليم «غير المتمتعة بالحكم الذاتي»، يكون المغرب قد حقق سبقًا قضائيًا مهمًا يجب الاحتجاج به ليس فقط أمام المحاكم الأوروبية بل يجب استعماله في تعزيز الملف القانوني والسياسي للمغرب أمام مجلس الأمن، باعتباره حجة قانونية وقضائية حاسمة في إضفاء كل المشروعية على التواجد المغربي بالأقاليم الصحراوية، ويضفي على هذا التواجد الطابع السيادي مع كل ما يعنيه ذلك من سيادة اقتصادية، سياسية، قانونية ثم دبلوماسية.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 29/05/2023