جمعيات.. و أسئلة «النفع العام» ؟
حميد بنواحمان benouahman.presse@gmail.com
مع كل “دخول اجتماعي جديد ” تتجدد الأسئلة وتتزايد التساؤلات بشأن ” القيمة المضافة ” التي حققها “اللاعب الجمعوي ” منذ أن أخذ مكانه “الرسمي” داخل “الملعب” العام ل” العطاء الاجتماعي ” بكافة تمظهراته : تحسيسا ، توعية ، تأطيرا ، دعما وإسنادا … ، وذلك في أفق تدارك النقائص وتجاوز العراقيل الحائلة دون تغيير “أحوال” البلاد والعباد؟
أسئلة تمتح مرجعيتها من الفصل الثاني عشر من دستور فاتح يوليوز 2011، والذي أنزل “الفاعل المدني” منزلة الشريك في سياق العمل من أجل إرساء أسس وقواعد جديدة ” للمواطنة” تتغيا تحقيق التوازن المأمول بين كفتي ميزان “الحقوق والواجبات” وفق المتعارف عليه داخل “نادي” المجتمعات الديمقراطية .
يقول المنطوق الدستوري :”… تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية ، في إطار الديمقراطية التشاركية ، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية ، وكذا في تفعيلها وتقييمها ، وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون” .
“منزلة الشريك” هذه يتحدث عنها الرأي الاستشاري للمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول مشروع القانون 89.15 المؤطر للمجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي، بالإشارة إلى أن “القطاع الجمعوي بالمغرب شهد تطورا مهما خلال الخمس وعشرين سنة الأخيرة، سواء من الناحية الكمية أو التوزيع الجغرافي أو على مستوى حقول اشتغاله، المتمثلة عموما في المجالات التربوية والتنموية والثقافية والحقوقية والدينية وغيرها، ويفرز هذا المجال ،بموازاة مع تطوره، تحديات ومتطلبات تشريعية وتنظيمية ومادية من بينها: مسألة التأطير القانوني، وتخليق الممارسة وشفافية التمويل … “.
“منزلة” تفيد معطيات رقمية بشأنها ، بأن عدد الجمعيات ، إلى غاية الشهور الأولى من سنة 2016 ، ناهز 130 ألف جمعية موزعة عبر مختلف مناطق البلاد، منتقلا من رقم 116 ألفا سنة 2014، في وقت كان لا يتجاوز 90 ألفا في نهاية 2012. وماليا ، أوضحت المعطيات نفسها أن التمويل العمومي للجمعيات ناهز 165 مليون درهم عام 2015 ، كحصيلة أولية، في وقت ناهز 2.2 مليار درهم عام 2014.
أرقام ، من المال العام ، آخذة في الازدياد ، لابد وأن تسائل المنشغل ب”أحوال المجتمع “، عن مدى “إيمان” بعض المنوطة بهم مهام ترجمة منطوق “القول الدستوري” على أرض الممارسة اليومية ، في هذا الإقليم أو ذاك ، هذه المدينة أو تلك البلدة ، بدور الشريك المسند ل “الفاعل الجمعوي” ، والذي دعا الخطاب الرسمي إلى جعل العلاقة معه ترتدي لبوس ” التكامل” لا التنافر ، وذلك استحضارا لأصوات الاحتجاج المرتفعة ، في بعض المناطق ، حول “غياب الموضوعية” في توزيع الدعم المخصص للجمعيات المقدمة بمشاريع ” الصالح العالم ” تحت “ظلال ” المبادرة الوطنية للتنمية المباشرة؟
طبيعة تمثّل “الشراكة” المنادى بها دستوريا، عند عدد ممن يمسكون بزمام القرار – ليس الكل بطبيعة الحال – في أكثر من جماعة ترابية، تتسم باعتبار “الفاعل الجمعوي”، خصما يستوجب التعامل معه التسلح بغير قليل من الشك والارتياب ، وأحيانا الاجتهاد في”خلق” كل أنواع العراقيل أمام “مشاريعه”، كوسيلة للضغط في أفق جعله يرفع راية “الولاء” ويرضى بالتحرك ضمن حدود الدائرة المرسومة ل” العمل الجمعوي” وفق مفهوم يحصر مشاريع “المنفعة العامة ” في حملات “ختان الأطفال”، و “حفلات التبوريدة ” وما شابه ذلك!
واقع غير مطمئن تحبل به “شكايات” عدد من الفاعلين في أكثر من منطقة ، كما يحكي بعض المنحدرين من قبائل تابعة لإقليم تارودانت : ” أمام تعدد النقائص التي تعاني منها دواويرنا، اتفق العديد من أبناء المنطقة، على تأسيس جمعية تكون بمثابة مخاطب أمام السلطات المحلية والمنتخبة، في سياق التعاون والبحث عن السبل الناجعة للتخفيف من وطأة الحاجة والعوز، التي تعيق برامج التنمية المنشودة ، لكننا لم نجد الآذان الصاغية دائما”، مضيفين ” تعذر علينا حتى مجرد تحديد موعد لعرض وجهات نظرنا، أما مسألة حضور دورات المجلس الجماعي، فغالبا ما لا يعتد بها ، وإذا ما أخذ أحدنا المبادرة وقرر الاستفادة من الفرص التي تتيحها المقتضيات الدستورية الجديدة ، فقد يتم اصطناع بعض أسباب رفع أشغال الجلسة، أو تحويلها إلى سرية، تحت مبررات غريبة”.
في السياق ذاته ، ترى مصادر جمعوية بالعاصمة الاقتصادية، أن ” تواجد منتخبين على خط التماس مع مكاتب بعض الجمعيات – علاقة قرابة مثلا – يحدث لبسا بالنسبة لجمعيات أخرى ترى أن مشاريعها ترفض دون تقديم أي تعليل موضوعي ، في وقت تعبد الطريق أمام أخرى أقل أهمية، أو لا تمثل أولوية بالنسبة للساكنة المعنية بالاستفادة منها”. و” هذا الغموض تكرس جليا مع برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي لا يتردد البعض في التشويش على غاياتها النبيلة، من خلال جعل الدعم أسلوبا لتوفير قاعدة من الناخبين في أي استحقاق مرتقب، جماعيا كان أو برلمانيا” ، و” هذا الخلط ، تتابع المصادر نفسها ، هو الذي يفسر تراجع وتقلص “ثقافة التطوع”، التي تشكل صلب العمل الجمعوي، والتي طبعت أعمال الرواد المؤسسين بداية من ستينيات القرن الماضي، وباندثارها تصبح “خدمة المصالح الخاصة” في صدارة الاهتمام، مع ما يعنيه ذلك من فتح مسالك خلفية لهدر المال العام وإضاعة زمن تنموي ثمين ” .
انطلاقا مما سلف من معطيات لاتدعو للتفاؤل ، يتضح أنه من المستعجل العمل على تفادي اتساع “الفجوات” الفاصلة بين ما تنطق به الوثيقة الدستورية “من أسس الديمقراطية التشاركية”، و ما تحبل به “الممارسة الميدانية” من تجليات معاكسة التيار ، حيث ليس كافيا التوفر على قوانين “متقدمة”، إذا كانت مسؤولية “تطبيقها اليومي” مسندة لأصحاب “الأجندات غير العمومية” ذات “الفواتير الاجتماعية” الباهظة.
الكاتب : حميد بنواحمان benouahman.presse@gmail.com - بتاريخ : 28/11/2017