حديث الأرقام : الرسائل القوية التي وجهها لحليمي لأصحاب المصالح و«الكارتيلات»

  عماد عادل

 

نادرا ما أصبح أحمد لحليمي المندوب السامي في التخطيط يخرج للرأي العام الوطني. وعندما يفعل، فإنه غالبا ما يبعثر أوراق الحكومة ويخلط حساباتها المفرطة في التطمين والتفاؤل.
التحليل الهادئ والعميق الذي عرضه لحليمي أثناء تقديميه للميزانية الاستشرافية لسنة 2023، جاء كما عودنا دائما، بلغة الأرقام الرزينة والخالية من المساحيق، ليسلط الضوء على العلل التي مازالت تنخر جسم الاقتصاد الوطني والأعطاب الهيكلية التي تجعل منه اقتصادا هشا يتحرك في حلقة مفرغة تحت رحمة السماء، كلما جادت بالأمطار كلما حقق معدلات نمو تفوق 4 في المائة، وبمجرد أن تنحبس السيول سرعان ما يهبط معدل النمو إلى ما دون 1 في المائة. (توقعات النمو خلال العام الجاري كمثال 1.3 في المائة)
بالنسبة للمندوب السامي للتخطيط، فقد خسر المغرب بين عامي 2020 و2022 ما يعادل عامين ونصف من النمو وثلاث سنوات من الجهد المبذول في محاربة الفقر، بل إن هذه السنوات الثلاث قد تبخرت معها كل المكاسب التي تحققت في مجال محاربة الفوارق بين عامي 2000 و2019.
وإذا كانت الأرقام التي يأتي بها لحليمي طالما أزعجت بصراحتها الحكومات السابقة، فإنها هذه المرة تبعث على القلق أكثر من أي وقت مضى، وتسائل السياسات العمومية التي تنهجها الحكومة الراهنة في أكثر من قطاع.. وهو ما جعل المندوب السامي في التخطيط يدعو إلى إحداث قطيعة جذرية مع النموذج الاقتصادي المتبع حتى الآن في القطاعين الفلاحي والصناعي..
ففي القطاع الفلاحي يرى لحليمي أن هناك حاجة ملحة من أجل سياسات عمومية ناجعة تحافظ على الأنشطة الاقتصادية التقليدية الصغيرة والتي طالما شكلت عبر التاريخ عنصر استقرار وتماسك اجتماعي واقتصادي في العالم القروي. حيث بات من الضروري وضع الفلاح الصغير في صلب هذه السياسات خصوصا في هذه الظرفية التي أصبحت موسومة بالصدمات المناخية التي غالبا ما يكون وقعها على الفلاح الصغير كارثيا، على عكس أرباب الاستغلاليات الكبرى الذين يعرفون جيدا كيف يتدبرون أمورهم ولديهم ما يكفي من الإمكانيات للحفاظ على أنشطتهم المدرة للقيمة المضافة..
من جهة أخرى يطرح أحمد لحليمي في تحليله للوضعية الاقتصادية، أسئلة محرجة، فما جدوى الاستثمارات العمومية الضخمة التي تبتلع أموالا طائلة إذا لم تكن لها مردودية ملموسة على أرض الواقع؟ «نحن نستثمر ما معدله 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي. كيف لا تكون هناك مردودية من هذا الاستثمار؟ هذا يعني أن هناك هدرا للمال العام في مكان ما، حيث إدارته تتم بشكل سيئ، أو أننا نستثمر حيث لا يجب الاستثمار … نحن بحاجة إلى العودة إلى المثل والمبادئ الأخلاقية، التي تعد من أبرز عوامل الإنتاج. ومن يقول النموذج الأخلاقي، يقول بالضرورة محاربة الفساد ضد «الكارتلات» وضد اتفاق أصحاب المصالح وضد استغلال المؤسسات العامة..»
أسئلة لحليمي هذه المرة كانت مليئة بالرسائل المشفرة والواضحة والتي لابد أن تكون أطراف كثيرة في الحكومة قد التقطتها وفهمت مغازيها جيدا..

الكاتب :   عماد عادل - بتاريخ : 18/07/2022