حين لا يستفيد الصغار من الكبار

مصطفى خُلَالْ

 

مضت أربع وستون سنة دون أن تحقق الجمهورية الجزائرية، جارة المغرب الشرقية، ولا واحدا من أهدافها، المعلنة وغير المعلنة معا، في موضوع عدوانها على جارها الغربي، المغرب.. وهي هنا تماثل على نحو مصغر القوى العظمى في حروبها على شعوب تستعديها لمصالح محددة تخصها.
لماذا عجزت جمهورية الجزائر عن تحقيق أي من أهدافها؟
لأن قادتها ركبوا رؤوسهم ورفضوا صِدْقِيَةَ فكرة بسيطة هي بمثابة قاعدة يطبقها (التاريخ)، وهي قوة (عدالة قضية). ويقدم (التاريخ) عددا هاما من (القضايا العادلة)، التي ينهزم فيها الكبار وهم يجرون وراءهم كل أصناف ذل الهزيمة العسكرية بعد أن يكونوا قد قتلوا الآلاف من مقاومي ومدنيي الشعب المُعْتَدَى عليه، مثلما جروا إلى القتل الآلاف من عساكرهم هم أنفسهم.
انهزمت المملكة المتحدة البريطانية في كل المناطق التي احتلتها، وأهينت الجمهورية الفرنسية في فيتنام مورثة نفس المهانة للولايات المتحدة الأمريكية التي خرجت من حرب فيتنام مطأطأة الرأس مَهِينَةً ملعونة من شعبها دون الحديث عن لعنة كل شعوب الأرض لها، وانكسرت قوتها في أفغانستان جعلتها تنسحب فارة في جبن منقطع النظير لاجئة إلى إمارة قطر من أجل أن تتوسط لها في التفاوض مع من كانت تسميهم إرهابيين من الأفغانيين، ناسية نفس الهزيمة المذلة التي كان تكبدها جيش قوة عظمى أخرى من عساكر الاتحاد السوفييتي المنهار من قبل نفس المقاومين الأفغان.
ونحن نشير إلى هذه الأمثلة، هل ينبغي التذكير بحروب وهزائم الإمبراطوريات الاستعمارية وهي تنسحب ذليلة من مستعمراتها القديمة، مخلفة الضحايا بالملايين من الجانبين المتقاتلين، أحدهما يقاوم من أجل قضية عادلة، والآخر يعتدي من أجل قضية خاسرة.
لكن في حال حروب الأقوياء هذه هناك بعض من الشرف الذي يمكن أن نعترف به في هذا المقام، وهو أن الإمبراطوريات، إمبراطوريات الأقوياء يحاربون وجها لوجه الشعوب المُعتدى عليها، وبدون اللجوء إلى حروب بالوكالة إلا في ما ندر، أما الجزائر فتعتدي بأسلوب جبان، لجأت وتلجأ فيه إلى منظمة مغربية انفصالية من جهة، هي جبهة البوليساريو، فاستحوذت عليها تمولها وتسلحها وتروج لأطروحتها الانفصالية في المحافل الدولية، وإلى احتجاز ومحاصرة عدد لا يستهان به من المواطنين المغاربة من جهة ثانية، خالقة لهم وضعا مأساويا ولا إنسانيا لا يحتمل، وضعا يعيشون فيه ويتعيشون على صدقات جمعيات خيرية أجنبية .
إن الجمهورية الجزائرية دولة صغيرة بالمقارنة مع الامبراطوريات المشار إليها، وانطلاقا من وضعها هذا، وضعها الصغير، لا نراها تستفيد من هزائم الكبار في قضايا تقاس بما هو عادل بالنسبة لجانب، وما هو خاسر بالنسبة لجانب متعارض، ولو كانت الجزائر دولة عظيمة شديدة القوة، مهابة الجانب، فهل كانت ستنتصر في (قضية عادلة-خاسرة)، عادلة بالنسبة للمغرب وخاسرة بالنسبة لها؟
قلنا: مضت ست وأربعون سنة على اعتداء الجزائر على الوحدة الترابية للمغرب، مضت كل هذه العقود دون أن يتحقق للجزائر ولا هدف واحد من أهدافها غير المعلنة. هدفت وتهدف الى إضعاف المغرب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. ففشلت، وحصل العكس إذ المغرب يتقوى في كل الميادين بما فيها تماسك وتراص اللحمة السياسية بين القيادة والشعب بكل مكوناته، كان من غايات الجزائر أيضا عرقلة كل عمل من كل صنف من شأنه أن يسمح بتنمية المغرب على كافة المستويات، لكنها فشلت في هذا الأمر أيضا، فالتنمية في المغرب، وبالرغم من جائحة الفساد الذي فشل المغرب إلى حد اليوم، ومنذ الاستقلال، في الانتصار عليه، بالرغم من هذا الفيروس، نقول، فإن نقطا هامة لتنمية البلد تسجل في كل عقد.. وفي كل ميدان، وفي عدد لا بأس به من المدن ومن ضمنها مدن الجنوب الذي تريد الجزائر، دون أن تنجح إلى اليوم، ولن تنجح أبدا في اقتطاعه من الوطن المغربي، الذي كان من أقداره ومن سوء حظ التاريخ أن يسترجع مستعمراته على مراحل، وليس دفعة واحدة، علما أن هذا الطريق، طريق استرجاعه كافة أراضيه، لم يقطع بالكامل بعد.
كذبت الجمهورية الجزائرية وتكذب على الدوام حتى حولت الكذب إلى أيديولوجية ثابتة في وعيها اللاواعي باسترشادات التاريخ، فمن أين لها أن تستفيد من دروسه، كيف لكاذب كذوب أن يسترشد بالتاريخ، بهزائم الكبار أمام عدالة القضايا، هذا أمر مستحيل، فالكذاب قبل أن يكذب على الآخرين، يكذب على نفسه، يصدقها ويصدق أن الآخرين سيصدقون كذبه، ولا يعي أبدا أنهم يسخرون منه إن لم يكن في العلن والعراء، ففي الخفاء وفي المسكوت عنه…
وها العالم يتفكه يوميا بأكاذيب دولة تعيش على الكذب للكذب من أجل الكذب، ولله في خلقه شؤون.

الكاتب : مصطفى خُلَالْ - بتاريخ : 23/11/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *