حين يغيب تكافؤ الفرص… تضيع شفافية الانتخابات

نورالدين زوبدي

في الوقت الذي يُنتظر فيه أن تكون الانتخابات القادمة محطة لتعزيز الثقة في المؤسسات وتوسيع المشاركة، تبرز ممارسات خطيرة تُهدد جوهر هذه الاستحقاقات، وفي مقدمتها غياب تكافؤ الفرص بين الفاعلين السياسيين.
مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية، تتزايد المخاوف من تكرار سيناريوهات تُفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها، في ظل استغلال بعض أحزاب الحكومة لإمكانيات الدولة في حملاتها، ما يخلق خللًا كبيرًا في مبدأ تكافؤ الفرص بين مختلف المكونات السياسية، ويقوض مصداقية النتائج.
الواقع السياسي يشهد تسابقًا غير نزيه بين بعض هذه الأحزاب لاستقطاب رؤساء الجماعات من مختلف الانتماءات، سواء من الأغلبية أو المعارضة، عبر وعود مغرية بتمكينهم من مشاريع تنموية حيوية، كشق الطرق وبناء المرافق. وفي ظل قلة الإمكانيات وتزايد المطالب، يصبح هؤلاء الرؤساء فريسة سهلة لهذا النوع من «الإغراء السياسي»، الذي يُحول العمل الانتخابي إلى مجال للمقايضة، لا للتنافس الشريف.
في هذا السياق، فإن قيام منتخب بتغيير انتمائه السياسي، والاشتغال في حملة لفائدة الحزب الذي مكنه من مشروع تنموي خلال فترة التحضير للانتخابات، يمكن اعتباره شكلًا من أشكال الرشوة الانتخابية. هذا النوع من الاستغلال للنفوذ والمال العام يُعدّ تهديدًا مباشرًا لنزاهة العملية الانتخابية، وقد تترتب عليه مسؤوليات قانونية.
هذا الخلل البنيوي في التنافس لا يهدد فقط التعددية، بل يضرب في العمق أحد الأسس الجوهرية لأي انتخابات نزيهة: تكافؤ الفرص. فمن يملك وسائل الدولة أو المال السياسي يهيمن على المشهد، في حين تُقصى الأحزاب التي تعتمد فقط على مصداقيتها وبرامجها.
وفي تحول لافت عن الممارسة السياسية المعتادة، كلّف جلالة الملك محمد السادس وزير الداخلية برئاسة الاجتماع التمهيدي الخاص بالتحضير للانتخابات المقبلة، عوضًا عن رئيس الحكومة، كما كان معمولًا به في المحطات السابقة. هذا القرار الملكي يحمل دلالات سياسية واضحة، إذ يُراد منه تحصين العملية الانتخابية من أي شبهة انحياز حزبي، وضمان إشراف محايد يرسخ تكافؤ الفرص بين جميع الفاعلين السياسيين. فالوزير المعني ليس فاعلًا انتخابيًا مباشرًا، وبالتالي يمكنه إدارة التحضيرات من موقع مؤسساتي مسؤول، يُغلب المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية الضيقة. إنها رسالة ملكية صريحة مفادها أن التنافس يجب أن يكون نزيهًا، وأن الدولة فوق الأحزاب.
وفي هذا السياق، عقد وزير الداخلية في حكومة عزيز أخنوش جلستين مع زعماء الأحزاب حول الانتخابات المقبلة. هذه المبادرة في حد ذاتها تُثير تساؤلات عميقة حول توازن الأدوار داخل الجهاز التنفيذي، إذ إن رئيس الحكومة، الذي هو في الآن نفسه زعيم لحزب سياسي، سيجلس أمام وزير داخليته ليقدم له مقترحات بشأن تنظيم الاستحقاقات الانتخابية، وهي المقترحات نفسها التي ستُحال لاحقًا إلى المسطرة التشريعية باسم الحكومة التي يرأسها.
وطوال هذا المسار، لن يتصرف رئيس الحكومة إلا باعتباره زعيم حزب، لا رئيسًا لحكومة تمثل كافة المغاربة. وهذا في جوهره دليل على عجزه عن إقناع الفرقاء السياسيين وعموم المواطنين بأنه رئيس للجميع، لا فقط قائد حزب يهيمن على الجهاز التنفيذي. في البلاغة السياسية، يمكن اعتبار هذا الوضع حكمًا بانعدام «الحياد الديمقراطي» الواجب في تدبير استحقاق سياسي يهم الدولة والمجتمع.
هنا، يبلغ منطق التحيز مداه، حتى يكاد «الكائن السياسي» يتغول إلى درجة أن يلتهم نفسه، بعد أن التهم حياد الدولة.
وقد شدد جلالة الملك في أكثر من خطاب على ضرورة ضمان شفافية ونزاهة الاستحقاقات الانتخابية. لكن هذا التوجيه لا يمكن ترجمته على أرض الواقع دون التصدي الصارم لهذه الممارسات، وضمان حياد الإدارة، ومنع توظيف المشاريع العمومية كأدوات انتخابية.
من أهم عناصر التنافس العادل كذلك، مسألة التمويل الحزبي. فمن غير المقبول أن تحظى بعض الأحزاب بإمكانيات مالية ضخمة تمكّنها من إدارة حملات فخمة، بينما تعجز أخرى عن تغطية مصاريفها الأساسية. هذا الاختلال يُفرغ التعددية من محتواها، ويُقصي كفاءات وطنية حقيقية من المشهد السياسي.
إن ضمان تكافؤ الفرص في العملية الانتخابية ليس مجرد مطلب أخلاقي، بل هو شرط ضروري لإنجاح التحول الديمقراطي، وتعزيز ثقة المواطن في العمل الحزبي، وفتح المجال أمام طاقات جديدة قادرة على خدمة الصالح العام بفعالية .

الكاتب : نورالدين زوبدي - بتاريخ : 04/08/2025