خشية الغرب من «اللا- تغريب»
مصطفى خولال
يتساءل البعض عن سر هجوم القادة الغربيين على الصين وتبرمهم من الهيمنة التجارية خاصة لبلاد ماو تسي تونغ. . يتساءلون أيضا عن الآفاق المفتوحة لحضارة غامضة قد تزيح السيطرة المطلقة للغرب على أقدار الإنسان في العالم.
هي تساؤلات لم تفرضها الأوضاع الصحية والاقتصادية والسياحية الطارئة والتي ترتبط اليوم بوباء كورونا في العالم كله، بل ترتبط بالوضع الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي والثقافي الذي أضحت فيه الصين من الفاعلين الأكثر قوة وحضورا في كل قارات الأرض.
والحقيقة أن هذه التساؤلات ليست وليدة اليوم، ولا هي غير ذات جذور فكرية وسياسية، ففي السبعينيات من القرن الماضي عرف كتاب آلان بيرفيت بفرنسا وعندنا بالمغرب والجزائر وتونس انتشارا واسعا، العنوان وحده كان مثيرا ولا يمكن للقارئ المهتم ألا ينكب على قراءته بل ودراسته: «حين ستنبعث الصين سيرتجف العالم» هذا هو عنوان الكتاب. بيعت من الطبعة الفرنسية وحدها 885 ألف نسخة. ثم انتبه الناشر (فايار) إلى أسلوب أكثر تأثيرا فأعاد نشره في (سلسلة الجيب) في جزأين بعنوانين أكثر جاذبية: نشر الجزء الأول بعنوان فرعي هذه صياغته: «نظرات في النهج الصيني»، في حين كان العنوان الفرعي للجزء الثاني بهذه الصياغة: «الميدالية ووجهاها». والحقيقة أن للعنوان أصلا يعود إلى نابليون الأول وينطلق من نبوءة أضحت مشهورة شهرة الإمبراطور الفرنسي نفسه: تقول النبوءة: «دعوا الصين إذن نائمة. ذلك أن الصين إذا ما انبعثت فإن العالم أجمع سترتعد فرائصه»، غير أن نقادا وعلى رأسهم المؤرخ جان تيلار، يشككون كثيرا في صحة أن تكون نبوءة نابليون هي أصل عنوان الكتاب. يعتبرون أن هذا العنوان إنما يعود إلى فيلم : «55 يوما في بيكين» والذي عرفته قاعات العرض السينمائي في العام 1963.
لقد سافر المؤلف، وهو رجل سياسة فرنسي، وكاتب، في العام 1971 إلى الصين على رأس وفد برلماني، وكان يرأس وقتها لجنة الشؤون الثقافية والاجتماعية في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) . وبصفته هذه أنجز تقريرا هو بمثابة تحقيق يخص الوضع في الصين التي كانت تعيش أحداث «الثورة الثقافية» الشهيرة يقودها ماو تسي تونغ بنفسه مع قادة الحزب الشيوعي. وترتكز الأطروحة الرئيسية بأن كل المعطيات الثقافية الصينية تفيد بأن الصين ستنتهي بأن تفرض نفسها على العالم بمجرد حصولها على التكنولوجيا اللازمة.
مرت سنون معتبرة ولم يطو الكتاب النسيان، ذلك أن الكاتب أغناه بملاحظات إضافية ضمنها لطبعة جديدة أصدرها في العام 1980. وكما لو أن الكاتب أراد أن يبقي المعني بالأمر، وهو هنا الغرب كثقافة وكحضارة وكقوة مهيمنة، مشدودا إلى الأطروحة المركزية لكتابه الذي كان في الأصل كما قلنا تقرير لجنة برلمانية، فنشر في العام 1996 عملا جديدا أعطاه العنوان التالي: «الصين انبعثت».
ولم يتوقف النقد في فرنسا خاصة عن الاحتفاء بهذا العمل، اعتبره البعض كشفا دقيقا للقدرات الصينية الكامنة ولعمق تأثيرها المتوقع. ورأى فيه آخرون منجزا ذكيا يتضمن تحذيرا يتوجه ضمنا إلى ما يمكن أن يكون عليه «اللا- تغريب» بقيادة قد تكون متفردة مثلما قد تكون نتاج «تحالف حضاري» ستعود للصين وحدها طليعته.
وهكذا لاحظنا ولأول مرة خفوت الأطروحة الفكرية والسياسية التي لا تتوقف عن نبذ شمولية وطغيان النظام السياسي الصيني، وأضحى الجدل وكأنه غير مهتم بغياب النهج الديمقراطي في الصين الشيوعية. كاد المنشغلون بالموضوع أن ينسوا كل ما هو سلبي في التجربة الصينية، وهو المأخذ الرئيسي الذي جعل منتقدي النظام السياسي الصيني، سواء من الغرب نفسه أو من المعارضين الصينيين يعبرون عن انتقادهم الشديد لتوجه الكتاب مذكرين صاحبه بمراكز إعادة التربية وبالهاربين من الصين وبالدماء التي سالت بكثرة تدعو إلى غضب لا يتوقف.
وبالرغم من هذا فقد صار النقاش منصبا على العوامل الذاتية التي ستجعل الصين قوة مهيمنة تملك كل القدرات التي تتيح إنزال الغرب من عربة قيادة الإنسانية … وعلى هذا النحو اشتق مفهوم جديد هو اليوم واحد من محاور النقاش الفكري والفلسفي في مجموع الفضاءات الغربية «La désoccidentalisation»/المخوصصة، إنه مفهوم «اللا- تغريب» وهو مفهوم لم يعد يخص المفكرين والفلاسفة إذ راح يتطارحه غيرهم من خارج تخصص هؤلاء.
الكاتب : مصطفى خولال - بتاريخ : 06/07/2021