خطاب الجرأة والتعبئة الوطنية المستدامة

عبد السلام المساوي

يعتبر الصمود وسط الأعاصير، السياسية أو غيرها، من المواصفات التي ينبغي أن تتوفر في القيادة، في مختلف المجالات.  ويمكن اعتبار القدرة على الفعل الواعي والمنظم خلال مواجهة تلك الأعاصير والتغلب على مضاعفاتها من العلامات التي لا تخطئ على القيادة الفعالة والناجحة .
هذا ما فعله المغرب بالذات خلال جائحة كورونا تحت قيادة الملك محمد السادس الذي لم يتردد في اتخاذ القرا ات الصعبة في ظرف قياسي استرعى انتباه كثير من المراقبين على المستوى الإقليمي والدولي، بمن فيهم من كانوا ينظرون إلى المغرب، بعين من لا يتوقع منه الحسم في القرار والإصرار على مواجهة الجائحة، بسبب شح الإمكانات وضغوط الظرفية الاقتصادية على بلد نام يواجه مضاعفات التغيرات المناخية السلبية وفي مقدمتها الجفاف الذي يؤثر بشكل حاد وملموس على إجمالي دخله الوطني السنوي. فقد كان مثل هؤلاء ينتظرون أن تعصف الجائحة بكل مكتسبات المغرب وتضع مستقبله في مهب الرياح. غير أن الواقع المغربي جاء على عكس ذلك النوع من التوقعات، وفرض على العالم النظر إلى المغرب ومقاربة قيادته السياسية للأزمة الصحية ومضاعفاتها نظرة أخرى وصلت لدى البعض حد التجسيد الملموس لنموذج يحظى بالتقدير والاحترام.
ولا يعود الأمر، في الواقع، إلى معجزة من المعجزات غير القابلة للتفسير والمقاربة، وإنما يرجع إلى تضافر عوامل القراءة الواضحة لمؤشرات اتجاهات الجائحة والإرادة السياسية القوية في مواجهتها في إطار مقاربة واقعية عقلانية تتميز بالتدبير المتدرج المترابط الحلقات لمختلف مراحل عملية المواجهة.
فخطاب جلالة الملك بإيجاز شديد، هو خطاب الجرأة في تناول قضايا راهن ومستقبل المغرب في إطار رؤية استراتيجية تربط عضويا بين مواجهة جائحة كورونا، التي أصابت جل مناحي الحياة عندنا، كما في كل بلدان العالم، وبين إعادة الاعتبار للعناوين الأساسية للإصلاح الحداثي الشامل، الذي التزم بإنجازه ملك البلاد منذ تقلده مسؤولية الحكم بعد وفاة والده الملك الرحل الحسن الثاني قبل إحدى وعشرين سنة.
وبطبيعة الحال، فإن استثنائية الظرف الوبائي الطارئ قد استدعت اتخاذ قرارات استثنائية، وأساسًا بمقياس صعوبتها وقسوتها وكونها ليست بنات طيب خاطر ملك البلاد لمضاعفاتها الكبيرة على الحياة اليومية المواطنين، غير أن ضرورتها تعود إلى كونها تصب في مصلحة الوطن حيث تمثل حماية حياة المواطنين الأهم ضمن قائمة الأولويات.
وقد حرص الخطاب الملكي على الدفع إلى تحويل تلك المكتسبات، على راهنيتها،  إلى نقطة انطلاق، ولحظة تأسيسية، أخرى، ضمن المشروع النهضوي التنموي والحداثي للبلاد، ومواجهة كل الانعكاسات السلبية للجائحة، على مرافق الاقتصاد الوطني ومختلف شرائح المجتمع المغربي على مستوى دخلها كما على ميزانية الدولة ، لذلك تم توجيه الحكومة لدعم «صمود القطاعات المتضررة، والحفاظ على مناصب الشغل، وعلى القدرة الشرائية للأسر، التي فقدت مصدر» رزقها.
وقد عدد الخطاب أولويات وإجراءات وقضايا هامة أهمها:
-» إطلاق خطة طموحة للإنعاش الاقتصادي تمكن القطاعات الإنتاجية لاستعادة عافيتها وتعزيز قدرتها على توفير مناصب للشغل والحفاظ على مصادر الدخل».
– التخطيط ل «ضخ حوالي 120 مليار درهم في الاقتصاد الوطني، أي ما يعادل 11 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وهي نسبة تجعل المغرب من بين الدول الأكثر إقداما في سياسة إنعاش الاقتصاد بعد هذه الأزمة».
– «إحداث صندوق للاستثمار الاستراتيجي مهمته دعم الأنشطة الإنتاجية، ومواكبة وتمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى بين القطاعين العام والخاص.»
– «الإسراع بإطلاق إصلاح عميق للقطاع العام، ومعالجة الاختلالات الهيكلية للمؤسسات والمقاولات العمومية، قـصد تحقيق أكبر قدر من التكامل والانسجام في مهامها».
– دعوة لإحداث «وكالة وطنية مهمتها التدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة، ومواكبة أداء المؤسسات العمومية».
إن القراءة الموضوعية الهادئة، في خطاب تمت بلورته ضمن ظرفية جائحة عصفت بأرواح الآلاف وباقتصاد بلدان متقدمة، لتفرض على المراقب السياسي الموضوعي الاعتراف بأن القيادة السياسية المغربية قد كانت في مستوى التحدي، من حيث جرأتها في مقاربة الجائحة، ومن حيث قدرتها على حشد طاقات المجتمع والدولة في معركة شاقة بكل المقاييس، إلا أن الصمود والإرادة السياسية التي تحكمت في توجيه دفة المعركة بقيادة ملك البلاد، قد مكنت المغرب من ربح شوط هام منها. ومن شأن الإصرار على التعبئة الوطنية وانخراط كل القوى الحية فيها، وفق ما تضمنه الخطاب الملكي من قرارات وتدابير وتوجيهات، وضع الأسس الكفيلة بربح أشواط أخرى.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 25/07/2023