رهانات المؤتمر الثاني عشر: نحو خطاب سياسي يعيد الثقة

نورالدين زوبدي
يعرف المغرب إنجاز مشاريع استراتيجية مهمة ساهمت في دفع تقدم البلاد، لكنها ظلت دائمًا بفضل توجيهات ملكية مباشرة، في ظل غياب المبادرة الحكومية الحقيقية التي تنكبّ على التسيير الفعّال والمسؤول، وتُمارس تضييقًا على عمل المعارضة، مما أضعف روح التعددية السياسية وأعاق دينامية الإصلاح.
في ظل هذا الوضع، يتعالى سؤال محوري في النقاش العمومي والسياسي: هل يعيش المغرب أزمة سياسية؟
سؤال لم يعد طرحه مقتصرًا على دوائر المعارضة أو المثقفين، بل أصبح يتردد في الشارع، وعلى لسان المواطنين، وحتى داخل المؤسسات، بفعل مجموعة من المؤشرات التي توحي بأن هناك اختلالًا في الأداء السياسي والمؤسساتي.
واحدة من أبرز علامات هذه الأزمة هي غياب التواصل الفعّال بين الحكومة والمجتمع. فعلى الرغم من حجم التحديات، تتسم تصريحات عدد من أعضاء الحكومة بالغموض، وتفتقر إلى الوضوح والاستباقية في شرح القرارات، مما أدى إلى فجوة عميقة في الثقة. الهيئات الوسيطة من أحزاب ونقابات وجمعيات تشتكي بدورها من ضعف الحوار والتشاور، وهو ما يُفاقم الإحساس بالتهميش السياسي والمؤسساتي.
رغم أن البرلمان يُفترض أن يكون سلطة رقابية وتشريعية فاعلة، إلا أن أداءه في السنوات الأخيرة عرف تراجعًا ملموسًا. ففي الوقت الذي يُنتظر منه مساءلة الحكومة حول السياسات العمومية، يبدو أن هيمنة الأغلبية، وضعف المعارضة، والجمود الذي يطبع عمل اللجان البرلمانية، كلها عوامل أفرغت هذه المؤسسة من مضمونها الرقابي، وقللت من تأثيرها في القرار السياسي.
من قضية «الفراقشية» إلى ملفات أخرى أثارت الرأي العام، يتزايد منسوب الشك في قدرة المؤسسات على تحقيق الشفافية ومحاسبة المسؤولين. كما أن بعض المعطيات الرسمية، سواء في ما يخص نسب النمو أو التشغيل أو الاستثمارات، أصبحت محل تشكيك وانتقاد، بسبب غياب التناسق بينها وبين الواقع المعيشي للمواطنين.
خروج الشباب إلى الشارع احتجاجًا على تدني الخدمات العمومية، وغلاء المعيشة، وتراجع الأمل في المستقبل، لا يمكن عزله عن السياق السياسي العام. إنه تعبير عن أزمة ثقة أعمق، وعن شعور واسع بالإقصاء من القرار الوطني، بل وعن إحباط من الوعود الحكومية التي لم تتحول إلى نتائج ملموسة.
في هذا السياق، جاءت الخطب الملكية الأخيرة كرسائل واضحة لإعادة تصويب الأداء الحكومي. سواء عبر الدعوة لتنزيل النموذج التنموي الجديد، أو التركيز على العدالة المجالية، أو تأهيل الشباب، أو تحسين الخدمات، بدا واضحًا أن المؤسسة الملكية تتحرك كقوة دفع تصحيحية، في مقابل عجز الحكومة عن تقديم بدائل واقعية.
وآخر هذه المبادرات، كانت التعليمات الملكية لإعداد جيل جديد من المشاريع التنموية الترابية المندمجة، كإجابة عملية على التفاوتات الاجتماعية والمجالية، مما يعكس استمرار المؤسسة الملكية في لعب دور الموازن والضامن للاستقرار.
ما يعيشه المغرب اليوم يمكن وصفه بـ»أزمة سياسية ناعمة»، لا تهدد استقرار الدولة، لكنها تُضعف دينامية المؤسسات وتُقلص من منسوب الثقة بين الحاكم والمحكوم. إنها أزمة حكامة، تواصل، ومصداقية، وليست أزمة شرعية أو انهيار.
في خضم هذا السياق المأزوم، يعقد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مؤتمره الوطني الثاني عشر تحت شعار: «مغرب صاعد… اقتصاديًا… اجتماعيًا… مؤسساتيًا»، ملتقطًا الرسالة الوطنية ومجيبًا بوعي ومسؤولية على تحديات المرحلة، في انسجام تام مع الرؤية الملكية.
لقد سبقت مواقف الحزب اشتغاله على هذه الأزمة منذ تشكيل الحكومة الحالية، حيث وصفها بـ»المتغولة» التي تهدد التعددية السياسية وتُعطّل دور المعارضة، مما ساهم في تعميق حالة الجمود وفقدان التوازن المؤسساتي. ويأتي المؤتمر في وقت مفصلي، ليؤكد على ضرورة استعادة الديمقراطية الحقيقية، وتقوية مؤسسات الدولة، وتعزيز التواصل مع المواطنين، ضمن أفق وطني يتطلع إلى مغرب أكثر عدلًا وإنصافًا.
وليس هذا الموقف بغريب عن حزب ساهم تاريخيًا في بلورة الأدبيات السياسية بالمغرب، وكان دائمًا سبّاقًا إلى إنتاج خطاب سياسي يحمل آمال الشعب وتطلعاته، بحكم كونه حزبًا وُلد من رحم المجتمع، وتَغذى من قضاياه ومعاركه الكبرى من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية.
ويبقى الأمل معقودًا على المؤتمر الوطني الثاني عشر للاتحاد الاشتراكي في تقديم مشروع سياسي يتناسب مع متطلبات المرحلة، ويحقق إضافة نوعية ووزنية في المشهد السياسي، بعد فترة من الجمود الذي عرفته الساحة الوطنية، والتراجع العام للحركات اليسارية في إنتاج خطاب سياسي يُجيب عن الأسئلة الآنية ويواكب تحولات المجتمع المغربي.
الكاتب : نورالدين زوبدي - بتاريخ : 16/10/2025