ريادة المغرب وحكمته
نوفل البعمري
شهدت نهاية هذا الأسبوع انعقاد القمة العربية-الإسلامية غير العادية بالرياض التي مثَّل فيها رئيس الحكومة عاهل البلاد، وألقى فيها كلمة باسمه في هذه القمة التي استعرض فيها عناصر الرؤية المغربية لهذا النزاع الذي أصبح يحصد الأرواح من المدنيين في مشاهد عبَّر المغرب، بشكل رسمي، عن رفضه القاطع لها، ولكل الاعتداءات التي يتعرض لها المدنيون من الفلسطينيين بقطاع غزة، وهي الاعتداءات التي تعتبر بحكم القانون الدولي جرائم حرب ضد الإنسانية.
الرسالة الملكية كانت واضحة في تبني مواقف داعمة للشعب الفلسطيني، وهي مواقف تاريخية لطالما عبر عنها المغرب، ولطالما كانت القضية الفلسطينية حاضرة في الخطاب الرسمي، وفي السياسية الخارجية للمغرب، وهي السياسة التي تستند على كون ملك البلاد يتحدث، ويتحرك في الملف ليس من منطلق كونه ملك البلاد، بل لكونه أميراً للمؤمنين بصفته الدينية؛ فهو له نوع من «الوصاية»على المقدسات الدينية التي تتواجد بالقدس، أضف إلى ذلك أنه رئيس للجنة القدس التي بموجبها قام بعدة مبادرات، سواء المتعلقة بحماية المقدسات الدينية بالقدس الشرقية أم رفض سياسة التهويد و الاستيطان، فضلا عن المواقف التي تم التعبير عنها في العدوان الحالي على قطاع غزة، وهو عدوان كان المغرب، ملكاً وحكومة وشعباً، رافضاً له بشكل مبدئي بدون «تسييس» للموضوع ومزايدة به.
وعليه، فإن هذه المواقف هي نفسها التي تم التعبير عنها في القمة العربية-الإسلامية التي حظيت بدعم القمة التي ضمت جل الدول العربية والإسلامية بشعوبها التي تفوق عددها عن مليار مسلم وعربي، ليكون المغرب بشكل رسمي معبرا ومجسدا وعاكسا لمواقف هذه الشعوب الرافضة لأي محاولات للمساس بالمقدسات الدينية.
المغرب، في ما عبّرت عنه الرسالة الملكية، يعكس نبض الشعوب بدون أن يسقط في المزايدة بالموضوع أو بالقدس أو بالقضية… هذه المزايدة السياسية التي يريد البعض تحويلها إلى مجال للصراع السياسوي لتصفية حسابات معينة أو لمحاولة يائسة لنفض الغبار عن مشاريع لفظها الشارع وكانت قد انهارت، واستغلال دماء أطفال الفلسطينيين للمزايدة ولرفع شعارات لا تهدف للتضامن مع فلسطين بقدر ما تريد تصفية حساباتها.
إننا أمام مواقف عبَّر عنه المغرب بشكل رسمي داخلياً وخارجيا، وهي تعكس رؤية متكاملة لعاهل البلاد، وتُزاوج بين الحفاظ على ثوابت القضية الفلسطينية، و مؤسسات الدولة الفلسطينية باعتبارها ذات شرعية للحديث باسم الشعب الفلسطيني، أضف إلى كل ذلك التعبير، منذ اليوم الأول للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، عن مواقف رافضة له ومنددة به، وفي الوقت الذي عمدت بعض الدول التي تدعي أنها ما «فلسطين ظالمة أو مظلومة» إلى تقنين التظاهرات و إخراجها تحت إشراف وبتنظيم من العسكر والجيش… عكس المغرب الذي تعاطى مع مختلف المسيرات و التظاهرات بشكل فيه تفهُم لغضب المغاربة واحتجاجهم للتعبير عن رفض العدوان والتضامن مع الفلسطينيين…..
المغرب، بعاهله وشعبه، ظلا معاً يتبنيان بشكل واضح دعم القضية الفلسطينية بروح إنسانية، ووطنية تعاطت مع الوضع بشكل مبدئي، وبدون محاولات لاستغلاله، بل تبنيا معاً مواقف تعتبر ثابتة. فالمغرب الذي خرجت فيه المسيرات منذ بداية التسعينات لمسيرات مليونية هو نفسه المغرب الذي ظل على الصعيد الرسمي يتبنى مواقف واضحة من دعم الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، ليس بالشعارات بل بالدعم الإنساني والمالي، وبحماية المقدسات الدينية، في تجسيد واضح لكون القضية الفلسطينية كما قال ملك البلاد هي قضية وطنية تحظى بأولوية إلى جانب قضية الصحراء..
الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 13/11/2023