زمن إفريقي آخر

بديعة الراضي

 

مثل استعراضاتها الهيتشكوكية في الكركرات، ذهبت البوليساريو وصانعتها الجزائر إلى القمة الثلاثين لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي المنعقدة بأديس أبابا، بخطاب العدم، الذي يعتبر في موضوع تدبير النزاعات على المستوى الدولي ، خطابا متجاوزا، من أجل التقدم نحو بدائل بحلول ممكنة، مستعملة في ذلك أساليب الترويج وتكثيف الدعاية المغرضة بغية فرض سياسة الواقع، كما ذهبت بخطاب تريد أن تجعله من منطلق واقع التداول على نطاق واسع ، خطاب الحقيقة. وهو الخطاب الذي يبدو أنه يتهاوى، أمام حرص المغرب اليوم على المواجهة عن قرب، وفي عقر البيت الإفريقي، الذي اعتقد خصوم المغرب أنه حكر عليهم، وأن إفريقيا تنتهي في جغرافيتها عند حدود وهمية رسمها شعراء»القاف» فوق تراب تيندوف.
هو الوهم الذي تجاوز المنطق القاري والإقليمي والجهوي والدولي، كي يعتقد فيه القاطنون في زمن الحرب الباردة، أن البيت الإفريقي- الذي سجل فيه المغرب عودة طبيعية لمكانه الطبيعي، باستراتيجية تنبني على فهم متقدم في مفهوم التكتلات الإقليمية والجهوية والدولية، في عالم شهد تغيرات كبرى متوجهة إلى مستقبل مغاير بالتنمية والاقتصاد وتكافؤ الدول في ضفاف الشمال والجنوب- هو بيت لترديد ما تم تلقينه لشباب في دول التوتر الكبرى، بنفقات الشعوب المظللة، التي قهرت باسم شعارات الثورة، وهي الثورة التي عندما رفع ستار مسرحيتها، لم نجد فيها إلا بقايا سجائر كوبا ، وقصص الدم الموشوم على جدار الغرف السرية.
وهم، يبدو أن الجزائر تفضل مواصلته، انطلاقا من البيت الذي جعلت من إحدى غرفه، والمتعلق بمجلس السلم والأمن الإفريقي، بوابة لتحريك آليات التحرش الكبرى بوحدة المغرب الترابية، والحيلولة دون انتزاع حل سلمي توافقي تحت إشراف الأمم المتحدة، الشيء الذي سجله تاريخ هذا المجلس بإدارة فعلية لرئيسه ، الذي لا يخفي عداءه للمغرب، وهو عداء يشكل مشتركا قويا بين الجاثمين على صدر الشعب الجزائري الشقيق ، حتى تحول الرهان، على تمديد هذا العداء، ليصبح جبهة حقيقية لهؤلاء، من أجل مواصلة ممارسة القهر، والسطو على حق الشعب الجزائري، في حياة كريمة وعادلة ، ببلد غني بثرواته النفطية، تلك التي يحول فائض عائداتها إلى صناعة الوهم فوق تراب تيندوف.
لهذا لم تستسغ الجزائر عضوية المغرب في مجلس السلم والأمن الإفريقي، وكأن بابا أقفل في وجه من اعتاد تسريب مهرباته منه، خلسة من عين الرقابة.
عضوية، فتحت الصندوق الأسود في بنك المؤامرات والدسائس، حتى استشاط وزير خارجية الجزائر في افتتاح القمة غضبا، ليعلن من قلب العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أن بلاده تجدد دعمها للبوليساريو، مرددا بدوره مفهوم» حق تقرير مصير الشعب الصحراوي»، والحال أن مصيرا مشتركا في إفريقيا بكاملها يدعو إلى توحيد الجهود من أجل مواجهة تحدياته في التنمية الاجتماعية والاقتصادية ، وفي الأمن والاستقرار، ومحاربة كل أشكال التطرف، وحل النزاعات بشكل سلمي، ونزع فتيلها بناء على توجهات قادرة على إنهاء الحروب، والحد من الهجرة السرية، وتقديس الحياة ، وحماية البيئة وتوفير رغيف كريم لملايين الفقراء، هؤلاء المبعدين من مفاهيم الأمس، في فضاءات الاتحادات الإفريقية .
ولهذا، فإن النية المبيتة التي يبحث تجار المآسي على بوابات لتمريرها ، لا تنطلي علينا، والأمر لا يتعلق بمن بعثتهم أعلى سلطة في بلادنا لتمثيلنا في قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي ، بل يتعلق بقضية ، هي قضية الشعب المغربي بمختلف توجهاته ، وهيئاته التدبيرية.
قضية تجعلنا ننحتُ في الصخر، كل تلك المناورات التي مرت، والتي يواجهها الشعب المغربي بالقدرة على الاستمرارية والصمود لحماية ترابه، كما يحمي وحدته ويقوي جبهته الداخلية بالديمقراطية والتنمية والقدرة على تدبير الاختلاف، ومواجهة التحديات .
لهذا نقول لكل هؤلاء اللذين يريدون أن يمرروا أجنداتهم بإسم البيت ، إن حل كافة قضايانا في البيت الإفريقي، نحن مبدعوه ، والمفكرون في توجهاته الكبرى، لكن لن نرمي بقضايانا الجوهرية في هذا البيت، إلا عندما ننظفه من مستعملي الاتحادات لضرب وحدة الشعوب ووحدة مصيرها، بمزيد من إشعال الفتيل في مناطق التوتر، كما نقول لهؤلاء أن اتحاد الأمس مات ، من أجل اتحاد آخر يجب أن نصحح المسار فيه، كي يكون اتحادا مؤسساتيا، يعكس إرادة الشعوب في تقرير مصيرها، شعوب ترى فيها بلادنا نبراس الغد، ومصير قارة هرمت من أجل لحظة تاريخية، لإنصافها في عدالة مجالية دولية متكافئة وحرة ، تتجاوز أحلام تجار «الشنطة «، في تهريب السلاح والبشر والمخدرات وكافة الممنوعات، في الساحل والصحراء .

الكاتب : بديعة الراضي - بتاريخ : 01/02/2018