سجناء … قضية رأي عام وطني ودولي
عبد السلام المساوي
1- إن دولة الحق والقانون تقوم على إحلال العلاقات القانونية محل العلاقات الوجدانية والقرابية ( العائلية )، والعرقية، والمهنية، والمالية والأخلاقية وغيرها . فسلطة القانون هنا هي السلطة المرجعية الأعلى التي تستمد منها كل الهيئات والقطاعات والممارسات مرجعيتها الرسمية .
الجانب الاقتصادي الذي يهم دولة الحق والقانون هو التطبيق الفعلي لمبدأ « لا أحد فوق القانون « في المجال الاقتصادي أي إلغاء الامتيازات الاقتصادية والضريبية وإلزامية أداء الضرائب ومستحقات الدولة بالنسبة للجميع لا فرق في ذلك بين أبيض وأسود، بين شريف أو عامي، بين رجل السلطة والمواطن العادي .
ومقابل ذلك، فإن دولة القانون هي مبدئيا دولة الحق أو الحقوق أي الدولة التي تضمن قانونيا للأفراد حقوقهم المختلفة ( السياسية والاقتصادية والقانونية )، ومن ثمة، فإن حقوق الإنسان ليست فقط زينة سياسية بقدر ماهي إطار قانوني وسياسي وثقافي ضامن للحق تشريعيا ومؤسسيا وثقافيا .
المطلوب اليوم في بلادنا أن يتحرك القانون في وجه الجريمة والفساد بالسرعة والصرامة والفعالية والجدية، حتى يستوعب الجميع التوجه الذي اختارت الدولة السير نحوه، وهو القطع مع الفساد الذي صار يهدد بنية الدولة ويطرد الاستثمار ويعطي عن البلد صورة لا تعكس حقيقة إمكانياته وطموحاته، لكي يصبح بلدا ناميا يجلب الاستثمار والثروة والرخاء لأبنائه .
2- قرر الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بمدينة الدار البيضاء في الساعات الأولى من صباح الجمعة 22 دجنبر 2023، إحالة 23 متهما في حالة اعتقال على أنظار قاضي التحقيق وعلى رأسهم البرلماني السابق سعيد الناصري، رئيس نادي الوداد الرياضي ورئيس مجلس عمالة الدار البيضاء، إلى جانب البرلماني السابق عبد النبي بعيوي، رئيس مجلس جهة الشرق، على خلفية اتهامات بالاتجار في المخدرات وتبييض الأموال والتزوير في قضية ما يعرف إعلاميا بـ « المالي إسكوبار الصحراء « .
وفي انتظار أن يصدر القضاء قراره النهائي، لا يمكن سوى التنويه بكون القانون فوق الجميع، مهما كانت صفاتهم ومسؤوليتهم، خصوصا وأن من بين المتابعين شخصيات سياسية وعمومية كان يعتقد البعض إلى حدود صباح الجمعة أنها في حصانة مطلقة تجاه القانون، وأنها يمكن أن تفعل ما شاءت، متى شاءت، أينما شاءت، دون أن يطالها الجزاء القانوني أو أن تخضع للمساءلة والمحاسبة .
لقد كان المغاربة في حاجة إلى أن يطمئنوا على دولة القانون وعلى مبدأ المساواة أمامه، ونحن نعلم أن قرارات النيابة العامة كانت أمام تمرين حقيقي لقياس القانون وإخضاع تضخم خطاب محاربة الفساد للممارسة الفعلية، لذلك نحن اليوم أمام قضية رأي عام وطني ودولي، وهو ما يجعل كل الأنظار تتجه إلى تفاصيل هذه المتابعة المثيرة .
الرأي العام لا يمكنه سوى التنويه بقرارات المتابعة في حالة اعتقال لمسؤولين نافذين سياسيا وماليا متهمين بهذه التهم الخطيرة .
3- مقدمات ما يحدث
ليست رئاسة الفرق الرياضية والبرلمانية والنقابية والمجالس المحلية والإقليمية والجهوية حصنا منيعا ضد القانون، فمع كل هزة ارتدادية تتساقط المناصب ويتحول الرئيس إلى مجرد متهم، بالأمس كان رؤساء الفرق المغربية في خانة علية القوم، لا يقربون من مخافر الشرطة إلا لتجديد بطائق التعريف الوطنية، قبل أن تنتهي صلاحية الوجاهة السياسية والرياضية ويستعيد القانون هيبته .
بالأمس كان رئيس الفريق يعتقل بسبب نوايا المقاومة، اسألوا عن الرؤساء السابقين الذين قضوا أياما في سجن اغبيلة وعن رئيس الوداد حجاج وعن رئيس نجم الشباب حمو لفاخري الذي كان مصيره الإعدام رميا بالرصاص . اليوم أصبح رؤساء الأندية المغربية زبناء للمحاكم .
– لقد عاشت أكثر من 1500 جماعة ترابية بعد نتائج 8 شتنبر 2021 حركة غير عادية استبقت يوم انتخاب رؤسائها ونوابهم ورؤساء اللجن الدائمة، كل الأنظار اتجهت إلى ما سيقرره الناخبون الكبار، بعدما قال المواطن كلمته خلال الاستحقاق الترابي للثامن من شتنبر . ولئن كان الناخب عبر من داخل صناديق الاقتراع عن ضرورة التغيير وإعطاء الفرصة للنخب الجديدة، فإن هذا التوجه لم يمتد ليعكس تشكيل المجالس، إذ تم الالتفاف على الإرادة الشعبية بتحالف ثلاثي متغول، استعمل مختلف الآليات القديمة لإعادة تنصيب الفاسدين، واستعمال أبشع أساليب «البلطجة» لقطع الطريق على الكفاءات النظيفة .
– حينما توجه أكثر من 50 في المائة نحو صناديق الاقتراع للتعبير عن إرادتهم واختيار ممثليهم المحليين، فإنهم كانوا يفعلون ذلك لقطع الطريق أمام العدمية وخصوم الوطن، لكن كانوا يفعلون ذلك أيضا لسد النوافذ أمام الأميين وسماسرة الانتخابات والوجوه القديمة المستهلكة المتابعة في قضايا المال العام، لكن الصورة كانت صادمة حينما وجد المواطن على رأس جماعته أو إقليمه أو جهته وجوها مثقلة بالمتابعات القضائية بسبب تدبيرها الترابي السابق .
وهكذا أصبحنا أمام مجالس ترابية لا تستحق الاحترام، ولا تعكس توجهات الإرادة الشعبية، ولا يتوفر فيها أي مظهر من مظاهر الكفاءة .
إن ما حدث في انتخاب رؤساء المجالس ومكاتبها أساء للعمل السياسي وأفقد الإرادة الشعبية معناها من خلال اعتماد أساليب مشينة ودنيئة.
إن التغول الثلاثي تربى على الانتهازية والنصب والاحتيال، واعتبار الانتخابات وتشكيل المجالس والجماعات فرصة ذهبية للريع والانتفاع من مناصب المسؤولية .
لقد قطع المغرب أشواطا في إرساء نموذجه الديموقراطي، وجعل من الانتخابات والتمثيل الوطني والمحلي والجهوي، أسمى درجات خدمة المواطنين والدفاع عن مصالحهم وإيجاد حلول لقضاياهم في الصحة والتعليم والشغل والقضاء والترفيه والبنيات التحتية، وهو غير مستعد للتقهقر إلى الوراء من أجل شرذمة من المنتفعين مكانها السجن، وهو دور النيابة العامة المطوقة بواجب تحريك المتابعات في حق كل من ثبت عبثه بالمصلحة العامة للوطن .
لقد تحول الحصول على صفة مستشار جماعي أو إقليمي أو جهوي لدى البعض إلى استثمار يدر أرباحا طائلة دون سند مشروع، ويكفي الرجوع قليلا للنبش في صفقات إدخال بعض المناطق للمجال الحضري وصفقات التجهيز والتعمير والدراسات، لنقف على حجم الإثراءات غير المشروعة لبعض الرؤساء بسبب قربهم الوثيق مع الصفقات المحلية والمقاولين، ولا أدل من ذلك نقطة من بحر المتابعين أمام المحاكم بسبب تضارب مصالحهم .
والحقيقة التي يعلمها العادي والبادي أن هناك خلطا متعمدا لدى المنتخبين المحليين بين تضارب المصالح وتمثيل المصالح، فهم يتقاعسون في ممارسة المفهوم الأول لأنه مرتبط بتمثيل المصالح العامة وببذل المجهود والوقت بينما يجتهدون بل يبرعون في الدفاع عن مصالحهم الذاتية والشخصية بطرق مفضوحة .
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 27/12/2023