سلطة التشريع ومدى توافقها مع مبدئي الشرعية والمشروعية -2-
عبد الكبير طبيح
بخصوص السؤال الأول حول مصدر السلطة: مع كل الأسف لم يكتب عدد من الفاعلين السياسيين المغاربة الذين مارسوا مسؤولية الفعل السياسي في المغرب منذ بداية الاستقلال إلى اليوم تجربتهم وآرائهم حول تدبيرهم للشأن العام. حتى يمكن الاستئناس به. ما عدا بعض الاستثناءات مثل مذكرات الاستاذ عبد الواحد الراضي, وهذا النقص في المعلومة المتعلقة بالممارسة السياسية عرقل تطور البحث في الفكر السياسي في المغرب منذ بداية الاستقلال.
فمنذ وضع دستور 1962 إلى الدستور الحالي 2011 لم يجب المشرع الدستوري على ذلك السؤال-الإشكال. وهو أين يكمن مصدر السلطات في المغرب. وهو النقاش السياسي الذي أجج الخلاف والصراع السياسي الذي عرفه المغرب بين سلط مركزها ذلك الدستور بين يدي الملك، وبين أحزاب وطنية وديموقراطية تطالب بتوزيع فعلي وحقيقي لتلك السلطات حتى تساهم في بناء المغرب.
فهل المغرب استطاع تجاوز هذا الغموض وهذا الأشكال وهو يدخل مرحلة دستور سنة 2011؟
إن هذا السؤال قد يجيب عليه البعض بالنفي. كما قد يجيب البعض الآخر بالإيجاب. لكن هل الجواب يجب ان يكون فقط جوابا نظريا أو انطباعا شخصيا. أم أن الجواب يجب أن يعتمد على وسائل ملموسة تمكن من ترجيح هذا الوقف على الموقف الاخر.
وأعتقد ان دستور 2011 أسس لتحول في بناء الدولة في تغيير حقيقي لتوزيع السلطات. وهو ما يرى بكل وضوح بالرجوع أولا إلى الخطاب الملكي لـ 09-03-2011. والذي استقبل بترحيب وأمل في فتح صفحة جديدة في بناء الدولة الديموقراطية. إذ ورد في ذلك الخطاب، ولأول مرة في تاريخ المغرب أن الحكومة المقبلة ستكون منبثقة من الإرادة الشعبية.
أن جملة «الإرادة الشعبية» هي تمثل حقيقي للجواب على مصدر السلطات. باعتبارها هي سيادة الامة المعبر عنها بواسطة الاقتراع العام.
فإذا كان الخطاب الملكي لـ 09-03-2011 قد فتح النقاش حول مصدر السلطات. فأن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل أن الفصل 2 من دستور 2011 نص على أن السيادة للأمة تمارسها بطريقة غير مباشرة بواسطة ممثلها المختارين عبر الانتخاب.
ولكي نفهم أكثر معنى هذا المقتضي لابد من الرجوع إلى النقاش الذي طغى على الحياة السياسية والفكر السياسي في المغرب والكتابات التي تناولت الفصل 19 من الدساتير السابقة.
ذلك أن الفصل 19 استعمل منذ 1970, وليس منذ 1962, كسند دستوري في ممارسة الملك لسلطة التشريع بواسطة الية الظهير لإصدار قواعد قانونية ذات طابع تشريعي. مما أثار جدلا ونقاشا كبيرين حول مشروعية تلك المقتضيات في مفهومها المؤسس للدولة الديموقراطية.
إذ اعتبر الفكر السياسي المعارض أن إعمال الفصل 19 يقلص ويقوض دور البرلمان الذي هو المعبر والممثل لسيادة الأمة. وأن السلطات التي يمارسها الملك بواسطة الظهير تحجب السلطة الحقيقية لممثلي للأمة.
لكن من المفيد الإشارة إلى أن تدخل الملك بواسطة ألية الظهير في التشريع لم يكن يتم بدون سند دستوري وإنما بناء على التعديل الذي دخل على الفصل 19 بواسطة دستور 1970. ذلك التعديل الممثل في إضافة جملة «الممثل الأسمى للأمة». وهي الجملة التي لم تكن موجودة في نص الفصل 19 من دستور 1962.
ولهذا فإن صفة الملك كممثل أسمى للأمة، تجعل الملك يتملك سلطة التشريع كممثل لسيادة الامة. لأنه إذا كان أعضاء البرلمان الذين تنخبهم الأمة هم ممثلي الامة. فان الدستور اعتبر ان الملك هو الممثل الأسمى للأمة. وبالتالي من حقه التشريع باسم الامة في مجال القانون.
إن التحول الجدري الذي يقدمه اليوم الدستور الحالي، هو أنه لن يبق ينص على ان الملك هو الممثل الأسمى للأمة من جهة. بينما ثبت صفة أعضاء البرلمان كممثلين للأمة حصريين لا ينازعهم في ظل دستور 2011 أي مؤسسة أخرى.
وهذه الصفة الحصرية لتمثيل الامة ليست صيغة تسمح بعدة تأويلات. وإنما فسرت وشرحت بالشكل الحصري المشار إليه في الخطاب الملكي ليوم 17-06-2011 الذي ورد فيه ما يلي:
«……. وأما الدعامة الثانية فتتجلى في تكريس مقومات أو آليات الطابع البرلماني «النظام السياسي المغربي في أسسه القائمة على مبادئ سيادة الأمة».
أن هذا الإعلان من جلالة الملك في خطاب 17-06-2011 هو إعلان عن تخليه عن صفة الممثل الأسمى للأمة، أي تخليه عن الاختصاص الخالص المتعلق بإصدار القانون لجهة البرلمان, كما هو الامر في كل نظام ديموقراطي وفي كل دولة ديموقراطية حديثة.
ولهذا عندما نعود إلى الفصلين 41 و42 من دستور2011 والذين حلا محل الفصل 19 من دستور 1996 وما قبله من الدساتير السابقة لن نجد فيهما أن الملك هو الممثل الأسمى للأمة، وإنما نجد أن الملك هو الممثل الأسمى للدولة.
ويستنتج مما سبق أن الوثائق المؤسسة لتحديد مصدر السلطات هي الخطاب الملكي 09-03-2011 والخطاب الملكي ل 17-06-2011. اجمعتا على كون مصدر السلطات هو الأمة.
وهو ما يعني ان الجواب على التساؤل الأول المتعلق بمصدر السلطة المشار إليه هو جواب مبني ومؤسس على حجج قوية معلنة ومعززة بخطب جلالة الملك الذي أكد على مبدأ سمو الدستور. وهو المبدأ الذي لم يكن حاضرا في جميع الدساتير التي عرفها المغرب.
فهذا المطلب سنجده مفصلا في نص الخطاب الملكي 17-06-2011 , ونجد تطبيقا له في نص دستور 2011. إذ بالرجوع إلى الخطاب الملكي ل 17/06/2011 سنلاحظ أنه عند تناوله للدعامة الثانية التي بني عليها الدستور نقرأ في الفقرة الثانية ما يلي:
«….وإما الدعامة الثانية فتتجلى في تكريس مقومات وأليات الطابع البرلماني للنظام «السياسي المغربي في أسسه القائمة على مبادئ سيادة الأمة وسمو الدستور كمصدر «لجميع السلطات.»
كما أن التطبيق الدستوري للخطاب الملكي سنجده متضمن في الفقرة 3 من الفصل 42 التي ورد فيها:
«يمارس الملك هذه المهام بمقتضى ظهائر من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص «الدستور».
فالإرادة الملكية ونص دستور 2011 أجمعتا على سمو النص الدستوري. مما تأكد معه الحسم مع الجدل الذي كان يتداول حول وجود دستور مكتوب ودستور غير مكتوب.
فهل هذا الموقف وهذه الإرادة تشكل تحول كبيرا وانتقالا مغيرا للوضع السياسي بين الدساتير السابقة ودستور 2011.
وهنا سنلاحظ انتقال مصدر القانون من مجال اختصاص الملك وفق لما كان ينص عليه الفصل 19. إلى مجال اختصاص الحكومة والبرلمان. أي انتقال القانون من الثابت أي المؤسسة الملكية. إلى المتحول أي الحكومة التي تتغير بتغير اتجاه اختيارات الامة في الانتخابات.
لكن، الخلاصة السياسية والقانونية بالتبع لذلك هو أن القوانين التي تنظم الحياة اليومية للفرد والمواطن وتؤثر فيه ايجابا أو سلبا أصبحت من اختصاص المواطن نفسه, يمارسها بطريقة غير مباشرة عن طريق تفويض سلطته في سنها لمن يختارهم بواسطة الانتخاب. ويكونون فيما بينهم البرلمان والحكومة.
هذه الخلاصة تدفعنا إلى الانتقال إلى المدخل الثاني المتعلق بما اسميه بحق المواطن في إعادة فحص آلية التفويض التي أعطاها لممثله في البرلمان وبالتبع لذلك في الحكومة.
يتبع
الكاتب : عبد الكبير طبيح - بتاريخ : 10/06/2023