سياسات الجزائر الخارجية والداخلية: هل يمكنها الصمود أمام الواقع؟

علي الغنبوري
منذ وصول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى السلطة، يحاول إعادة تشكيل دور الجزائر على الساحة الإقليمية والدولية، مستفيدا من بعض المكاسب الاقتصادية التي حققتها البلاد في السنوات الأخيرة، إلا أن التحديات المتعددة التي تواجه الجزائر، سواء داخليا أو خارجيا، تجعل تنفيذ هذه الطموحات أمرا معقدا، إن لم يكن مستحيلا في ظل المعطيات الراهنة.
في مقابلة حديثة مع صحيفة «L’Opinion»، قدم تبون تصورا واضحا عن السياسات التي تنوي الجزائر اتباعها، سواء فيما يخص العلاقات الدولية، أو القضايا الاقتصادية والاجتماعية، غير أن السؤال الأساسي يظل مطروحا، هل تستطيع الجزائر تنفيذ هذه السياسات بنجاح؟ وما هي المخاطر والانعكاسات السلبية المحتملة؟
أحد أبرز المحاور التي تطرق إليها تبون في حديثه كان العلاقة المتوترة بين الجزائر وفرنسا، حيث أكد أن العلاقات بين البلدين تمر بـ «أسوأ أزمة منذ الاستقلال»، بسبب سلسلة من الأحداث السياسية التي زادت التوترات، وعلى رأسها اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء، فالموقف الفرنسي الجديد يشكل تحولا جذريا في السياسة الخارجية لباريس تجاه شمال إفريقيا، وهو ما دفع الجزائر إلى تبني خطاب أكثر حدة ضد فرنسا، منتقدة تصريحات بعض السياسيين الفرنسيين مثل إريك سيوتي وجوردان بارديلا، الذين وصفوا الجزائر بأنها «دولة معادية».
إلى جانب ذلك، أشار تبون إلى أن التعاون الأمني بين البلدين يكاد يكون متوقفا، مشيرا إلى أن الجزائر لم تعد تثق في نيات فرنسا الحقيقية ،كما انتقد الطريقة التي تتعامل بها فرنسا مع ملف الهجرة، متهما باريس بـ «الكيل بمكيالين» عبر منح اللجوء لشخصيات جزائرية متهمة بالفساد أو تهديد الأمن القومي الجزائري، لكن السؤال المطروح من بعد هذا الخطاب المتحمس لتبون ، هو هل يمكن للجزائر قطع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع فرنسا؟ الإجابة الواقعية هي لا ، فرغم التصعيد الخطابي، تظل فرنسا أحد أكبر الشركاء الاقتصاديين للجزائر، حيث تلعب الشركات الفرنسية دورا رئيسيا في قطاعي الطاقة والبنية التحتية كما أن الجالية الجزائرية في فرنسا تشكل عنصرا أساسيا في الاقتصاد الجزائري من خلال التحويلات المالية والاستثمارات، وبالتالي فإن أي توتر مستمر قد يضر بالاقتصاد الجزائري أكثر مما يضر بفرنسا.
في المقابلة ذاتها، أكد تبون موقف الجزائر المتصلب تجاه المغرب، مشيرا إلى أن العلاقات الثنائية لا تزال مجمدة بسبب ما وصفه «بالأفعال العدائية المغربية»، في إشارة إلى التعاون العسكري بين المغرب وإسرائيل، وفيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، شدد تبون على دعم الجزائر لجبهة البوليساريو، ورفض الاعتراف الدولي المتزايد بسيادة المغرب على المنطقة، كما لمح إلى إمكانية تسليح الجبهة في المستقبل، في خطوة قد تفتح الباب أمام تصعيد عسكري إقليمي.
لكن هل تستطيع الجزائر التصعيد ضد المغرب؟ هنا تواجه الجزائر عدة عقبات أساسية، أولا العزلة الدبلوماسية المتزايدة، فمعظم الدول العربية والإفريقية بدأت تقترب أكثر من المغرب، بينما تواجه الجزائر تراجعا في دعمها داخل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، ثانيا التحديات الاقتصادية، فالمغرب بعكس الجزائر، استطاع بناء اقتصاد متنوع يعتمد على الصناعة والسياحة والتكنولوجيا، وهو ما يمنحه مرونة أكبر في مواجهة الأزمات الدبلوماسية، ثالثا الخطر العسكري، فأي تصعيد عسكري مباشر سيفتح الباب لكافة الاحتمالات، خاصة أن المغرب يتمتع بتحالفات قوية مع الولايات المتحدة ودول الخليج، لذلك قد يكون التصعيد الجزائري مجرد خطاب سياسي دون خطوات عملية على الأرض، خاصة أن الجزائر تعلم أن تكلفة أي مواجهة ستكون باهظة.
في حديثه كذلك ، أكد تبون أن الجزائر تسير نحو أن تصبح قوة اقتصادية ناشئة، حيث توقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 400 مليار دولار خلال عامين، كما تحدث عن مشاريع الطاقة المتجددة، مثل الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، كبدائل للطاقة التقليدية، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما ، فالاقتصاد الجزائري لا يزال يعاني من مشاكل هيكلية خطيرة أبرزها، أن الاقتصاد الجزائري لا زال يعتمد على أكثر من 90% من عائداته على المحروقات، مما يجعله عرضة للتقلبات في الأسواق العالمية، ورغم الحديث عن تطوير الصناعة، إلا أن الجزائر لم تنجح حتى الآن في جذب استثمارات حقيقية في هذا المجال، كما أن الجزائر تعاني من بيروقراطية معقدة وقوانين غير واضحة للمستثمرين الأجانب، مما يجعل البلاد غير جاذبة للاستثمارات الدولية، و إلى جانب ذلك، فإن الحديث عن إمكانية تعويض الاستثمارات الفرنسية بالصين وروسيا يبدو غير واقعي، لأن بكين وموسكو تهتمان بالمصالح التجارية البحتة، دون تقديم دعم سياسي كالذي توفره أوروبا.
رغم الخطاب القوي الذي يتبناه الرئيس تبون، إلا أن الواقع يكشف عن تحديات جسيمة قد تعيق تنفيذ سياساته، في ظل العقبات الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية التي تواجهها الجزائر، فاستمرار الاعتماد على قطاع المحروقات، وضعف التنويع الاقتصادي، إلى جانب الأخطار الحدودية، التوترات الإقليمية والعزلة الدبلوماسية المتزايدة، كلها عوامل تجعل تحقيق الطموحات التي عبر عنها تبون أمرا معقدا.
في غياب إصلاحات جذرية تعزز التنويع الاقتصادي، وتحسين بيئة الاستثمار، وإعادة بناء التحالفات الدولية، قد تجد الجزائر نفسها في مواجهة عزلة متنامية وأزمات داخلية تهدد استقرارها على المديين المتوسط والبعيد. والسؤال الأخير الذي يمكننا طرحه،هو هل يمتلك تبون خطة بديلة لمواجهة أي انتكاسات محتملة؟ أم أن الجزائر تسير بخطى ثابتة نحو أزمة جديدة قد تعيدها إلى مربع الاضطرابات وعدم الاستقرار؟
الكاتب : علي الغنبوري - بتاريخ : 05/02/2025