عودة … من النافذة

بديعة الراضي

ليس غريبا، ولا جديدا أن يختار «مول الجبهة»…. السياسية طبعا! أن يطل علينا نهاية الأسبوع الماضي، من النافذة، بعدما «كتَّفه» حبل الزمن السياسي في بيته لشهور، حتى تنملت أقدامه والتصق ظهره بسرير قدمه لنا ذات يوم في مشاهد أراد من خلالها أن يروج لشعبوية، تعكس تواضع الرئيس الذي كان، مما يعرضه للتتفيه والتحقير والتسفيه الذي “فيه.” وهي النافذة التي جر إليها لقراءة السلام على “سنطيحته »،وهو تعبير مجازي عن »الجبهة السياسية» التي دعا لها ذات تشكيل، لكن رغبته الجامحة في ركوب جواده الخشبي، الذي جربه في شهور الزمن السياسي الذي كثفه، ذهابا وإيابا بين سرير اللهو والصالون، الذي عطره ببخور جلبه من الشرق لطرد التماسيح والعفاريت، والشياطين والضفادع، وهو الصالون الذي غير صور الأحياء فيه ليضع صور الأموات الذين سيعينونه رئيسا وهو في قبر. لهذا أريد أن أذكر «بوسنطيحة» بأننا مرارا قلنا له إن الرئيس الذي دعمنا صلاحيته الواسعة في بنود دستورنا، وناضلنا من أجل ذلك، نريده رئيسا مفعلا لبنود ثورتنا، رئيسا جسدته أنامل المغاربة في دستورهم المتقدم، رئيسا لا يميز بين الليبرالي والاشتراكي والإسلامي إلا بمقياس المواطنة، رئيسا منسجما مع مسار في الوطن الذي اخترنا أن نحقق فيه انتقالات هامة نحو الديمقراطية، رئيسا معترفا برجال ونساء الوطن الذين حملوا قضاياه الكبرى في قلوبهم وعقولهم، حريصين كل الحرص على أن يبقى الوطن سيدا أبديا بملكية دستورية برلمانية، ترقى في تفعيل الدستور بالدفع- عبر المؤسسات التنفيذية والتشريعية وبإشراك الجميع -في وضع القوانين التنظيمية، لا حساب فيها لحزبية ضيقة أو أغلبية عددية مهيمنة أو معارضة أقلية.
نريد رئيسا عادلا، حريصا على المناصفة والمساواة، يضع نصب أعينه عدم التفريق بين امرأة ورجل، ولا بين الغني والفقير، ولا بين الإسلامي والعلماني، منتصرا بذلك لحرية المعتقد، ولا بين المؤمن بتصوراته والمعارض لها.
نريد رئيسا من زمننا متوجها للمستقبل، لا يعود للماضي من أجل ضرب الأوراش الكبرى في الفكر والثقافة والسياسة والاقتصاد والمجتمع، التي قطعنا فيها أشواطا مشيا في الدرب الطويل، وعالجنا فيها الكثير من الاعوجاج الذي مسها، وتصدينا للكثير من العوائق الفكرية التقليدانية تلك التي واجهناها في ساعة الحسم العصيبة، وانتصرنا في بعضها، وتركنا بعضها للمستقبل، باختيار يعي معنى الاحتكام إلى الديمقراطية بدل ثورة الدم والسلاح ولغة البياض أو السواد.
نريد رئيسا يشرفنا في الضفة الأخرى، يملك الرؤية والفكر والممارسة، يتوقع أبعاد المواقف والتصريحات، رئيسا مرنا، يتعامل بالكثير من اليقظة والحذر والحس الدبلوماسي، يحافظ للمغرب على تقاليده وتوازناته، ويجتهد فيها بما يخدم قضايانا الكبرى، رئيسا واعيا بحجم التحدي، دارسا لممراته الوعرة، مبدعا لممرات أخرى في الخط الموازي، دافعا في اتجاه تحويل الاستثناء إلى قاعدة ومنطلقا إذا اقتضى الأمر في ساحة الحرب الدبلوماسية الماكرة.
نريد رئيسا مؤمنا بالتشارك والإشراك، رئيسا كبيرا في تواضعه، متواضعا في الإنصات والتشاور. نريد رئيسا مفعلا للدبلوماسية الموازية في القضايا الكبرى لبلادنا، لا يفرق بين أحمد ومحمد وعلي وزيد في ممارستها، إلا في الفاعلية وإحراز النتائج التي بإمكانها أن تعود نفعا على القضية والوطن.
نريد رئيسا بلسان يعي فيه حامله المسؤولية الملقاة على عاتقه، لسان يستبعد كل ما هو ذاتي أو نفسي، نحو لسان بلغة المغاربة، ليس فيها نعرات طائفية أو قبلية أو إيديولوجية أو دينية، أو جماعية إصلاحية توحيدية أو حزبية تنهل من خطابات الفقيه في المساجد غير المسجلة في وزارة حكومته.
نريد رئيسا قادرا على الاستماع والإنصات إلى كلنا، رئيسا لا يهمل بعضنا، صاحب حق وواجب ومسؤولية ومحاسبة.
نريد رئيسا مفكرا وذكيا ومرنا في التعامل مع قضايا العالم، مؤمنا مثلنا بقضايا السلم والسلام، مدافعا عن قضايانا المصيرية، عن حقنا وحق الآخر فينا أو في الضفة الأخرى من مجتمعنا، رئيسا مدافعا عن العدل أينما كان مؤمنا بالندية والتكافؤ.
نريد رئيسا قادرا أن يعطي للآخر من أجل الأخذ، وأن يأخذ من أجل العطاء باسمنا كي نكون “إنسانا” في دائرة الأنسنة، رافعين رؤوسنا في العالم بوشم النجمة الخضراء التي طبعت قلوبنا وعقولنا.
نريد رئيسا يملك تكتيكا خاصا في المهام الصعبة، ويملك خرائط وممرات ويستعملها في لحظات الحسم من أجل قضايانا العادلة .
نريد رئيسا يحسب جيدا خطواته في المسافة القائمة بين داخل بلادنا وخارجها، رئيسا قادرا على الصبر والتحمل وتقبل الانتقادات مهما بلغت حدتها، مؤجلا كل ما بإمكانه خلق تصادم محتمل.
نريد رئيسا يمتلك الحلول الاستباقية في مخططات واضحة، كي لا يغرق البلد في الوحل، بتهور في فضاء لا يحسب فيه إشاراته أو ضحكاته في تجمعات اللعب بالنار .
نريد رئيسا يقود السفينة بمعرفة لآخر مسمار دق في محركها، رئيسا ساهرا على كل الآليات في البنية المعقدة التي هي منطلق “حكم” دولة عريقة لها تاريخ وتقع في موقع استراتيجي في العالم، لا تقبل المجازفة في الرحيل بها سرا إلى فضاء يبعد عنا بآلاف الكيلومترات، حيث المساومات التي اشتمت رائحتها عن بعد في أنوف الوطنيين الأوفياء .
نريد رئيسا يجرؤ على قول الحقيقة مهما كان حجم الخطأ، الذي ارتكب بقناعة أو بدونها، رئيسا مؤمنا بأن زمن المكاشفة قد حل وأن إخفاء الشمس بالغربال لم يعد ممكنا.

الكاتب : بديعة الراضي - بتاريخ : 08/02/2018