فاتح ماي عيد الإنسانية

محمد الطالبي

 

غيب فيروس كورونا الرهيب العمال والعاملات في أرجاء الكون عن الساحات، وألغى، بكل قسوة، التجمعات والمهرجانات الخطابية في شكلها التقليدي، فاتح ماي 2020، بدون منصات، بدون لقاءات مباشرة، بدون تحضيرات.
لاشك أن اليافطات والأشعار والأغاني الجادة ستغيب من شوارع الدنيا، وسيكون التواصل عن بعد. ستدخل النقابات قسرا فضاءات التواصل المثيرة للجدل، وسيخطب الزعماء من مختلف المرجعيات والأمميات، عن بعد، من أجل توجيه رسائلهم بالمناسبة، والمناسبة هنا شرط، وسيسائلون العيد بأي حال عاد في زمن الحجر الصحي عالميا .
وكأن التاريخ يعيد قراءة ما يقارب القرن والنصف حين الصحوة الأولى للعمال والفلاحين تحت سياط الجلاد الأمريكي الذي استباح دماءهم ذات يوم في شوارع شيكاغو..
إنها عودة ليس ضروريا أن تلبس ثوب الحداد مرة أخرى للاحتفاء بحدث مر في تاريخ الشغيلة.
أشياء كثيرة جرت تحت جسر فاتح ماي على مدى الزمن، اعتراف دولي وقوانين شغل ومنظمات دولية و محلية انتصارا للعمال، ومازال صدى الكلمات المؤسسة “يا عمال العالم اتحدوا” يتردد في الآذان، وسواء جاءت الاستجابة متقطعة على مر الزمن أو لم تأت، فإن كورونا اليوم أحدثت ثورة في العالم ، بتوقيف الحركة بشكلها الاعتيادي في حياة الشعوب والأمم ، ولزوم البيوت وكأننا داخل ملاجئ في حالات الحروب ، لكن طيف العمال والفلاحين والمنتجين للخيرات التي تضمن استمرار الإنسان من حيث هو كائن يحتاج إلى مقومات البقاء ومنه الغذاء المادي والروحي و بيئة سليمة ، جعلت هؤلاء الى جانب موظفي السلطات العمومية من رجال أمن وسلطة وجيوش ومختلف الهيئات القانونية، يكونون في الواجهة الأولى بل وفي الطليعة، نعم في طليعة من يضمنون أمن البشرية ووجودها، ولا يسع المجال لذكر كل فئات العمال والعاملات اللواتي يقاومن من أجل حياة البشرية، فمن عامل النظافة إلى العمال الزراعيين والتجار الصغار و الموزعين ومحطات الوقود وحتى الباعة المتجولين لعبوا دورا في تقريب البضاعة لإشباع طلبات مواطنين آخرين، كل ما طلب منهم هو لزوم المنازل في وضع صارت فيه حياة الجماعة البشرية مرتبطة بسلوك فرد. لن ننسى الأطباء والممرضين والكوادر الطبية وغيرها من القوات الشعبية المناضلة.
تغيرت أشياء كثيرة بحيث وجب اليوم أن نغير نظرتنا للأشياء والحياة والسياسة، وبالأساس شروط الحياة الجماعية، كان العقد الاجتماعي يتطلب تنازلات من أجل الحياة الجماعية وتضحية الفرض بحقوق طبيعية حتى تستمر البشرية في نظام وبدون حروب إبادة للجنس البشري. فاليوم صارت حياة الناس لها معنى واحد في جميع بقاع العالم.
تصور آخر، ممكن أن نحيا جميعا فوق الأرض بكرامة وحرية وأمان، من الممكن ان نضع الحروب جانبا دفاعا فقط عن الحياة وعن الإنسان، وكل حرب تريق نقطة دم إنسانية هي غير مشروعة، ونحتاج فعلا إلى عولمة القيم الإنسانية واقتسام الخيرات وتبادل الخبرات وفتح الحدود فوق الأرض واعتبار الإنسان من حيث هو إنسان بعيدا عن التصنيفات الأخرى التي مهما تجملت ومهما عبرت مسمياتها من العرق والدين والجغرافيا تبقى مجرد عنصرية تهين الإنسان جوهر الحياة.
إن هذا التحول يفرض أن نجعل من فاتح ماي عيدا بحمولة ومنسوب إنساني يعلي قيمة الإنسان وينتصر للتضامن وكونية الحق في العيش، ويليق بنا أن نجعل منه احتفالا للجميع، لأن لا تمييز بين المنتجين لظروف العيش ولا تفاوت في قيمة العمل الذي يغني الحياة، فما العيب في أن يدخل فاتح ماي إلى المدارس و دور العبادة وحتى الملاعب و كل التجمعات البشرية الممكنة ، وليكن أفقه أين توفق الناس في تذليل مصاعب الحياة و بالأحرى تذليل الطبيعة التي تجمع كل الناس وأين وجب الحفر من أجل مزيد من تذليل الصعاب.
أُعلِنَ رسمياً عن عيد العمال العالمي في عام 1889م في المؤتمر الاشتراكي الدولي الأول؛ وقد تمت إقامته في باريس للاحتفال بقضية هايماركت، وهذه القضية عبارة عن مواجهات واضرابات وأعمال شغب حدثت بين نقابة العمال وشرطة شيكاغو في عام 1886م، واستمرت الاحتجاجات من قِبل العمال في الولايات المتحدة، مما أدى إلى إعلان وقف العمل في عيد العمال في عام 1904م من قِبَل الكونغرس الاشتراكي، ودعا جميع الأحزاب الديمقراطية والمنظمات الاجتماعية والنقابات العمالية في جميع دول العالم للاحتفال بعيد العمال، وكان الهدف الأساسي من عيد العمال هو تخصيص يوم في السنة للاحتفال بالإنجازات الاجتماعية والاقتصادية.

الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 02/05/2020