فرنسا والمغرب يحتفيان بمئوية ادغار موران

مصطفى خولال

كل التهاني لصديقي المدينة الحمراء: الفيلسوف ادغار موران وعقيلته السيدة صباح بوسلام…
فقد احتفت منظمة اليونسكو، في ثامن جويي من هذا العام 2021 بباريس، بمئوية ادغار موران، وهو الفيلسوف الفرنسي الذي يعتبر نفسه ذا انتماء واحد : هو الإنسانية . لذا كان أول العقول الكبرى الذي رفض نظرية صدام الحضارات، ودعا في مقابلها وعلى الضد منها إلى حوار الثقافات.
يخترق فكر ادغار موران قرنا كاملا من الزمن، عاش فيه كل ما عاشته إنسانية القرن العشرين وعقدي الألفية الجارية من كبريات الأحداث السياسية، وعظيم الإنجازات العلمية والتكنولوجية والمعلوماتية والإيكولوجية، بفكر وقاد حقا وحقيقة، وبالتزام يكاد يكون منقطع النظير، دوما لصالح القضايا العادلة في العالم، وبشجاعة يطبعها التفاؤل والإرادة الملحاحة في الكشف والاكتشاف لكل ما يسمح بوهج الحلم الإنساني في العدل والحرية والسلم والتقدم .
هو واحد من النادرين الذي لا يتوقف إلى اللحظة للإسهام في الفكر البشري، متميزا ليس فقط بالتزامه كما قلنا، بل وأيضا بمقاومته التي لا تعرف الكلل ولا الملل ولا التعب ولا اليأس أيا كانت الإحباطات في العالم، وما أكثرها.
كان من الطبيعي أن تكرم اليونسكو بفرنسا المفكر الكبير، فهو ابن الدار، كما يقال، وهو وأمثاله من صنعوا ويصنعون مجد اليونسكو، بمحاضراته وعروضه ومؤلفاته وكثرة كثيرة من أصدقائه، مثلما كان من الطبيعي أن تلقي المديرة العامة لهذه المنظمة الأممية السيدة اودري أزولاي خطاب التكريم، وأن تعدد فيه مزايا فكر ونشاط والتزام ومقاومة وإنسانية المفكر المئوي الذي لا ينتمي لها وحدها. فالمفكر يحاضر في أكثر من أربعة وثلاثين جامعة في العالم، وحضوره وإشعاعه العلمي والفكري يتجاوز حدود بلاده، لذا كان فخرا للجميع أن يحتفوا بمئويته بمن فيهم رئيس الدولة الفرنسية، الذي فتح له قصر الإيليزيه ونظم تكريما له داخل أروقته، وبمن فيهم عمدة باريس، بجلال وقوة رمزيتها كمدينة للأنوار ولكبار مفكري فرنسا. وأودري أزولاي، للتذكير، هي وزيرة الثقافة في حكومة فالس في عهد الرئيس الفرنسي السابق، الاشتراكي، فرانسوا هولاند، وابنة كاتيا برامي والصحفي والاقتصادي المغربي، ومستشار جلالة الملك، رئيس معهد بيير-مانديس-فرانس، وعضو أكاديمية إسبانيا للعلوم الاقتصادية والمالية، ابن مدينة الصويرة البار، أندري أزولاي.
لم يترك بلدنا، المغرب، المناسبة الثمينة تمر دون أن يؤدي واجب التكريم بنفس المئوية لمفكر من حجم موران ساند حركة تحرير المغرب الكبير زمان استعمار تونس والجزائر والمغرب. فاستمتع الحضور المغربي بمدينة مراكش بتتبع أعمال التكريم بالرغم من عوائق الوباء الحالي، الذي نظمه صالون ليلى بنبين للقراءة بمراكش حيث يقيم الزوجان. ساهم في أعمال اللقاء الثمين أساتذة وباحثون وطلبة وفاعلون ثقافيون من كل الحساسيات الفكرية والمدنية.
قرن كامل من العطاء، التزاما ومقاومة وتدريسا وإنتاجا سوسيولوجيا وفلسفيا وفكريا ومدافعا لا يساوم على القيم الإنسانية النبيلة. ولا يطرح موضوع أو قضية دون أن يكون له فيها إسهام مؤثر جعلت الرجل ذا حضور متعدد ومتشعب ومركب لا يعرف معنى للدعة ولا للاستسلام، عينه دائمة النظر الثاقب إلى كل ما يهم الإنسانية. ولعل الذين يتتبعون أعماله انتبهوا إلى نص في منشور صغير الحجم، نشره في العام 2020 أنى بدأ فيروس صغير قادم من الصين يحطم ولا يزال، كل أنساق حياة البشر في كوكب الأرض، حلل فيه موران الشرط الإنساني في علاقته بالأوبئة، مركزا تحليله على أسئلة تخص قدر الإنسان. وهي أسئلة يلخصها العنوان الذي وضعه لكتابه: (( لنغير طريق سيرنا: دروس كورونا فيروس)). وقد أعاد إلى أذهاننا، في ما يخصنا، كتابه الآخر الصادر في العام 2018، والذي يحمل عنوانه دلالات لا تخفى، وهذا نصه: ((من أجل مقاومة التراجع)).
والحق أن المفكر ذا القرن ليبهرنا دائما بهذه النزعة القوية لديه في الالتصاق بقضايا العالم والإنسان. وحضوره ليس من نوع الحضور المليء بالجعجعات دون طحين. هناك دائما من القول ذي ((المعنى)) ما يفيد ومن الفائض ذي ((الإسهام)) المؤثر. فأنى كانت وجهتك في الفكر المفيد، وفي الحركة الملتزمة، وفي النهج المقاوم، تجد ادغار موران. حتى في وسائل التواصل العصرية والتي يتقن التعامل بها على نفس النحو الذي يتقنه بها الشباب، أبناء العصر الإلكتروني. لا يمر يوم تقريبا دون أن تجد له تغريده في حسابه على تويتر. متابعوه في تويتر، والذين وصل عددهم إلى اللحظة التي نحرر فيها هذا الموجز من مقالنا إلى 188 299 متابعا، بل إنه هو نفسه يتابع 95 من كبار أصدقائه في العالم. وهذي تغريدته لهذا اليوم الأحد 11 جويي، ولكم هي دالة: (( بالرغم من أني مئوي، وبالرغم من استمرار إنتاج كل حياتي، فإنه من السابق لأوانه الحديث عن نهايتي، محنطا في قبر)).
رائع وجميل حقا أنت يا أيدغار…وكما نقول بالمغربية : عقبى ل 120 عاما…

الكاتب : مصطفى خولال - بتاريخ : 13/07/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *