في العقوبات التي يستفرد بها الغرب

مصطفى خُلَالْ

تمثل العقوبات الاقتصادية والسياسية التي يستفرد بممارستها الإمبرياليون ضد كل من يعارض سياستهم أو يشق لدولته طريقا خاصا في الحكم، سياسة استبدادية طابعها الغطرسة والاستقواء على المخالفين لسياسة الغرب.
إذا كان العصر الذي نعيشه هو عصر الدفاع عن حقوق الإنسان، والانتصار لمبدأ المساواة بين المرأة والرجل، والانتباه إلى معاناة الأطفال، وذوي الإعاقات الخاصة، فإنه على النقيض عصر طغيان أمريكا ومعها دول عديدة في أوروبا، وذلك بتوظيفهم آلية العقوبات الاقتصادية والسياسية ضد الشعوب التي تقودها نظم لا ترضى عليها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما.
لن تنسى الإنسانية المستنيرة ما تسببت فيه تلك العقوبات من مآس للشعب الليبي في عهد حكم معمر القذافي، وبعده الشعب العراقي، إلى درجة أن هذه العقوبات شملت حتى الدواء، بل حليب الأطفال على اعتبار أن غبار الحليب ‹›يمكن أن يكون مادة كيماوية›› لصنع أسلحة محرمة دوليا؟؟ وهكذا راح ملايين الرضع والأطفال ضحية هذا الطغيان اللا يقارن في كل تاريخ العقوبات .
مثال الأضرار الجسيمة التي لحقت بالشعب العراقي، خاصة حين يمس الدواء وبالأخص حين يمس الرضع والمرضعات، يرقى بدون جدل إلى مراتب إجرامية كان من المفروض أن يحاكم من أجلها دوليا المسؤولون عنها.
لكنه وحتى مجرد التفكير في هذا الاتجاه، اتجاه محاكمة إجرامية العقوبات التي تلحق الموت بالرضع والأطفال والمرضعات، لا يُطرحُ في ساحة النقاش العمومي الدولي. والأمر كذلك لأن حالة من الإرعاب تطال دولا ونخبا مفكرة، إرعاب تمارسه الجهات التي تمارس العقوبات.
من جوانب أخرى لا حاجة إلى القول إن تلك العقوبات الاقتصادية خاصة، لا تمس الأشخاص الذين يحكمون الدول المعاقبة، إذ تمس الشعوب ومن كل الطبقات الاجتماعية وبدون استثناء.
وبالرغم من أن ممارسي العقوبات وقفوا بأنفسهم من خلال التجربة التي يخوضونها في هذا المجال، على أن تلك العقوبات الاقتصادية لا تلحق الأضرار الجسيمة بل والموت إلا بالضعاف من الخلق في الدول موضوع العقوبات، فإنهم لا يترددون في التشبث بهذه الممارسة اللاإنسانية. وأكثر من هذا، وبالرغم من وقوفهم على حقيقة دامغة في هذا الشأن، حقيقة تقول إن تلك العقوبات لا تجدي ولا أهمية لها مطلقا، ذلك أنها لا تغير من سلوك الدولة السياسي، موضوع العقوبات. لسيت العقوبات هي التي قضت على نظام معمر القذافي في ليبيا، بل اغتياله والتآمر عليه من قبل دول الغرب الإمبريالي. وبالمثل، ليست العقوبات هي التي حطمت نظام صدام حسين، بل الهجوم العسكري العدواني المتعدد القوى الإمبريالية، في مؤامرة مكشوفة تتوضح الأكاذيب التي رافقتها على مر السنين.
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحقيق مصالحها على حساب جوع ومرض وضعف وصحة دول وشعوب، صغيرة أو متوسطة أو كبيرة. لكن، هل تحقق فعلا مصالحها بهذه الطريقة وبسلك هذه السبل التدميرية؟ فلا (جدوى تلك العقوبات)، أضحت قناعة حتى بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. ألم يصرح باراك أوباما، أحد رؤساء هذه الأخيرة السابقين، في العام 2016 معترفا رسميا بأن الإجراءات العقابية ضد كوبا ( فشلت في أن تجعل المصالح الأمريكية تتقدم)؟
يبين نظام العقوبات الحالي الموجه ضد روسيا محدوديته. وهذان المثالان وحدهما كافيان للتدليل على أن نظام العقوبات نظام فاشل، يظهر فشله في استنفاده كل مقوماته.
كم عقدا من الزمن طالت العقوبات كوبا وكوريا الشمالية وإيران وفلسطين المحاصرة في غزة… إلخ، فهل غيرت هذه الدول سياساتها؟ أبدا، بل ازدادت تشبثا بها.
وهو ما يعني أن نظام العقوبات لا يجب أن يبقى في أيدي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأن كل الترسانة السياسية والاقتصادية والقانونية المرتبطة بالعقوبات مطروحة اليوم للمراجعة. ذلك أنها تمييزية. فبالرغم من كل الجرائم التي مارستها إسرائيل مثلا ضد الشعب الفلسطيني، لم تخضعها لا الولايات المتحدة الأمريكية ولا الاتحاد الأوروبي لأي صنف من العقوبات. فهذه القوى ليست إذن مؤهلة لوضع العقوبات. لقد حان الوقت لكي تتشكل هيئة دولية مستقلة عنها، هي وحدها لها الصلاحية في وضع نظام للعقوبات. ذلك أن القوى الغربية أبانت ومنذ عقود طويلة عن انحيازها، وسلوكها التمييزي، وعن فلسفة لها مخصوصة تقوم على قائمتين: قائمة العدوان العسكري، وقائمة العدوان الاقتصادي المرتكز على العقوبات.

الكاتب : مصطفى خُلَالْ - بتاريخ : 12/04/2022