في ذكرى الأحداث الإرهابية لـ 16 ماي 2003: لا للنسيان…

عبد الحق عندليب

 

يبدو أن ما تقوم به بعض تنظيمات وعناصر الإسلام السياسي بين الفينة والأخرى في بلادنا من مختلف مواقعها، سواء من خلال تنظيمات حزب العدالة والتنمية أو حركة العدل والإحسان أو من خلال التصريحات النارية لبعض شيوخ السلفية ورسل الفكر الإخواني في بلادنا…قلت يبدو أن ما تقوم به هذه الجهات من تحركات ومناورات وظهور مكثف على الساحة الإعلامية بين الفينة والأخرى، كأن تتحول هذه الذكرى الأليمة إلى يوم للتضامن مع فلسطين للتغطية على ما خلفته هذه الأحداث من ضحايا ودمار وجروح لم ولن تندمل، ليس بريئا أو بمحض الصدفة، بل يندرج في سياق تسخينات تؤشر على المحاولات المتكررة لإعادة إنتاج تلك الظروف والسيناريوهات التي سبقت الأحداث الإرهابية لـ 16 ماي 2003. وهو الأمر الذي يفرض الحذر والاستعداد لمواجهة كافة الاحتمالات الواردة التي تنطوي على محاولة جر بلادنا لا قدر لله إلى وضع يصبح فيه ما حققه الشعب المغربي من مكاسب سياسية وحقوقية، بفضل عقود من الصراع المرير والتضحيات الجسام للقوى الوطنية والديمقراطية، في مهب الريح. لذا أرى من الواجب ومن باب الحكمة والحذر الاستفادة من دروس التاريخ بإعادة قراءة واستحضار السياقات التي جاءت فيها تلك الأحداث الإرهابية التي استهدفت بلادنا في يوم 16 ماي من سنة 2003، والتي شكلت منعطفا سياسيا في ظل العهد الجديد، حيث اندفعت الدولة تحت هاجس تطويق تداعيات الأحداث إلى اتخاذ العديد من الإجراءات التي اعتبرناها في الحركة الحقوقية تراجعات عن النهج الديمقراطي والحقوقي الذي سارت عليه البلاد خاصة في ظل تجربة التناوب التي قادها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمشاركة الكتلة الديمقراطية تحت رئاسة المجاهد عبدالرحمان اليوسفي.
إذن، كلنا يتذكر ذلك اليوم المشؤوم الذي اهتزت فيه مدينة الدارالبيضاء على إيقاع تفجيرات عنيفة استهدفت فندق فرح ومطعم كازا إسبانيا ومقر الرابطة اليهودية ومقبرة يهودية وقنصلية بلجيكا، حيث تم تنفيذ العملية مم طرف 12 شابا انتحاريا تتراوح أعمارهم بين 20 و25 سنة، ينحدر جلهم من أحزمة البؤس المتواجدة بسيدي مومن ودوار السكويلة بالعاصمة الاقتصادية. وقد استعمل الإرهابيون أسلحة مختلفة من قنابل محلية الصنع وأحزمة ناسفة وخناجر فسقط إثر ذلك 33 ضحية من المدنيين، بالإضافة إلى الإرهابيين الإثني عشر الذين فجروا أنفسهم، كما أصيب 100 شخص بجروح متفاوتة الخطورة لايزال البعض منهم يجتر مضاعفاتها من أعطاب جسدية وعاهات نفسية مستدامة، بالإضافة إلى المضاعفات الاجتماعية والاقتصادية.
هذه العمليات الإجرامية لم تأت معزولة عن سياقاتها الدولية، فبمجرد ما تم تسليم أفغانستان لجماعة طالبان المتطرفة على طبق من ذهب من طرف أمريكا والسعودية بفضل ما تلقته الجماعة من دعم سياسي وعسكري ولوجيستيكي ومالي، تحولت بعض البلدان عبر العالم إلى هدف للعمليات الإرهابية التي دبرتها جماعة القاعدة المستوطنة بأفغانستان ونفذتها أجنحتها الموالية في كل من مصر والسعودية والفلبين وتركيا والهند وبريطانيا وبنكلاديش والجزائر وفرنسا وتنزانيا وكينيا وغيرها من البلدان، وذلك على مدار سنوات التسعينات من القرن الماضي والعشرية الأولى من القرن الحالي. ونتذكر في هذا الصدد ذلك التسجيل الصوتي لزعيم القاعدة ابن لادن الذي وضع فيه المغرب والأردن واليمن والسعودية ونيجيريا ضمن الأهداف التي توعد بضربها.
وعلى المستوى المحلي أثبتت الأبحاث والتحريات التي أجريت أن جماعة السلفية الجهادية المغربية المتشبعة بالفكر الوهابي والتي كان من بين زعمائها المدعو الفيزازي الذي أطلق سراحه بعد عفو ملكي، بمعية مجموعة من زعماء السلفية الجهادية الذين قاموا بمراجعة شاملة لمعتقداتهم وأفكارهم داخل السجون المغربية كعبدالوهاب رفيقي وغيرهم…قلت كانت هذه الجماعة توفر للانتحاريين والإرهابيين التأطير الفكري والإيديولوجي والدعم المعنوي والمادي، كما أن عناصر من جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية قد أعطوا المثال لهذه الجماعة الإرهابية من خلال سابقة اغتيال الشهيد عمر بنجلون على يد تنظيم الشبيبة الإسلامية، واغتيال الشهيد محمد آيت الجيد الملقب ببنعيسى من طرف عناصر قيادية في حزب العدالة والتنمية والذي لايزال متابعا من طرف العدالة، ومن خلال العنف والترهيب والمنع الذي كانوا يمارسونه في العديد من الجامعات المغربية ضد الفصائل الطلابية التقدمية وضد كل مخالفيهم في الرأي طيلة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وكل ذلك بذريعة الذود عن العقيدة الإسلامية ومناهضة التغريب والفكر العلماني…

وفي هذا الصدد نشير إلى أنه منذ مطلع سنة 2000 بدأت بعض المؤشرات الدالة على تمكن نزعة التطرف والفكر الظلامي من إسقاط مئات الشباب في شراكها، متأثرين بثورة الخميني في إيران و «بانتصار» طالبان في أفغانستان وبأصداء العمليات الإرهابية التي نفذتها القاعدة ودروعها في عدد من البلدان العربية والآسيوية والإفريقية والأروببة. وهكذا استطاع بعض الشباب المتحمس اختراق مجتمعنا من خلال نشر الفكر الوهابي الظلامي وفكر إبن تيمية المتطرف، ومحاولة فرض تصور متزمت ومتخلف للإسلام باللجوء إلى العنف الرمزي والمادي حيث كان هؤلاء الإرهابيين يستغلون المساجد لاستقطاب الشباب كما كانوا يلجؤون إلى اعتراض سبيل الفتيات والنساء وتعنيفهن بسبب شكل لباسهن، وكانوا يهاجمون بعض الأعراس والحفلات الموسيقية وأخذوا يمارسون كل أشكال الضغط على المواطنات والمواطنين داخل الأحياء الشعبية لفرض آرائهم المتزمتة ونمط تفكيرهم وسلبهم حقوقهم وحرياتهم الشخصية. وفي هذا السياق أيضا نتذكر فتاوى التكفير التي أصدرها شيوخ السلفية الجهادية المغربية في حق العديد من السياسيين والمثقفين والفنانين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وكل من كان يتصدى للفكر الظلامي أو يعارضه.
لقد استغل المتطرفون هبوب رياح الحرية والديمقراطية على بلادنا منذ عقد التسعينات من القرن الماضي بفضل النضالات والتضحيات الجسام للقوى الديمقراطية في بلادنا ، والتي توجت بإصلاحات دستورية خلال سنتي 1992 و1996 جعلت من حقوق الإنسان في بعدها الكوني من بين الالتزامات الدولية الأساسية للمغرب وبالانخراط في تجربة التناوب التي فتحت الأبواب أمام المعارضة السياسية لتتبوأ سدة تدبير الشأن العام، وبمصادقة بلادنا على عدد مهم من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وتدشين تجربة العدالة الانتقالية من خلال إنشاء هيئة التحكيم المستقبلة ثم هيئة الإنصاف والمصالحة لمعالجة ملفات ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان… لكن يجب الاعتراف في المقابل، ومن باب الموضوعية ورصد الأسباب التي شجعت بعض الشباب على ركوب موجهة العنف والتطرف، بتفاقم الفقر والتهميش والفوارق الطبقية كنتيجة طبيعية للسياسات التي انتهجتها الدولة المغربية على مدار عدة عقود والتي وضعت بلادنا على مشارف السكتة القلبية بتعبير الملك الراحل الحسن الثاني. إن تظافر هذه العوامل الاجتماعية وغيرها قد شكلت التربة الخصبة لظهور الفكر الظلامي المتزمت وسط آلاف الشباب العاطل والمهمش المنحدر من أحزمة الفقر والبؤس.
ومن باب إعادة قراءة السياقات التي جاءت فيها تلك الأحداث الأليمة لـ16 ماي 2019 من أجل الاستفادة من دروسها، على ضوء ما شهدته وما تشهده بلادنا من احتقان وحراكات اجتماعية من وما ترتب عنها في بعض الأحيان من ردود أفعال ومن عنف غير مبرر في بعض الحالات من طرف الدولة، والذي من المؤكد أنه قد تحكم فيها التوجس من توسع رقعة الاحتجاجات وانتشار عدواها، فإن أهم درس يفرض على الدولة وكل الفاعلين السياسيين والمدنيين استخلاصه هو الحيلولة دون ركوب المتطرفين على هذه الأحداث، مستغلين عدالة المطالب وسلمية وبراءة المحتجين لجر بلادنا إلى مستنقع العنف وآفة الإرهاب، وهذا يقتضي في نظري الإصغاء إلى نبض المحتجين والمستضعفين والعمل بشكل جدي وجريئ على الاستجابة لمطالبهم العادلة. وفي نفس الوقت يجب العمل على توسيع هامش الحريات المسؤولة وهامش الديمقراطية المنتجة، وترسيخ قواعد دولة الحق والقانون ومحاربة الفساد في دواليب و مؤسسات الدولة وتخليق العمل السياسي، والاهتمام أكثر بالحقوق الاجتماعية للفئات المستضعفة خاصة منها الحق في تعليم جيد وفي التربية على المواطنة الحقة، وفي توفير الشغل للشباب العاطل والسكن اللائق للفئات المعوزة والصحة للجميع. كما يقتضي الوضع على المستوى الفكري والثقافي والتربوي مضاعفة المجهودات لغرس ثقافة المواطنة الحقة وقيم التسامح والاعتدال والتضامن وحقوق الإنسان، وزرع الأمل ونبذ العدمية ومحاربة اليأس والسلبية والفكر الظلامي الرجعي. وسيشكل إجراء الانتخابات القادمة فرصة أمام الدولة والأحزاب السياسية والمركزيات النقابية والهيئات المهنية، فرصة لبلورة برامج ووضع تصورات وإبداع الآليات اللازمة لتحقيق هذه الغايات السامية. فهل سيكون الجميع في الموعد لكي نجنب بلادنا مستقبلا كل الأخطاء والهفوات التي يمكن الركوب عليها من طرف المتطرفين والغلاة؟

الكاتب : عبد الحق عندليب - بتاريخ : 18/05/2021