في ذكرى الميلاد الخمسين .. الشبيبة الاتحادية فخر الانتماء ومسار ذاكرة لا تنطفئ
سعيد الخطابي
ان الحديث عن الشبيبة الاتحادية هو حديث عن جزء من الذاكرة السياسية المغربية، وعن مدرسة فكر ونضال انتمى اليها الاف الشباب الذين بحثوا عن معنى الالتزام ومسؤولية الكلمة وعمق الفكر. .الشبيبة الاتحادية التي كانت ولا تزال لأكثر من خمسة عقود فضاء تشكلت فيه اجيال كاملة، وازدادت فيه الوعي والنضج، وارتفعت فيه الاسئلة الكبرى، واستعاد فيه الشباب ثقتهم بقدرتهم على ان يكونوا فاعلين في صناعة مغرب اكثر عدلا وجمالا وكرامة.
انني وانا اكتب عن خمسين سنة من مسار هذه المنظمة، استرجع لحظات لا تمحى من الذاكرة، وتجرية عن لحظات من النقاشات الطويلة، من الحلقات الفكرية، من الامسيات الثقافية، من اللقاءات التنظيمية التي امتدت الى الصباح، ومن تلك الرغبة العارمة في الفهم والتغيير، التي كانت تجمعنا مهما اختلفت التقديرات والطبائع. الشبيبة الاتحادية كانت بيتا حقيقيا للروح الاتحادية، حيث يتعلم الشاب معنى ان يكون جزءا من جماعة، وفي الوقت نفسه فردا له رأي وصوت ومسؤولية.
منذ السبعينيات، وقفت الشبيبة الاتحادية في وجه التسلط السياسي، ودافعت عن حرية الرأي والفكر، وعن حق الجامعة في ان تكون فضاء للنقاش والنقد والوقوف ضد الردة والترهيب الفكري . وفي الثمانينيات ساهمت في اعادة بناء الحس المدني وفي الدفاع عن المدرسة العمومية والحركة الطلابية، مكرسة بذلك ثقافة يسارية ديمقراطية ربطت الفكر بالميدان. وفي التسعينيات كانت جزءا من دينامية الانتقال الديمقراطي، تناقش الدستور، وتدافع عن دولة المؤسسات، وعن النزاهة الانتخابية، وعن مغرب يليق بشبابه. ومع مرحلة التناوب السياسي تحولت الشبيبة الى مشتل للقيادات التي دخلت معترك تدبير الشأن العام، من الحكومة الى البرلمان الى الجماعات الترابية.
لكن قوة الشبيبة الاتحادية لم تكن فقط في مواقفها السياسية، بل في بعدها الانساني والاجتماعي. كانت حاضرة في القوافل التضامنية، في حملات الدعم الاجتماعي، في الوقوف الى جانب سكان المناطق الجبلية والمتضررة، في البرد والفيضانات … كانت تعرف الطريق الى القرى والهوامش، وتعرف طريق العودة الى المدن، محملة بتجارب جديدة ووعي اعمق. إذ أضحت حركة انسانية تنبض بروح التضامن.
وبالقدر الذي دافعت فيه الشبيبة عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، كانت في مقدمة المدافعين عن الثوابت الوطنية. فالقضية الوطنية كانت جزءا من وجدانها السياسي. تحدثت بصوت اتحادي ثابت في المنتديات الدولية، وفي اللقاءات المتوسطية، وفي الندوات الافريقية، عن مغربية الصحراء، وعن الحكم الذاتي كحل واقعي ومسؤول، وقاومت بالدليل والحجة والسرد التاريخي حملات التشويه التي استهدفت الوطن.
كما ظلت القضية الفلسطينية جزءا من ضمير الشبيبة الاتحادية. لم تكن فلسطين شعارا عاطفيا، بل وجها من وجوه العدل وكرامة الانسان. وكل مناضل اتحادي تربى داخل هذه المدرسة يعلم ان نصرة فلسطين امتداد طبيعي للفكر الاتحادي وللقيم الاشتراكية الانسانية التي تأسس عليها الحزب.
وفي الحملات الانتخابية كانت الشبيبة الاتحادية اكثر من مجرد دعم. الذراع القوي والدينامي للحزب وأكثر من قوة اقتراح، بل صوتا يواجه الشعبوية، ودرعا واقيا للتمييع السياسي والانتخابي وتخليط الألوان ومدافعا عن برامج حزبنا في نزاهة من النقاش المقنع ، جهازا للتأطير والتواصل، ومساحة للتفاعل مع المواطنين. كانت تعطي للسياسة معناها الحقيقي: خدمة الناس لا استغلالهم، واحترام ذكائهم لا تبخيس وعيهم.
والشبيبة الاتحادية ايضا كانت وما تزال مدرسة تكوين فكري. الادب، الفلسفة، الفكر السياسي، التحليل الاقتصادي، الاطروحات النقدية، كلها كانت جزءا من تكوين المناضل الاتحادي. كنا نقرأ كثيرا، نناقش اكثر، نختلف بروح جماعية، نتعلم من بعضنا البعض. كانت القراءة شرطا للانتماء، لا مجرد هواية. وكانت الامسيات الفكرية امتدادا طبيعيا لثقافتنا الاتحادية الباحثة عن المعنى.
اما على المستوى الشخصي، فقد تعلمت داخل الشبيبة معنى الانصات قبل الكلام، والاقناع قبل الخطابة، والصبر قبل الموقف. تعلمت ان السياسة اخلاق قبل ان تكون ممارسة، وان النقد لا يعني هدم الجماعة، وان الوفاء للفكرة لا يمنع من تطويرها. تعلمت ان الاختلاف نعمة، وان التنوع قوة، وان العقل النقدي لا يخاف من الحقيقة. كانت الشبيبة بالنسبة لي مختبرا لتكوين الذات، واختبارا لقدرتي على التفكير الحر والمشاركة الواعية.
واليوم، ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين، ندرك ان المغرب يحتاج الى الشبيبة الاتحادية اكثر من اي وقت مضى. نحتاج الى شباب يحمل مشروعا، لا مجرد ردود افعال. نحتاج الى وعي نقدي، الى خيال سياسي، الى قدرة على رؤية المستقبل. نحتاج الى من يؤمن ان السياسة ليست صراعا على المواقع، بل مسؤولية تاريخية تجاه الوطن.
ان الشبيبة الاتحادية هي فخر الانتماء. فخر التاريخ الذي صنعته، وفخر الحاضر الذي تعيشه، وفخر المستقبل الذي ستساهم في بنائه. هي مدرسة النضال والديمقراطية والوفاء، مدرسة الدفاع عن الحق، وعن الوطن، وعن فلسطين، وعن كرامة الانسان. مدرسة لا تزال قادرة على انتاج اجيال لا تؤمن بالخطاب الجاهز، بل تؤمن بالعقل والفكر والمسؤولية.
هي ذاكرة لا تنطفئ، ومسار لا يتوقف، وانتماء يبقى راسخا مهما تغير الزمن.
وهذا هو جوهر المدرسة الاتحادية: ان تكون جزءا من مشروع اكبر منك، وان تظل وفيا لفكرة لا تشيخ، لانها فكرة العدل والحرية والمغرب الذي نحلم به جميعا.
عضو المجلس
الوطني للحزب
الكاتب : سعيد الخطابي - بتاريخ : 20/11/2025