في ذكرى غياب القائد الكبير…

عبد السلام الرجواني

في مثل هذا الاسبوع رحل سي عبد الرحيم بعد تجربة نضالية مديدة، خبر فيها الرجل ورفاقه في الحركة الوطنيةثم في حزب الاستقلال والاتحاد الوطني ثم في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، العمل السياسي في كل ابعاده الفكرية والنضالية والتدبيرية، ومن كل المواقع القاعدية والقيادية، في الحكومة كما في المعارضة؛ ولكن وفق رؤية سياسية وطنية وتقدمية واضحة، عمادها السمو الاخلاقي والوفاء للمبدا والدود عن السيادة الشعبية ووحدة الوطن وعزة المغرب.

هي خصال ارتقت بسي عبد الرحيم الى مصاف القيادات التاريخية والزعامات الملهمة التي تجاوزت دائرة تاثيرها حياة الحزب وحدود الوطن، فنال بذالك صفة رجل الدولة، ونال قبل ذلك وبعده حب الشعب واحترام الغير بما فيهم الخصوم السياسيين. ولا غرابة ان اسمه وسيرته ومواقفه التاريخية ما زالت تسكن ذاكرة من عايشه من المغاربة. اجل! كان عبد الرحيم وما يزال علما رفيعا في نضال شعبنا من اجل الاستقلال ومن اجل مغرب الحداثة والديمقراطية والكرامة الانسانية. وان كان المجال لا يتسع لاستحضار كل اسهامات سي عبد الرحيم في اثراء الحياة السياسية الوطنية عامة، وفي بلورة الاختيار الديمقراطي الشعبي وتجسيده على مستوى الممارسة، يكفي الوقوف عند ثلاثة سمات اساسية:
1) الوطنية الصادقة المتمثلة في اعتبار استقلال الوطن ووحدته واستقراره اختيارا ثابتا غير قابل للمساومة مهما كان الخلاف مع الحاكمين حول السياسة الداخلية للدولة، وذلك من منطلق ان الوطن للجميع وبدون وطن مستقل وموحد لا حديث عن الديمقراطية والتنمية والتغيير. وقد مارس عبد الرحيم هذا التوجه الوطني الاصيل دون حسابات وبجراة عالية، سواء لما عمل، من داخل الحكومة الوطنية برئاسة عبد لله ابراهيم، ومن موقع وزارة الاقتصاد، على التاسيس لاقتصاد وطني متحرر من الهيمنة الخارجية ويسعى لبناء نموذج تنموي يلبي انتظارات الشعب المغربي، او من خلال الانخراط اللامشروط في الترافع عن الوحدة الترابية في لحظة تاريخية فارقة، بالمحافل الدولية رغم الشرط السياسي الداخلي الصعب، او حينما عارض بقوة وشجاعة نادرة قبول الدولة المغربية بمبدإ الاستفتاء بخصوص الصحراء المغربية.
2) الايمان العميق بالديمقراطية: لم تكن الحركة الاتحادية في بدايتها منسجمة من حيث جذورها التاريخية والاجتماعية وتوجهاتها السياسية فكرا وممارسة. نظرا لمكوناته التاسيسية، كان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بوتقة اجتمعت فيها كل القوى التقدمية المعارضة للدولة وسياستها اللاشعبية. وهكذا ضم الاتحاد الوطني اتجاها “ثوريا” بلانكيا، واتجاها نقابيا “خبزيا” صرفا، واتجاها اشتراكيا/ ديمقراطيا ذا اطياف وتلوينات يسارية متعددة تمخضت عنها تيارات متعددة في مراحل لا حقة (23 مارس، الاختيار الثوري، الطليعة…). ضمن هذا الخضم كان سي عبد الرحيم اقوى المدافعين عن الاختيار الديمقراطي الى جانب المهدي وعمر وسي محمد اليازغي والمفكر محمد عابد الجابري وغيرهم من الاطر الاتحادية الشابة آنذاك والمثقفة امثال عبد الواحد الراضي ومحمد جسوس وفتح لله ولعلو ومحمد الخصاصي وآخرون. كا عبد الرحيم يؤكد في كل خطاباته ان الديمقراطية غاية ووسيلة، وانها لن تتحقق سوى من خلال ممارستها في المؤسسات وفي المجتمع، من قبل الشعب الذي ان كان الحزب طليعته فإنه ليس وكيلا له في معركة البناء الديمقراطي. وبالتالي فانها معركة صعبة وطويلة ليس فقط بسبب تعنت الحاكمين وطبيعة النظام السياسي ومقاومة القوى الرجعية، وانما كذلك بسبب التاخر التاريخي للبنيات الاجتماعية والثقافية.
3) جدلية النظرية والممارسة: لم يكن عبد الرحيم يطلق الكلام على عوانه، ولم يهو ابدا الجملة الثورية والمزايدة السياسوية، سواء داخل الحزب او في مواجعة مكونات الحقل السياسي. كان حريصا على ربط الخطاب بالممارسة والنظر بالعمل. من اقوى تجليات هذه الجدلية ان عبد الرحيم، ومعه قيادة الحزب، عمل على ترجمة الاختيار الديمقراطي الذي اقره المؤتمر الاستثنائي سنة 1975، الى اجراءات عملية ملموسة، من خلال احداث ادوات الأجراة والتنفيذ ( تاسيس ك دش، اعادة الحياة ل أ و ط م، تفعيل الاتحادات المهنية وتاسيس اخرى، المؤسسة الاشتراكية للعمل الجماعي….).
تستمد شخصية سي عبد الرحيم، في نظريالمتواضع، تميزها وقوتها من شيئين، اولهما الانصات والتشاور مع مستشاريه ورفاقه، وثانيهما الصدق في القول والعمل والتواضع. الم يقل في وصيته الأخيرة قبل وفاته رحمه لله:” ما اسديناه من اجل الوطن ليس هو الكمال، ولكن الذي اسديناه خرج من صميم الفؤاد طاهرا، نقيا”.

الكاتب : عبد السلام الرجواني - بتاريخ : 11/01/2020