في زمن الرقمنة «فاليدي بمنطق سير وجي» في جماعة الدارالبيضاء

وحيد مبارك
«باغي تفاليدي»؟ بهذا السؤال الذي جاء كجواب عن استفسار آخر، خاطب حارس أمن خاص مواطنا وهو يلج إلى مقر دار الخدمات في الدارالبيضاء، الذي تساءل عن مكان المصلحة المختصة بالجبايات، فعاد المواطن للتأكيد بأنه بالفعل قد قدم إلى هذه المؤسسة التابعة لجماعة الدارالبيضاء من أجل تفعيل مسطرة إدارية تهمّ طلبا، تم توجيهه رقميا من طرف أحد الموثقين لكل المصالح المختصة بإحدى العمليات، ومن بينها المقاطعة المتواجد بنفوذها الترابي العقار، التي تفاعلت مع الموضوع سريعا، بعد أن تم تسجيل تأخير في معالجته على مستوى هذه المصلحة الجماعية، مما دفع بالمرتفق لطرق كل الأبواب المعنية بنفسه من أجل محاولة تسريع وتيرة الإجراءات الإدارية.
صعد المواطن إلى الطابق الثاني، وهناك سأل عن الموظف المكلف، بناء على توجيه حارس الأمن الخاص، فطُلب منه السير إلى غاية متم الممر الأيسر وأن يبحث عن ضالته في آخر مكتب يوجد على يمينه، وهو ما امتثل له صاحب الطلب، حيث وجد جمعا من المواطنين ينتظرون، بعضهم جلوس خارجا، والبعض الآخر وقوف، والكل يسعى لتحقيق مصلحته الإدارية. وقف المرتفق أمام باب القاعة التي تتواجد بداخلها أربعة مكاتب، واحد وضعت عليه مجموعة كبيرة من الملفات والثاني يوجد به أحد الموظفين، في حين أن الثالث لم يكن به أحد في تلك اللحظة، أما الرابع فيخص الموظف المكلف بالموضوع، وقبل أن يلج إلى الداخل بادره شخص كان خارجا بالقول، «واش باغي تفاليدي»، فرد المواطن بالإيجاب، ثم عاد نفس الشخص الذي تبين أنه من الموظفين ليشير نحو الموظف المعني قائلا «انتظر إلى غاية قضاء المواطنين الذين هناك أغراضهم ثم ادخل».
وقف المرتفق منتظرا دوره، فإذا بأحد المواطنين يتكلم بصوت مرتفع لكي يسمعه من هم حوله قائلا «اللي جا كيسولوه واش باغي تفاليدي، لا غير بغينا نتعرفو عليكم وجينا»، فتفاعل آخر مجيبا «دابا ما معنى هاذ الرقمنة وانت خصك تمشي وتجي، كلشي عندهم ومع ذلك خصنا نطلعو ونهبطو»، ثم ردّ ثالث «واش هوما عارفين آش كاين فالسيستيم وكيخليو الناس يتجمعو هنا بحال الا ماعندنا ما يدّار». تعاليق كانت كافية للتعبير عما يخالج صدور الكثيرين من الذين تواجدوا هناك، الذين اكتفوا بابتسامات تعبر عن رفضهم لمنطق لا يزال يتحكم في الإدارة المغربية، ومنها مصالح جماعة الدارالبيضاء، والذي لا يساير كل التوجهات الرسمية وأوراش الإصلاح التي أسست لها وزارة الداخلية وتحديدا مديرية الجماعات الترابية إلى جانب باقي القطاعات الوزارية الأخرى.
الانتظار أمام باب القاعة كان دافعا لكي يشتكي البعض للبعض الآخر من سلوكات تعكس استمرار تكلس بعض المرافق الإدارية، ومن بينهم مرتفق كان يبدي تبرمه بشكل واضح، فاستفسرته «الاتحاد الاشتراكي» عن المشكل الذي يخصه، ليعبر وبسخط عارم قائلا «لقد أضاعوا ملفي لمرتين»، قبل أن يضيف «في هذا الطابق الذي يوجد فيه عشرات الموظفين يمكن للعمل أن يقوم به اثنان معروفان بجديتهما وانضباطهما وبكل سلاسة، وهو ما لا يسري على الجميع بكل أسف»، مضيفا» هذه المصلحة تحتاج إلى عقلية متطورة تستوعب الضغوطات والإكراهات التي لدى المواطنين، خاصة وأن الأمر مرتبط بمصالح إدارية أخرى، ومن يتواجدون هنا يطرقون أبواب هذه الإدارات لتسوية وضعيتهم القانونية ولتسديد مبالغ مالية لخزينة الدولة، لكن عوض تبسيط المساطر فإن الإجراءات يطالها البطء»، ثم عقّب مرة أخرى «شهرين وأنا مع الجماعة كون كنا في بلد آسيوي كون بناو ناطحة سحاب وسكنو فيها الناس». تعليق حفز مواطن آخر ليخاطبنا قائلا «هنا، انت وزهرك .. تقدر تقضي الغرض في يومين أو أسبوع أو شهر»، مضيفا «والمشكل كيف ما قال السيد انت باغي تعطي فلوسك للإدارة وهي كتعطل فيك».
تصريحات لأشخاص مختلفين من مقاطعات متعددة، القاسم المشترك بينها هو ضعف تفاعل الإدارة الجماعية مع ملفاتهم، وهو ما سيتأكد أكثر حين ولج أحد المرتفقين القاعة بعد أن غادر شخص آخر مكتب الموظف، فاقترب منتظرا إلى حين انتهاء دور مواطنة أخرى، التي استقبلها الموظف بابتسامة وكلمات طيبة، مستفسرا عن طلبها وبعد الاستماع إليها استعمل الحاسوب الذي أمامه وبعد لحظات أخبرها بأنه قام بتفعيل مسطرتها الإدارية، وعليها أن تعود مرة أخرى إلى المصلحة الجبائية بالمقاطعة لكي يقوم الموظف المسؤول هناك بدوره بالرد، ثم تعود لاحقا لكي يكمل مسطرة معالجة الملف معلوماتيا بشكل نهائي قبل أن تتوجه هذه المرة صوب مقر المحافظة العقارية. شكرت المواطنة الموظف وغادرت المكان بعد أن تأكدت من عنوان المقاطعة المعنية، خاصة وأنها كانت تعتقد أن الأمر يتعلق بمقاطعة أخرى، ولم تكن تستوعب طبيعة هذا التقطيع والحدود الفاصلة بين مقاطعتها والمقاطعة الجارة، لكن الحوار الذي دار والأسئلة التي طُرحت توضح جزءا يسيرا من المشاكل العديدة التي يتخبط فيها المواطنون وهم يجوبون الإدارات التابعة لجماعة الدارالبيضاء لتسوية مشاكلهم ومعالجة ملفاتهم قبل أن يتوجهوا إلى قطاعات أخرى، وهو ما يتطلب صحوة جماعية للنهوض بمصالح ساكنة الدارالبيضاء ولتطوير وتجويد الخدمات المقدمة لهم، وأن يتم الانتقال الفعلي إلى إدارة رقمية متطورة تتصف بالسرعة والنجاعة والفعالية.
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 20/09/2022