قلوبهم لا توجد حيث توجد أجسادهم!!!

عبد السلام المساوي 

في الوقت الذي يحتفل فيه المغاربة بنصر ديبلوماسي كبير وحقيقي بخصوص قضيتهم الوطنية الأولى، بعد اعتراف أول قوة في العالم بسيادة المغرب على كامل أراضيه، اختار إسلاميو المغرب أن يسيروا في الاتجاه المعاكس وأن ينتقدوا القرار بدعوى الدفاع عن قضية فلسطين.
والغريب في بلاغاتهم هو عدم جرأتهم على مطالبة وزرائهم بالانسحاب من الحكومة التي يقودونها بعد أن ذاقوا حلاوة السلطة وامتيازاتها وبعد أن غرقوا في التعويضات والصفقات والتعويضات. وصراحة لا يفاجئنا هذا الموقف، لأننا كنا نتوقعه، ولأننا نعرف بأن قلوب هؤلاء لا توجد حيث توجد أجسادهم وبأن مواقفهم طيلة سنوات حكمهم السابقة كان يحكمها منطق التقية للبقاء في المناصب وتحقيق أكبر قدر من الاختراق داخل المؤسسات التي يسيرونها.
إن ما صدر عن التنظيمات الموازية للعدالة والتنمية وصمة عار على جبين المنتمين إلى هذه التنظيمات التي تأكل الغلة وتسب الملة، وهي العادة التي دأبت عليها منذ كان هذا الحزب مشروعا جمعويا ودعويا انتهازيا يضع رجلا مع «مؤسسات» الدولة، وأخرى مع أعدائها في الداخل والخارج.
فاللغة «غير الواضحة»، التي كتب بها بلاغ الأمانة العامة للحزب، هي وجه من أوجه أسلوب التقية، الذي عرفت به الجماعات الإسلاموية حتى تحول إلى عقيدة لها.
وأن أسلوب التقية، الذي اجتهدت الأمانة العامة في دسها في بلاغها، سرعان ما كشفته المواقف المتطرفة، التي عبرت عنها حركة التوحيد والإصلاح (القيادة الحقيقية للعدالة والتنمية) والشبيبة التابعة للحزب نفسه، وبعض قيادييه، مثل المقرئ أبو زيد، الذين لجؤوا إلى التحريض وإيقاظ نعرات العنصرية والتشكيك في قناعات المغاربة، وزرع الفتن بينهم.
يضاف إلى هذا كله أن لجوء وزير في الحكومة إلى قنوات ممولة من قبل دول تنازع المغرب وحدته وتدعم أطروحة الانفصال، يضعه عمليا، خارج هذه المؤسسة الدستورية، ولم يعد يمثل المغاربة وما سيصدر عنه من قرارات، باعتباره أعلى سلطة تنفيذية في قطاع الشغل والإدماج المهني فهو باطل.
وللتذكير، فحاضنة حزب العدالة والتنمية خرجت ببيان يصف فيه الإنجاز الديبلوماسي المغربي ب «الاختراق الصهيوني»، ورغم أن جلالة الملك أكد على الموقف المغربي الثابت من القضية الفلسطينية إلا أن الحركة ترى غير ذلك وتعتبر أن القرار: «خطوة مرفوضة لا تنسجم مع موقف الدعم الثابت والمشرف للمغرب».
الحركة لم تتوقف عند إبداء الرأي ولكنها نزعت نحو «التحذير» في تجاوز سافر لأعراف صياغة البيانات المعبرة عن موقف اتجاه قضية ما وقالت أنها تحذر من خطورة هذه التدابير. وذهبت بعيدا عندما قالت: «إنه يضع بلادنا أمام اختراق للمجتمع والدولة وتهديد لتماسك النسيج المجتمعي واستقرار الوطن ووحدته».
وصارت الحركة تتبجح بإنجازات واهية مدعية أنها منخرطة بشكل دائم ومستمر في دعم مقاومة الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل تحرير أرضه واستعادة كافة حقوقه المغتصبة ودولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، دون أن تكلف نفسها عناء توضيح كيف تدعم هذا النضال وهاته المقاومة هل بالمال أم بالسلاح أم بالأدوية الموجهة لجرحى الشعب الفلسطيني وتتكلف ماديا وتقنيا بصيانة القدس هي لجنة القدس التي يرأسها الملك محمد السادس، والتي تصدر سنويا تقارير عن الأعمال المنجزة هناك باعتراف من الفلسطينيين أنفسهم.
وحتى تختم الحركة بيان العبث فقد نصبت نفسها في موقع الناصح بدعوتها «المغرب»، هكذا وكأنها تخاطب بلدا أجنبيا وكأنها لا تعيش في المغرب هكذا تدعو الحركة «المغرب»، «إلى مراجعة التدابير المعلن عنها والانحياز للثوابت التاريخية في تعاطيه مع القضايا العادلة للشعوب المستضعفة»!!!
ولم تكتف الحركة بالبلاغ بل خرج أبناؤها من منظمة التجديد الطلابي للاستنكار والنحيب على قرار شجاع يتضمن حلا لإنهاء محنة الشعب الفلسطيني، معتبرة أن مناهضة القرار المغربي هو «فريضة شرعية» في تلبيس واضح للحق بالباطل واستنجاد بالحيل التقليدية لكل حركة إسلاموية تلعب على الدين كوتر حساس في صدور كل المغاربة. لم تعد مجدية وليست في مصلحة الوطن في هاته الظروف الحساسة تلك الانتهازية التي تجعل حزبا يقود الحكومة والبرلمان يوظف أذرعه الدعوية والشبابية والطلابية والنقابية والحقوقية والنسائية لتصريف ما لا يستطيع تصريفه مؤسساتيا.
على الحزب الحاكم أن يدرك أن مواقف التوازن الموارب والتعقل الكاذب، الذي يتوخى منه وقاية نفسه الصدام مع من فوقه من المؤسسات وفي الوقت نفسه إطلاق يد حركته لكسب ود المجتمع لتملأ بهم الصناديق الانتخابية على حساب مصالح الوطن، أصبح مرفوضا سياسيا وأخلاقيا وقانونيا، لكن ما هو مرفوض أيضا جملة وتفصيلا أن يسكت الحزب على حركة تريد أن تبني شعبيتها على أساس موقف اتخذه الملك لصالح الوطن ومصالحه العليا، هنا بالضبط يسكن شيطان التمرد.
وكل من تابع «اللايف» المسجل لعبد الإلاه بنكيران رئيس الحكومة السابق، الذي أراد أن ينسب إلى نفسه شيئا ولو يسيرا من الإنجاز التاريخي الذي حققته المؤسسة الملكية في قضية الصحراء وملف العلاقات مع إسرائيل، لاشك وأنه لن يستطيع الخروج بموقف حقيقي لبنكيران؛ فتارة يظهر كرجل دولة وأخرى كرجل دسائس سياسية… المهم بعد متابعة خروج بنكيران يمكن الوصول إلى خلاصة مفادها أن كلامه يمكن أن يأخذ منه المؤمن والشيطان، رافض التطبيع ومؤيده، مناصر الملكية ومعارضها.
إن الأقنعة التي لبسها الإسلاميون طويلا، وخدعوا بها الكثير من المغاربة، سقطت أخيرا وظهرت حقيقة عقيدتهم الخبيثة، عقيدة الدمار والتشتيت ووهم الخلافة الذي لم ولن يتحقق. وقضية فلسطين أو الأصل التجاري الذي بنوا عليه مجدهم لم يعد ممكنا تخدير عقول البسطاء بها. وبالدارجة المغربية: ساعتهم سالات… ولم يعد لدجلهم أي تأثير لأن المغاربة بدؤوا يكتشفون، ولو متأخرين من هم أصدقاؤهم الحقيقيون ومن هم أعداؤهم الحقيقيون. في مقابل هذه التقية الإسلاموية، ومقابل هذا «الغموض» و «الالتباس» لحزب العدالة والتنمية، وفي مقابل حربائية الإسلامويين، وفي مقابل الفرع المغربي للإخوان المسلمين الانحياز لإخوانه (حركة حماس والاتحاد العالمي ل «علماء» داعش…) ضد الوطن ومصالحه…. في مقابل هذا نلاحظ وضوح الاتحاد الاشتراكي، وضوح مؤسس على تاريخه ووطنيته وتلاحمه مع الملك… مواقف واضحة وصريحة، لا تقبل التأويل… إنها موقف حزب مؤسس ومنخرط في ثورة الملك والشعب الخالدة والمتجددة…
ففي التقرير السياسي أمام المجلس الوطني 19/12/2020، يقول الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي الأستاذ إدريس لشكر «…نحيي بإجلال وإكبار المبادرات الملكية لخدمة المصالح الوطنية العليا، وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية التي ستعرف تحولا استراتيجيا مهما يكرس وجاهة وحكمة المقترح المغربي…»
وبيان المجلس الوطني «يثمن تثمينا عاليا، النجاح الباهر لبلادنا في تحقيق خطوة تاريخية وتحول استراتيجي في قضيتنا المصيرية الأولى بقيادة حازمة وحكيمة وشجاعة لجلالة الملك، الذي سيسجل له التاريخ والكيان الجماعي للمغاربة، تحقيقه لمنعطف إيجابي تكمن رمزيته وقوته الجيوستراتيجية في نقل القضية الوطنية إلى مستوى يتماشى مع ما يطمح إليه المغاربة، وذلك باعتراف القوة الدولية الأولى بسيادتنا الوطنية على أقاليمنا الجنوبية».

الكاتب : عبد السلام المساوي  - بتاريخ : 28/12/2020