كلمة إلى السيد عبد المجيد تبون (1)
مصطفى خُلَالْ
كلما أثار رئيس الجمهورية الجزائرية جار بلاده الغربي، المغرب، كلما تحدث عنه بسلبية مؤلمة. بل تذهب به الظنون إلى أن المغرب لا يريد بالجزائر سوى ما يضرها. وفخامته يعلم علم اليقين ألا شيء من هذا قائم ولا حتى في الوهم. ويحار العقل في مرجعية وغائية هذا المسلك الذي لا يليق برئيس دولة جزائرية تجمعه بالمغرب روابط شتى، يبقى أصلبها وأعتاها رابط الجغرافيا العنيد الذي لا خيار فيه لأحد، أما الروابط الأخرى المعروفة والمحفوظة كما لو كانت نشيدا مشتركا أبديا، ففي كل فرصة يظهر أنها شعارات فقاعية، لا قيمة لها ولا لأثرها المفترض في الواقع الملموس، ولا ذرة إيمان بتلك الآثار المفترضة عند الرئيس عبد المجيد تبون… كما عند غيره من كل رؤساء الجزائر السابقين عليه باستثناء الرئيس الشهيد، محمد بوضياف، الذي اغتيل غدرا لا لشيء إلا لأنه مغاربي حتى النخاع… ولأنه كان قرر أن ينهي جريمة اقتطاع جزء من المغرب، وهي جريمة كما نرى اليوم، ليست جريمة مغاربية وحسب، بل هي جريمة ضد الإنسانية بالنظر إلى التراجيديا الإنسانية التي يعاني فيها عشرات الآلاف من الأسر المغربية المحاصرة في منطقة تندوف بالجزائر منذ ست وأربعين سنة. هل يسمح لكم الضمير الإنساني، وهل تنامون مرتاحين حقا وأنتم ترون هذه المأساة الإنسانية تنخر حياة هذه الأسر في أرض وطنكم. لقد نام الرئيس هواري بومدين مرتاحا وهو يطرد خمسة وأربعين ألف مغربي، في يوم عيد ديني، من بيوتهم في الجزائر، وبعضهم اكتشف فقط، دون أن يستوعب شيئا، اكتشف فقط أنه مغربي وليس حزائريا، اكتشفها لحظة الطرد الإجرامي المنكر. طردهم من بيوتهم، وتجارتهم، وأعمالهم، تاركين بالنسبة للبعض منهم، فلذات أكبادهم وجيرانهم وأصحابهم وأموالهم، ولا يزال إلى اليوم، لا يزال القول إن هذه القضية الإنسانية لم يكن لها من الناحية الحقوقية ذات الصلة بحقوق الإنسان، لم يكن لها التبعات التي يجب أن تكون لها من الناحية العدلية الإنسانية.
إن هاتين القضيتين الكبيرتين، قضية طرد غير قانوني لأسر مغربية من بلادكم، وقضية إخضاع أسر للعيش بصورة غير إنسانية في تندوف، هما القضيتان اللتان يتوجب عليكم أن تتحدثوا عنهما حين تثيرون في أحاديثكم الصحفية اسم المغرب. هذا فضلا عن قطعكم العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، دون أي داع مقبول، ومنعكم الطيران المغربي التحليق القانوني في أجواء بلادكم، وإذا كان التاريخ المغاربي سجل رفضكم ليس اليد الملكية الممدودة وحسب، بل وكل الأيادي المغربية الممدودة، وما أكثرها، وليست هذه الكلمة المخصصة لفخامتكم، سوى أصغرها..وبسبب من ذلك سيظل العقل الإنساني المغاربي ينظر بضيق شديد وبغصة يصعب نسيانها، رفضكم إسهام المغرب في إطفاء الحرائق التي عرفتها بلادكم كتلبية منه للواجب في بعده الإنساني البسيط، دون ذكر الأبعاد الأخرى، لأنكم، كما سبقت الإشارة، برهنتم، سيرا على نفس خطى الرؤساء الجزائريين السابقين باستثناء الرئيس الشهم، محمد بوضياف، برهنتم بأنها لا تعنيكم، رغم أنه كان من المفروض أن تتصرفوا بما تقتضيه إملاءاتها.
سيدي الرئيس: هل حقا تعنيكم مصلحة الجزائر؟ أرجوكم اسألوا نفسكم هذا السؤال: هل يمكن لدولة تريد فعلا خدمة مصالحها هي أولا، أن تنهي عقدا تجاريا اقتصاديا يتعلق ببيع الغاز لإسبانيا يستفيد منه المغرب استفادة ما، استفادة تتعلق بمقابل مالي في شكل كمية من الغاز لمرور هذا الأخير إلى إسبانيا من الأراضي المغربية. استعضتم عن هذه الطريق المقتصدة للجهد والمال، بمئة وست وثلاثين باخرة تنقل نفس الغاز عبر البحر عوض البر المغربي؟ هل تملكون هذه البواخر؟ لا تملكونها…. طيب، أنتم تكترونها، فإلى أي حد تصل التكلفة المالية الباهظة لكرائها؟ لابد أنكم فكرتم في هذه التكلفة، وفي حجم ليس الربح، بل حجم الخسارة بالمقارنة مع وضع تجديد العقد مع المغرب. كيف سمح لكم العقل التدبيري، المفروض أن يكون براغماتيا وحريصا على مالية خزينة الدولة الجزائرية التي تعاني مثلما يعاني المغرب من ثقل تحديات التنمية وثقل جائحة الفساد الذي يضرب بلادكم مثلما يضرب المغرب، الذي يسعدكم – يا للمرارة – أن تصطنعوا منه في وهمكم، العدو الأول لكم، لكم أنتم وحدكم ومن يحكم معكم وليس لشعب ووطن الجزائر العظيمين الشامخين.
( يتبع)
الكاتب : مصطفى خُلَالْ - بتاريخ : 30/11/2021