كلمة : بين الرياضة والسياسة
محمد الطالبي
رغم دورها النبيل في بناء الإنسان فقد تحولت الرياضة من ممارسة طبيعية إلى مجرد فرجة سواء عن قرب أو عن بعد، وصار للرياضة والرياضيين عشاق ومتابعين حد الإغماء، وأضحت الرياضة ملاذا لتكديس الملايير سواء بالنسبة للاعبين أو الإعلام الذي تحول إلى مستثمر لا يقهر في المجال ولا تعوقه الأرقام الفلكية لاحتكار اللاعبين واللاعبات في مختلف المجالات وخاصة كرة القدم .
نعم ضمن كل هذا التحول نحو الفرجة تتربع كرة القدم على رأس الرياضة الأكثر استقطابا وجذبا لملايير الجماهير عبر العالم، وبلادنا لا تشذ عن القاعدة في الاهتمام بكرة القدم بل وتحويلها مجالا للربح سواء المادي أو السياسي، فقد تحول جمهور كرة القدم أو جزء كبير منه إلى تنظيمات وهياكل بشرية تساند كيانات سياسية في كل الانتخابات، وحتى في التظاهرات والتجمعات وغيرها، وطبعا فهذا الجمهور يدر الملايير من الدراهم بشكل متفاوت على خزائن بعض المسيطرين على الرياضة، ولنا في المتابعات القضائية لبعض أباطرة الرياضة، وخاصة كرة القدم، الدليل القاطع على أن المجال مصاب بشبهة الفساد العام، حيث أزيد من أربعة مسؤولين رياضيين يقبعون بالسجون بتهم الفساد من بيع تذاكر قطر إلى ..الاتجار الدولي بالمخدرات، فنحن إذن أمام كارثة أمام طوفان عابر للأموال وللناس لأن الرياضة تحولت إلى أفيون ومخدر قاتل لإدراك الناس ومعطل لحسهم ونباهتهم .
البنية الرياضية التي وفرتها بلادنا ليست هينة أبدا وبأموال وجهد كبيرين، وهي استثمارات واعية من أجل الدخول في منافسة رياضية على تنظيم تظاهرات عالمية ومنها كأس العالم وكأس إفريقيا في كرة القدم، وهذا مفيد جدا للبلد ونمو البلد وإشعاع البلد .
تبقى إشارة ضمن السلبيات وهي أن هذه الأموال وهذا التسيير الكروي بالأساس ورغم الرائحة التي تزكم الأنوف إلا أن هذا الأمر لم يصل بعد إلى مجلسنا الأعلى للحسابات، والذي يتابع تفاصيل صغيرة بخصوص المنتخبين وبعض المؤسسات البسيطة، وهذا شأنه وقراره بل ودوره الدستوري، لكن هناك صمت تجاه ما يجري داخل المجال الرياضي من أخطاء ومن تجاوزات قد تكون وصلت درجة الخطورة .
ففرق رياضية في المغرب فقط ولدت بإمكانيات مادية وحتى بدون جمهور وبدون مداخيل واضحة وكافية، وفرق تتحدث عن إمكانيات فلكية لشراء اللاعبين في تجارة بشرية حتى لا أقول شيئا آخر، وفرق تجلب لاعبين من الخارج بأموال فلكية أيضا، منهم من لا نشاهده إلا في كرسي الاحتياط، وفرق لا تجد أو عجزت عن دفع الأجور، وفرق تحولت من المجال الجمعوي إلى شركات، نعم شركات رياضية تُمنح أيضا الدعم المباشر وغير المباشر .
هو مجال يستحق إطلالة ومراقبة سير العمل الرياضي برمته حتى نكون مستعدين للتنظيم المشترك لكأس العالم 2030 مع البرتغال والإسبان، وحتى ولو من باب الاحتياط، لتكون رياضتنا شفافة وواضحة وموجهة للخدمة العمومية، وأن تكون الرياضة الشعبية قريبة من الناس عبر فضاءات مفتوحة متوفرة بالمجان لعموم المغاربة، لأن الجسم السليم يحتاج الرياضة وبعدها الفرجة الحقيقية بعيدا عن العنف والمواجهات المنفرة للجماهير، وهذا موضوع سنعود إليه .
والخلاصة أن ساعة الفصل بين الرياضة والسياسة قد دقت، وأن الرياضة مجال للشأن العام وليس العكس !
الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 07/03/2024