لا صوت يعلو على صوت الصحة
وحيد مبارك
توقفت عقارب ساعة العديد من القطاعات عبر العالم، ولم يعد يُسمع لدورانها دقات، وصمتت ساعات السياسة والاقتصاد، والسياحة والرياضة والعديد من المجالات، وتوقفت آلات إنتاج وحدات، مقابل تغيير «دفة» أخرى وشراعها نحو قطاع آخر، ساعته لوحده يتواصل دوران عقاربها بقوة وفي كل مكان، التي يسمع لدقاتها ألف صوت، ويتعلق الأمر بصوت الصحة.
توقف هدير المحركات، تراجع حضور السيارات والشاحنات، وتقلص منسوب الصخب في الشوارع والأزقة والساحات، وحده صفير سيارات الإسعاف ودوي دراجات الدرك النارية، ودوريات الأمن والقوات العمومية والعسكرية، الذي يكسر الصمت، تنفيذا لما تفرضه وضعية الطوارئ الصحية.
سكنت الإدارات والمقاولات، وتم هجر أغلبها، وانتقلت كل الأصوات التي كانت تعج بها، نحو وجهة واحدة هي المستشفيات، والمؤسسات الصحية بشكل عام، التي يرتفع فيها صوت الطبيب والممرض والتقني، للتكفل بحالة من الحالات ومتابعة وضع مريض، واتخاذ القرارات بشأن ما يجب القيام به لفائدته، الذي هو أيضا يتحدث، بلسان الشكر والثناء وبعجز عن وصف مشاعره، وهو يغادر مستشفى من المستشفيات، بعد أن خرج سالما معافى، وأبواب الأمل مشرّعة أمام عينيه، في وقت لم يكن يرى إلا السواد، يعمّه اليأس وهو يعيش الخوف، حين نقلته سيارة الإسعاف أول مرة بعد الشك في إمكانية أن يكون قد تعرض لعدوى كورونا المستجد، ثم بعد تأكد إصابته بالفيروس.
حتى في غرف الإنعاش، حيث توجد الحالات المستعصية، ليس هناك من صمت، فآلات التنفس الاصطناعي والأجهزة الموصولة بالمريض هي الأخرى تتكلم، ويُسمع لها صوت، وتعلن عن تطور الوضع الصحي للشخص الراقد على سرير بين الموت والحياة، والكل يأمل في أن يستفيق وأن يسمع من هم حوله صوته.
اليوم فقط، في ظل هذه الجائحة الوبائية، أصبح للصحة صوت مسموع، وإن كانت لم تصب بالخرس يوما، فرغم التنبيهات، ورغم نداءات الاستغاثة لإنقاذها، سواء تعلق الأمر بالقطاع العام أو الخاص، بالمهنيين والمهنيات أو بالمؤسسات والبنيات، ورغم المناشدات للرفع من ميزانيتها، وتوسّل الحكامة وضمان الاستمرارية، والقطع مع سياسات العودة إلى الصفر عند كل تغيير، فلم يكن للأسف يُسمع الصوت، لأن الصخب كان مرتفعا، مما كان يشتت الانتباه، علما بأنه البعض كان يعاني من صمم؟
الكل اليوم يسمع صوت المهنيين، وهم يقدمون التوضيحات والإرشادات، وهم يبسّطون المعارف العلمية للمواطنين والمواطنات، يقدمون النصائح وحتى المناشدات، للتقيد بما يجب احترامه من إجراءات، فلا صوت يعلو على صوت الصحة، وحتى من لم يُسمع له صوت منهم، فتحركه جيئة وذهابا، وهرولته من أجل التدخل، وزفراته وهو يرتدي أو يزيح زيّ الوقاية لولوج وحدة العزل حيث يوجد المريض أو يخرج منها، هو مثل طنين النحلة، الذي يرتفع صوته أكثر فأكثر، لأن الأمر يتعلق بخلية، بل بخلايا نحل، كل يعرف مهمته، وكل يسعى للقيام بواجبه على أكمل وجه.
نعم، هناك بعض الأصوات النشاز، التي سمعناها تقول فقط ما يعاكس الواقع، وأخرى رفضت أن تنطق، إلى جانب تلك نبشت عن الشواهد والملفات، ومن أجل التملص من الواجب قدمت «المبررات»، لكنها ستظل أصواتا «صماء»، لا تمثل شيئا في منسوب الترددات، المتسلحة بنكران الذات، في العيادات والمستشفيات وكافة المؤسسات، بما فيها المختبرات، وأينما وجدت هذه العينة من الأصوات.
إلى كل تلك الأًصوات المواطنة، إلى صوت الصحة الذي أصيب بـ «البحّة»، ومضاعفات «السعال»، وصعوبة «التنفس»، نضيف صوتنا، في جريدة « الاتحاد الاشتراكي»، الذي ظل دوما، صوتا للمريض والمريضة، للمواطن والمواطنة، للتقني والتقنية، للممرض والممرضة، للطبيب والطبيبة، للصيدلاني والصيدلانية، ولكل المهنيين المدافعين عن منظومة فعلية، تلبي حاجيات المواطنين وانتظاراتهم الصحية، ونقول لقد كسر الصوت الصمت، فهل نصحح دوران عقارب الساعة اليوم قبل الغد؟
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 13/04/2020