لكل اليوتوبورز العرب : مرحبا بكم في بلدكم… الثاني !
خديجة مشتري
يجوبون، بحرية تامة، مدنا مغربية، قريبة وبعيدة، ..يصورون، بكاميرات هواتفهم، كل كبيرة وصغيرة، يسجلون انطباعاتهم وملاحظاتهم بنبرات فيها كثير من الدهشة والإعجاب ..وعدم التصديق، كل شيء في المغرب، تحت مجهر أعينهم المفتوحة عن آخرها، يبحثون وكأنهم لجنة تفتيش أرسلها فضولهم وحب استطلاعهم لتحليل كل شيء والادلاء بدلوهم فيه، كيف لا ..وقد ترسخت في أذهانهم أفكار مسبقة وصلت إليهم على مر السنين عن بلد يقبع في الزاوية القصوى من العالم الإسلامي، هناك في البعيد حيث مغرب الشمس، حيث لا ضوء ولا ضياء، حسب ظنهم، إلا ما يجود به الزمن في فترات متقطعة من التاريخ .. حيث لا نور يشع ولا قمر ينير إلا بعض الومضات تضيء وتختفي في بحر الظلمات بدون أن تخلف أي أثر..هم الذين يؤمنون أن شمس الحضارة أشرقت فقط على ديارهم ومنحتها هبة الحياة والثقافة والبناء والعمران والجمال..هؤلاء الرحالة الجدد القادمون من الشرق..من مصر وفلسطين والجزائر وتونس والخليج ..سياح عابرون أو مقيمون..سمعوا عن هذا البلد العجب وصدقوا كل ما سمعوه ثم حلوا به صدفة أو عن سبق إصرار وترصد فكانت المفاجأة وكانت الدهشة وكان الإعجاب أو التعجب ..وتناسلت التساؤلات وتزاحمت عليهم علامات الاستفهام: هل نحن فعلا في المغرب؟ لقد سمعنا أنه بلد كذا وكذا .. إن سمعته قد سبقت إلينا منذ عقود، لكن ليس من رأى كمن سمع، ثم لا يجدون إلا كاميراتهم خير معين لهم ليوثقوا ما تشاهده أعينهم، وينشروا محتويات فيديوهاتهم على شبكة اليوتيوب بعناوين مثيرة تجذب المشاهدات والمتابعات والليكات، من قبيل:.»لن تصدق أن هذا هو المغرب ..شوفوا المغرب عامل ازاي..أرض الأحلام المغرب الجميل، أول مرة أرى الثلج في ايفران..يوميات فلسطيني أو جزائري أو مصري في المغرب ..حكايتي مع الدارجة المغربية …»، وغيرها من العناوين الرنانة التي تجذب المشاهدين …من أبناء جلدتهم، ولكن الشيء الغريب أن جل متابعيهم مغاربة، يصورون في فيديوهاتهم كل بنى المغرب التحتية من طرقات وجسور ومحطات قطارات ومطارات وسدود وأنفاق ..يشبهون كل شيء بأوروبا، وبحضارة أوروبا ويتحسرون على بلدانهم متسائلين لماذا لا تتوفر بلدانهم على مثل هذا التطور العمراني والبنية التحتية، لماذا كل هذا التقدم في المغرب، متى حصل ذلك ..المغرب لا يوجد به بترول، ليس به ثروات طبيعية، اقتصاده كاقتصادنا..كيف استطاع أن يبني ويشيد ويصنع كل هذا الجمال، وهو البلد الفقير ..المعدم…الغارق في الجهل والمديونية؟؟؟؟تساؤلات صريحة أو مبطنة، ولكننا نستشفها من نبرة الصوت ومن نظرة العين ..ومن ارتعاشة اليد التي تحمل الهاتف، وكأن المغرب طارئ في الزمن، وكـأنه سقط فجأة من سحابة عابرة ليحط صدفة فوق هذه الرقعة من الكرة الأرضية، أكيد أن بعضهم معجب إعجابا حقيقيا بالمغرب ويحبه بصدق، ويقول إنه لا يهدف سوى للتعريف بالمغرب والترويج له سياحيا، إذن لا مجال هنا للتعميم، فنحن لا نطلع على مافي الصدور، لذا فمنهم الصادق الذي يدفعه إعجابه وصدقه إلى نشر كل ما يراه على شبكات التواصل الاجتماعي، محاولا نقل صورة مغايرة لتلك السائدة في أذهان إخوانه ومواطنيه، يصف العادات والتقاليد والطباع التي جبل عليها المغاربة، يصور كل شيء جميل طبعا، دون أن ينسى المآثر التاريخية المتناثرة في كل مكان، يستقصي معلومات عن تاريخ المغرب، لكنها، للأسف، تكون في غالب الأحيان غير دقيقة، كل بنايات المغرب الأثرية وقصوره وحصونه وزخارفه، حسبه، أندلسية أو فرنسية أو برتغالية أو إسبانية، كل شيء في المغرب من اقتراف أياد خارجية، كل ما في بلاد المغرب، ليس لأبنائه يد فيه، هم كانوا مجرد متفرجين فقط، يتابعون شريط الزمن يمر على بلادهم دون تدخل منهم بل حتى لهجتهم ليست لهم، تغلب عليها العبارات الفرنسية والإسبانية، لدرجة أن لا أحد يفهمهم.
يصفون الأمور عن جهل ودون سابق معرفة إلا ما اطلعوا عليه في شبكة الانترنيت دون تمحيص أو تدقيق، بعضهم يسترسل في سرد معلومات ما أنزل بها الله من سلطان، أو يستعين بالمارة للحديث عن أمكنة هم أجهل بتاريخها منهم…
لأبناء بطوطة المشارقة المعاصرين الذين يصفون الطبيعة وجمالها والجبال والرمال والشواطئ والأنهار والأشجار والحدائق..منبهرين، مشدوهين من عطايا الخالق لهذا البلد الأمين، وينقلون كل مظاهر الحياة المختلفة والمعيش اليومي للمغاربة وطريقة أكلهم ولبسهم وتخاطبهم وطباعهم بل ويصفون حتى حماماتهم وأفرانهم الشعبية وأسواقهم وحوانيتهم ويقارنونها بأزقتهم وحاراتهم ومدنهم، يقارنون الدار البيضاء بالإسكندرية والقاهرة والجزائر ومدننا العتيقة بخان الخليلي وتونس وسوسة وووو ..لكم نقول …
أولا، شكرا لكم ، فبواسطتكم ، سيكتشف متابعوكم ومواطنوكم بلادنا، وسيتعرفون على بلاد المغرب، الذي يسميه معظمكم المغرب العربي، وسنعيد نحن اكتشافه معكم وستتعمق محبتنا له وسنفتخر بكل ما تحقق به، لكننا نعي ونعرف جيدا أن أمورا كثيرة لا تزال تحتاج إلى مزيد من الجهد، طريق طويل ومضن أمام أبناء هذا الوطن ..طريق من البناء والتنمية في كل المجالات تنتظرهم..فكل ما ترونه نزر قليل مما نطمح أن نصل إليه.. المغرب قبل أن يشيد الطرقات و الجسور عليه أن يبني الإنسان ويستثمر فيه وهذا أكبر تحد يواجهه..
ثانيا، رجاء لا تستكثروا علينا بلادنا ولا تندهشوا مما تروه، ولا تستغلوا نقطة ضعف المغاربة: حبهم لبلادهم وعشقهم لسماع عبارات الإطراء والإعجاب من الآخر الأجنبي لوطنهم لتفتحوا قنوات تدر عليكم الأموال وتستثمروا هذا الحب لصالحكم، وندعوكم لأن تجتهدوا أكثر وتبذلوا مجهودا أكبر فلربما استطعتم بذلك سبر أغوار هذا الاستثناء المغربي والعثورعلى خفايا مازالت إلى اليوم غائبة عنكم ستفيدكم في تطوير قنواتكم وتقدمون بذلك محتوى مفيد وممتع لمتابعيكم، حتى يتعرفوا على المغرب بكل روافده، وحضارته وتاريخه ورجالاته ومناضليه ومثقفيه وبُناته…وتناقضاته…
ثالثا، كان المغرب يعمل دائما دون كثير من التزمير والتطبيل، واجهته تحديات ووضعت أمامه عراقيل من القريب قبل البعيد لكنه عرف كيف يخرج منها منتصرا رافعا هامته، تابثا، قويا، فدعوه يعمل في صمت…
وفي الأخير مرحبا بكم في بلدكم …الثاني !
الكاتب : خديجة مشتري - بتاريخ : 21/12/2020