لماذا صوت الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية ضد مشروع قانون المالية 2026 ؟

بقلم النائب البرلماني الدكتور عمر اعنان

قانون مالي منفصل عن الواقع
تمت المصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2026 بأغلبية أعضاء مجلس النواب في سياق وطني يتسم بتعقّد التحديات الاقتصادية والاجتماعية، واستمرار هشاشة النمو، وتزايد التفاوتات المجالية والاجتماعية. وهو مشروع يُفترض أن تكون له حمولة سياسية تترجم إرادة الدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، غير أنه، في قراءتنا، يعتمد فقط على سياسة رأس النعامة، وهو سلوك التهرب من مواجهة الواقع، بدل التعامل معه بجرأة أو وعي.
نعم، إنه مشروع مالي منفصل عن الواقع لأنه يُعيد إنتاج عبارات من قبيل «نستمر… نعزز… نواصل…» كما لو أنّ شيئًا لم يقع خلال الاسابيع الماضية، وكأن السنوات الأربع الماضية لم تُخلف أزماتٍ معيشية خانقة، ولم تُسجّل تراجعات مؤلمة في مؤشرات الشغل، والتعليم، والعدالة الاجتماعية.
ولذلك نقول للحكومة، بكل مسؤولية سياسية ووطنية، الرجاء:
•لا تستمروا في رفع الكُلفة المعيشية للمغاربة،
•لا تواصلوا خلق البطالة وتعميق الإحباط بين الشباب،
•لا تعزّزوا الفوارق الاجتماعية والمجالية بمزيد من السياسات التقنية الجافة،
لأنّ المواطن لم يعُد يحتمل أرقامًا منمّقة لا تُترجم في السوق، ولا في المدرسة، ولا في المستشفى.
الوفرة في الأسواق لا تعني اليسر، فأسعار الخضر والفواكه ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة، وأصبحت القدرة الشرائية للمغاربة في أدنى مستوياتها. أزمة اللحوم وتراجع الثروة الحيوانية نتيجة سياسات فلاحية مرتجلة، ومعاناة آلاف الأسر مع ندرة الماء الصالح للشرب تكشف هشاشة التدبير. لسنا نبخس عمل الحكومة، لكنها ارتكبت أخطاء كبرى قادت إلى إخفاقات اقتصادية واجتماعية واضحة. ويبقى السؤال الجوهري: أين هي الجدية وتغيير العقليات اللذان دعا إليهما جلالة الملك؟
الغريب ان الحكومة تتحدث في هذا المشروع عن “الآفاق الاستراتيجية” بمعزل تام عن توجهات النموذج التنموي الجديد الذي غاب كليا عن المرجعيات القانونية للمشروع، رغم كونه إجماعًا وطنيًا ومخرجات ملكية واضحة.
فرضيات نمو غير واقعية

الحكومة تبني مشروعها على فرضية نمو تبلغ 4.5% سنة 2026، في حين تشير تقديرات بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط إلى نسب اقل منها بكثير.
كما أن المحدّد الأساسي في النمو، بحسب نفس المؤسسات، هو الموسم الفلاحي والتساقطات المطرية، ما يجعل النمو رهينًا بعوامل طبيعية أكثر من كونه ثمرة سياسة اقتصادية فعّالة.
ورغم مرور سنوات من التدبير، لم يتجاوز معدل النمو الحقيقي 3.5% في المتوسط، وهو ما يكشف محدودية النموذج الاقتصادي المعتمد.
استثمار غير منتج
ارتفعت نفقات الاستثمار في مشروع 2026 بنسبة 5.9%، لكن هذا الارتفاع الكمي لم يترجم إلى مردودية اجتماعية ملموسة لمعالجة معضلة 1.6 مليون عاطل، ومعض 3 ملايين نيت (الشباب غير المندمجين في التعليم أو التكوين أو الشغل).
إننا أمام استثمار غير خالق للشغل وغير محفّز للإنتاج المحلي، والدليل أن نسبة الاستثمار إلى الناتج الداخلي تظل تقارب 29%، في حين لا يتجاوز النمو 4%. بل الأخطر أن الحكومة تواصل احتجاز 15% من اعتمادات الأداء الاستثمارية، مما يعكس ضعف القدرة على التنفيذ وجودة البرمجة.
تركيبة الموارد والنفقات تكشف اختلالًا بنيويًا
الموارد العادية للميزانية العامة لسنة 2026 هيمنت عليها الضرائب غير المباشرة (167.9 مليار) على المباشرة (165.7 مليار) تجعل النظام الجبائي أقل عدالة، لأن العبء ينتقل نحو المستهلكين والطبقات المتوسطة.
النفقات العادية ارتفعت إلى 391.5 مليار درهم، منها 195.3 مليارًا للأجور و44.5 مليارًا لفوائد الدين؛ أي أن بندين فقط يبتلعان أكثر من 61% من النفقات العادية، ما يترك هامشًا محدودًا للسياسات الاجتماعية.
أما الاستدانة فظلت مرتفعة: 63 مليار درهم اقتراض داخلي و60 مليارا اقتراض خارجي، أي 123 مليار درهم كحاجة تمويلية، وهو ما يؤكد استمرار ارتهان المالية العمومية للدين بدل الإنتاج.
العجز التجاري وتراجع “صنع في المغرب”

العجز التجاري ارتفع بحوالي 15% إلى حدود غشت 2025 ليبلغ 225.9 مليار درهم، ما يعكس ضعف الاندماج الصناعي الوطني، ومحدودية أثر برامج “صُنع في المغرب” التي تحوّلت إلى شعار أكثر منها سياسة صناعية فعالة.
ميزانية بلا حمولة سياسية أو رؤية قيمية
المشروع يغيب عنه البعد السياسي والفلسفي: لا أثر لمبدأ العدالة الاجتماعية، ولا إشارات إلى الحقوق الاقتصادية أو إلى الدولة الاجتماعية التي تم التبشير بها في بداية الولاية.
اللغة المحاسبية سيطرت على كل المضامين، وغابت اللمسة الديمقراطية التي تجعل المالية أداة لتقليص الفوارق وتحقيق الكرامة الاجتماعية.

اختلالات العدالة المجالية في توزيع الميزانية العمومية

يُظهر توزيع الميزانية على الجهات استمرار التمركز المالي وضعف العدالة المجالية، حيث تستحوذ الجهات الغنية الثلاثة على أغلب الاعتمادات، بينما تُهمَّش الجهات الهشة كجهة الشرق. هذا التوزيع يعكس غياب رؤية تنموية منصفة ويُفرغ الجهوية المتقدمة من مضمونها الحقيقي. فإن المطلوب من منظورنا هو تحويل الجهوية إلى أداة فعلية لإعادة توزيع الثروة عبر رفع التحويلات إلى الجهات، وتفعيل صندوقي التأهيل الاجتماعي والتضامن بين الجهات، وربط التمويل بمؤشرات التنمية والبطالة والفوارق الاجتماعية.

موقفنا الاتحادي
وتوصياتنا السياسية

انطلاقًا من مرجعيتنا الاشتراكية الحداثية التقدمية، نعتبر أن:
•قانون المالية لسنة 2026 لا يستجيب لحاجيات المرحلة، لأنه يعيد إنتاج نفس السياسات التي أثبتت محدوديتها.
•الفرضيات الماكرو–اقتصادية غير واقعية، ولا تستند إلى تقييم حصيلة السنوات السابقة.
•العدالة الجبائية غائبة، والمجهود الضريبي يطال الفئات المتوسطة والهشة أكثر من الرأسمال الريعي.
• الاستثمار العمومي يفتقر إلى الرؤية ولا يُقاس بالأثر الاجتماعي.
• غياب المرجعية التنموية الجديدة من النص يمثل تراجعًا عن الإجماع الوطني حول “النموذج التنموي الجديد”.
• التنمية الاجتماعية تتطلب إصلاحًا جبائيًا تقدّميًا، وربط الاستثمار بالتشغيل والتعليم.
• إعادة إدراج البعد الحقوقي والديمقراطي في التخطيط المالي، باعتباره شرطًا للثقة والمواطنة الاقتصادية.

رفضٌ مسؤول لمشروع قانون مالية يفتقد للبعد الاجتماعي

إننا في الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية انخرطنا بجدية ومسؤولية في مناقشة مشروع قانون المالية، ودعونا الحكومة منذ البداية إلى مراجعة اختياراتها الكبرى، والانفتاح على بدائل تجعل من الإنسان محور التنمية، وتُعيد للسياسة معناها ودورها. ما نريده هو قانونُ ماليةٍ وطنيٌ ديمقراطيٌّ يجعل من العدالة الاجتماعية هدفاً فعلياً لا مجرد شعار، ويجعل من الاستثمار رافعةً لخلق فرص الشغل لا مجرد رقمٍ في جدول الإحصاءات، ويجعل من المالية العمومية أداة لتوزيع عادل للثروة، بدل أن تظل أداةً تقنية لحماية التوازنات المحاسبية فقط. وفي هذا الإطار تقدّم الفريق الاشتراكي بأزيد من ستين تعديلاً نوعياً، تستند إلى رؤية اجتماعية واضحة، لكنها قوبلت كلها بالرفض من طرف الحكومة دون مبررات مقنعة. ولهذه الأسباب، ومن منطلق المسؤولية السياسية التي نتحملها، صوّت فريقنا ضد هذا المشروع.

الكاتب : بقلم النائب البرلماني الدكتور عمر اعنان - بتاريخ : 20/11/2025