لن نسمح بإعادة سيناريو موزنبيق

بديعة الراضي

بدت البوليساريو بعد تسللها إلى مقعد في قاعة مخصصة للاجتماع الوزاري التحضيري للقمة الإفريقية اليابانية المنعقد نهاية الأسبوع الأخير بطوكيو، زاهية كطفل حصل على لعبة بلاستيكية بعدما نزعها والده من أخيه الكبير، وانتشى الطفل حد «الهبل» ،الساكن في دواخل من تربى في الحروب الباردة، أمام انسحاب الوفد المغربي الذي احتج على هذا التسلل غير المفهوم، وذلك، بناء على اتفاق قبلي مع اليابان، يقر بعدم حضور دولة وهمية في هذا الاجتماع الذي تنبثق عنه قمة تقرر في استراتيجيات كبرى بين افريقيا واليابان، تماشيا مع المبادئ التأسيسية «للتيكاد»، وأبرزها ملكية إفريقيا الكاملة لمسارها الإنمائى، وكذلك تماشيا مع التحولات الكبرى في المنطقة والعالم، التي تبدع اليوم في آليات مغايرة من أجل سير قطار التنمية والدفاع عن عالم مغاير يسوده السلم والاستقرار.
وتكون اليابان قد أخطأت التقدير في اللحظة، وهي تستعمل مرونتها من أجل نجاح قمة تيكاد، ولكن ما لم تدركه اليابان، أن حضور الوهم فوق ترابها، ليس فقط توسيعا لثقب في المنطقة، ضد مبادي تيكاد نفسها، وهو الثقب الذي لا يتسلل فيه الوهم إلى الاجتماعات الكبرى التي تقرر في مصير محيطات دولية وإقليمية وقارية فقط، بل هو دعم لكل تلك المنزلقات الكبرى التي تسللت من هذا الثقب في الساحل والصحراء، وأحدث ارتباكا كبيرا أمنيا واقتصاديا وتنمويا،كحائط يجد صلابته في إسمنت وحديد الدول الداعمة، بالفعل والقوة، غير الواعية بأن ازدواجية المواقف التي تنظر فيها لمفاهيمها حول قارة افريقية متماسكة، وتعمل في نفس الوقت على توسيع ثقب الوهم في جوارها، كفيل بأن يكون سدا منيعا ضد تأسيس الدولة الوطنية الحديثة القوية، في منطقة مغاربية، تنبهنا اليوم الجهات العالمة إلى ما يحاك بها مؤامرات ودسائس يستعملها هؤلاء الحالمون بدولة في التراب المغاربي، حد طفوة إسمهم في مستهل التقارير الدولية المنبهة إلى هذا الثقب الكبير.
وإن كان الأمر في هذا الجانب لا يدعونا إلى التساؤل عن صواب الموقف المغربي من عدمه،من منطلق أن الدولة التي تستضيف القمة، هي دولة اليابان والتي تعبر رسميا عن موقفها من قضية الوحدة الوطنية، وكان من المفروض أن تكون حاسمة وغير خاضعة لأي ضغط كيفما كان، انسجاما مع قناعاتها أولا، ثم مع عهد قطعته على نفسها مع المغرب، في الالتزام بكون دولة الوهم لا مكان لها في قمة مثل «تيكاد»، وهذا ما سجله بالفعل اجتماع سابق بين وزيري خارجية المغرب واليابان بنيويورك على هامش انعقاد أشغال الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وهو الأمر الذي أكده لنا السيد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، حيث وجدت نفسي، مضطرة، وأنا أتابع الأخبار المتضاربة الواردة من طوكيو للاتصال به شخصيا، لا من موقعي كصحفية فقط، بل من موقعي كمواطنة مغربية لا تقبل أن نساوم من طرف أي دولة كانت في حبات رمالنا، تلك التي سقيناها بدم الشهداء ، الذين ضحوا بأرواحهم من أجل حماية الحدود، وسقيناها بدفاعنا المستميت، ومازلنا، بكافة حساسياتنا السياسية وتوجهاتنا، ولنا في ذلك النفس الطويل في مواصلة الدرب بالحوار أو السلاح، مستعدين للجلوس على طاولة المفاوضات بسقف محدد في حكم ذاتي ضامن لسيادة المغرب على كافة أراضيه،وحاضن لأبنائه الذين يحاصرهم الوهم في ظروف غير إنسانية فوق رمال تيندوف.
والمغرب وإن كان اليوم، يتخذ مثل هذه المواقف في الإصرار على طرد جماعة الوهم من مختلف التجمعات الدولية، التي قد تبدو للآخر في لحظات الحدث، أنها ليست في حجم زمنه ، وأن كرسيا يمنح رأفة لشرذمة الوهم أو جبر خاطر دولة صديقة، في ممرات اللقاءات، لا يمكنه أن يؤثر، أمام حجم الأهداف الكبرى التي تجمع مراكز القرار الدولي في الاقتصاد والتنمية والمؤسسات المالية وصناديق التمويل السيادية ومانحي الأموال ، فإن هذا الموقف المغربي المسؤول والشجاع يعي جيدا ما سيترتب عن هذه الهفوات من توسيع الثقب الذي لن يكون غدا إلا سرطان المنطقة، ينهش كافة الأجساد كيفما كانت قوتها، لأنه ثقب كفيل بحماية الإرهاب، والجريمة المنظمة والتهريب في السلاح والبشر والمخدرات.
وإن كنا اليوم ندعو اليابان إلى تصحيح «الانزلاقات المسجلة بغية الامتثال للشرعية الدولية ولمصلحة العلاقات الثنائية بين البلدين، علما بأن المغرب منسجم في مواقفه مع القرارات المتخذة بقمة الاتحاد الإفريقي في نواكشوط يوليوز  2018، والتعاطي مع قضية الصحراء المغربية على النحو المحدد من قبل الترويكا في قمة الاتحاد الافريقي»، فإن تحذيرات وزير خارجية اليابان تارو كونو، الشديدة اللهجة لممثلي الجمهورية الوهمية، عندما قال «أعلن أنه حتى إن كانت هناك مجموعة تدعي أنها دولة، والتى لا تعترف بها اليابان، فإن وجودها معنا فى هذه القاعة لا يعنى أن اليابان تعترف بهذا الكيان».
هي تحذيرات نقدر عمقها في العلاقات المغربية اليابانية، لكننا كمغرب نؤسس للمستقبل بحمولة استراتيجية مغايرة، سجلنا فيها عودتنا إلى الاتحاد الإفريقي لتصحيح المسار والخروج من عوالم الأمس المحزمة بالقيادات الكارطونية والبالونات المعلقة في الهواء، إلى عوالم مسؤولة تبني الأنسنة في الضفتين، وفي كافة الضفاف، بالمشاريع التنموية الكفيلة باستفادة الجميع بلغة «رابح رابح» وأكبر رابح فيها هو الإنسان أينما كان.
نريد مواقف منسجمة مع مفاهيم الشراكات الدولية، في الطرق التي نساهم في ممراتها رغم كل التحديات والصعوبات، عاقدين العزم على أن نكون موقعا استراتيجيا يمرر الخير والأمن والسلم والاستقرار لكافة جوارنا من الماء إلى الماء ومن اليابسة إلى اليابسة، بالسمو فوق كل الاعتبارات الذاتية، وجعل الذات القوية عاملا وعنصرا فاعلا لبناء البنية متماسكة وصلبة لا مكان لشرذمة الوهم فيها.

الكاتب : بديعة الراضي - بتاريخ : 08/10/2018