مأسـاة العالقين بالجنوب الإسباني وغياب الجواب عن أسبابها
ذ/جلال الطاهر
أعترف أني لا أفهم، ربما لأن الموضوع معقد وعصي على الفهم عمن هو في مستواي، أم أن الموضوع غير قابل للفهم حتى على عباقرة الفهم؟
وسبب هذه التساؤلات، هو الواقع الذي يعيشه المغاربة العالقون بجنوب اسبانيا، لمدة دخلت في شهرها السادس، ومازال هذا الواقع الغريب مرشحاً للاستمرار، وسبب الغرابة يأتي من كون الحكومة، قد اتخذت قراراً مبدئياً، يقضي برجوع المغاربـة العالقين خارج أرض الوطن، بسبب جائحة كورونا، هذا القرار الذي استقبل ببهجة من طرف من يعيشــون وضعية «النفي الاضطراري»، ولقي استحساناً من أسر وأقارب وأصدقاء هؤلاء الضحايا العالقين، لكن طريقة تنفيذ هذا القرار البئيسة، أزالت عنه كل الصفات الحميدة التي استقبل بها عند الإعلان عنه.
حيث إن تنفيذ القرار، قضى بإمكانية رجوع العالقين عن طريق فرنسا وإيطاليا، واستثنى العالقين بجنوب اسبانيا، من العودة لوطنهم من اسبانيا عن طريق البحر، دون تعليل مقنع ومعقول، لهذا التمييز، الذي حدده القرار الحكومي في مسطرة العودة، الأمر الذي يثير لدى بسطاء الفهم مثلي، عدة أسئلة محيرة ومقلقة، أتمنى أن نجد أنا، ومن هو في حدود فهمي جواباً لها.
u ما هو السبب أو الأسباب، والدواعي التي فرضت تمييز العائدين من فرنسا أو إيطاليا، عن العالقين في الجنوب الاسباني؟
v وما هو السبب، في عدم تمكين من يوجدون في مدن جنوب اسبانيا، من العودة المباشرة من هذه المدن مباشرة عن طريق البحر ؟
والذي يعطي لهذا التساؤل الاستنكاري مشروعيته، هو المسافة البسيطة التي تفصل مدن جنوب اسبانيا، عن مدن شمال المغرب في الوقت، الذي يجري فيه التواصل يومياً، على قدم وساق، عن طريق السفن والبواخر جيئة وذهاباً، بين البلدين من طنجة وإليها من جنوب اسبانيا ؟
إن على المسؤولين أن يبرروا للمواطنين العالقين، ما هي الضرورات والإكراهات – كيف ما كانت طبيعتها ودرجتها – التي تجعل هؤلاء المواطنين في وضع ” نفي “، عن طريق منعهم من العودة لوطنهم، وهو حق من حقوق الإنسان، وفي وجود مجلس وطني لحقوق الإنسان، خاصة ما يجري تداوله في الرأي العام، من أن الدولة الإسبانية، منفتحة، ومستعدة لتسوية هذه الوضعية المـأساوية، التي يعيشها المواطن المغربي خارج وطنه.
فهــــل هؤلاء المواطنون، ارتكبوا جريمة كونهم وجدوا خارج المغرب، والذنب الذي ارتكبوه، يؤدون عنه عقوبة قاسية بهذا الحجم، دون أن يعلموا سببها، فهل الوطن أصبح قاسياً على أبنائه لهذه الدرجة ؟
إن المسؤولية الوطنية، تفرض وتوجب على الحكومة المغربية، أن تبادر إلى جعل حد لهذه المأساة الإنسانية، التي لا سابق لها، أو على الأقل أن تقدم تفسيراً مقنعاً وواقعياً، أو حتى سياسياً…، إن كان هناك سبب سياسي، وتحدد الأفق الزمني، للسماح بعودة هؤلاء الضحايا، لأن مبرر جائحة كورونا، لم يعد يقنع حتى الأطفال لاستمرار هذه الوضعية.
ولعل نواب الشعب، في مقدمة من عليهم، العمل على صياغة الجواب عن سؤال العالقين، وإلا فمن حق المواطن أن يطرح السؤال، هل إن البرلمان يمثل المواطن حقاً، أم يمثل مصالح البرلمانيين، هل يعكس فعلاً شعور المغاربة، ويقاسمهم آلامهم، ويعمل بجد على رفعها، أو الحد منها على الأقل؟؟؟
إن هذا الواقع الأليم، الذي يعيشه هؤلاء العالقون، والإهمال الذي تواجه به وضعيتهم من طرف الدولة، يعطيهم الحق في أن يتساءلوا، عن معنى الانتماء لوطن اسمه المغرب، الذي يتمنون أن يكون أكثر عطفاً وحنواً ورحمة بهم، من المسؤولين فيه، شعور قاس حقاً، ولكنه مشروع، (ما حاس بالمزود غير المضروب به)، فلا تتركوا المغاربة يكفرون بالوطن! ويدفعهم العقوق، إلى حماقات البعض، عمن قاموا بتمزيق وثائق الهوية التي تربطهم بالوطن ؟
محامي بهيئة الدار البيضاء
الكاتب : ذ/جلال الطاهر - بتاريخ : 04/08/2020