مئة سنة من وعد بلفور والشعب الفلسطيني لم يبع أرضه أبدا للصهاينة

محمد الطالبي

 

وعد بلفور، هو ذلك الوعد الذي أصدرته الحكومة البريطانية بإنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين، وذلك في الثاني من نوفمبر عام (1917) م أي قبل مئة سنة من اليوم. وقد تواتر أن الباعث الأعظم الذي حقق حلم الصهيونية هو ما رواه (لويد جورج) رئيس الوزارة البريطانية الأسبق في مذكراته عن الدور الذي قام به وايزمان في خدمة بريطانيا إبان الحرب العظمى، وذلك عندما ساعد بريطانيا في استخراج مادة الأسيتون التي تستخدم في صنع الذخائر الحربية التي كانت تستخرج من خشب الأشجار، وكان استخراجها بكميات كافية يحتاج إلى مقادير هائلة من الخشب، وليس في إنجلترا غابات كثيرة تفي بهذه الحاجة، فكانت تستورد من أمريكا ، والأسعار ارتفعت.
وأخيراً اهتدى لويد- وكان يومئذ رئيس لجنة الذخائر- إلى أستاذ بارع في الكيمياء وضع مواهبه تحت تصرف بريطانيا، وهو الدكتور (وايزمان) الذي أصبح بعد ذلك مشهوراً، وكان وايزمان مقتنعاً بأن أمل الصهيونية رهين بانتصار الحلفاء؛ فاستطاع بعد بضعة أسابيع أن يستخرج المادة المطلوبة الأسيتون من عناصر أخرى غير الخشب، مثل الحبوب والذرة على وجه الخصوص، وبذلك حلَّ لبريطانيا أعوص مشكلة عانتها أثناء الحرب. ورفض الدكتور (وايزمان) كل جزاء مقابل عمله، بشرط أن تصنع بريطانيا شيئاً في سبيل الوطن القومي اليهودي. ولما تولى (لويد جورج) رئاسة الوزارة خاطب بلفور بأن بريطانيا تريد أن تجتذب إلى صفها اليهود في الدول المجاورة، وكانوا ميالين إلى ألمانيا لسخطهم على روسيا، وكان لذلك أثره على وعد بلفور. وبعبارة أخرى فإن بريطانيا رغبت في مكافأة إسرائيل على عملها، ومساعدتها لها في الحرب، ورغبت أيضاً في كسب اليهود، فكان ذلك الوعد … عام (1917) م. وكان الثمن إعطاء ما لا يملك شيئاً لمن لا يستحق شيئاً. وبعد ذلك تتابعت الهجرة اليهودية من شتى أقطار العالم، وانصهرت في بوتقة اليهودية أكثر من سبعين جنسية من مصر، واليمن، والحبشة، والعراق، والهند، وأوربا، وروسيا، وأمريكا، وغيرها. وفي عام (1948) م، ارتفع عدد اليهود من خمسين ألف مهاجر إلى ستمئة وخمسين ألفاً، ثم تتابعت الهجرات من كل أنحاء العالم.
وعد بلفور، كان بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين؛ استجابة مع رغبات الصهيونية العالمية على حساب شعب متجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين. وجاء الوعد على شكل تصريح موجه من قبل وزير خارجية بريطانيا آنذاك، آرثر جيمس بلفور في حكومة ديفيد لويد جورج في الثاني من نونبر عام 1917، إلى اللورد روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية، وذلك بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات دارت بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى، واستطاع من خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا، والحفاظ على مصالحها في المنطقة. وكانت الحكومة البريطانية قد عرضت نص تصريح بلفور على الرئيس الأمريكي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميا سنة 1918، ثم تبعها الرئيس الأمريكي ولسون رسميا وعلنيا سنة 1919، وكذلك اليابان، وفي 25 ابريل سنة 1920، وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب، وفي 24 تموز عام 1922 وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 أيلول 1923، وبذلك يمكننا القول إن وعد بلفور كان وعدا غربيا وليس بريطانيا فحسب.
في المقابل، اختلفت ردود أفعال العرب تجاه التصريح بين الدهشة، والاستنكار، والغضب، وبهدف امتصاص حالة السخط والغضب التي قابل العرب بها وعد بلفور، حيث أرسلت بريطانيا رسالة إلى الشريف حسين، بواسطة الكولونيل باست، تؤكد فيها الحكومة البريطانية أنها لن تسمح بالاستيطان اليهودي في فلسطين إلا بقدر ما يتفق مع مصلحة السكان العرب، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، ولكنها في الوقت نفسه أصدرت أوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين، أن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة حاييم وايزمن خليفة هرتزل، وكذلك عملت على تحويل قوافل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين، ووفرت الحماية والمساعدة اللازمتين لهم. أما الشعب الفلسطيني فلم يستسلم للوعود والقرارات البريطانية والوقائع العملية التي بدأت تفرض على الأرض من قبل الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة، بل خاض ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929، ثم تلتها ثورة 1936.
من جهتها، اتخذت الحركة الصهيونية العالمية وقادتها من هذا الوعد مستندا قانونيا لتدعم به مطالبها المتمثلة، في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وتحقيق حلم اليهود بالحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لهم، يجمع شتاتهم بما ينسجم وتوجهات الحركة الصهيونية، بعد انتقالها من مرحلة التنظير لأفكارها إلى حيز التنفيذ في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، والذي أقرّ البرنامج الصهيوني، وأكد أن الصهيونية تكافح من أجل إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين. وتبدو الإشارة إلى وعد بلفور في نص وثيقة الاستقلال المعلنة مع قيام دولة إسرائيل، دليلا فصيحا على أهمية هذا الوعد بالنسبة لليهود، حيث نقرأ في هذه الوثيقة: ‘الانبعاث القومي في بلد اعترف به وعد بلفور…›. وتمكن اليهود من استغلال تلك القصاصة الصادرة عن آرثر بلفور المعروف بقربه من الحركة الصهيونية، ومن ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة عام 1947، القاضي بتقسيم فلسطين ليحققوا حلمهم بإقامة إسرائيل في الخامس عشر من أيار عام 1948، وليحظى هذا الكيان بعضوية الأمم المتحدة بضغط الدول الكبرى، ولتصبح إسرائيل أول دولة في تاريخ النظام السياسي العالمي التي تنشأ على أرض الغير، وتلقى مساندة دولية جعلتها تغطرس في المنطقة، وتتوسع وتبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، وتبطش بمن تبقى من الشعب الفلسطيني على أرضه دون رحمة.
تصريح بلفور أعطى وطنا لليهود وهم ليسوا سكان فلسطين، حيث لم يكن في فلسطين من اليهود عند صدور التصريح سوى خمسين ألفا من أصل عدد اليهود في العالم حينذاك، والذي كان يقدر بحوالي 12 مليونا، في حين كان عدد سكان فلسطين من العرب في ذلك الوقت يناهز 650 ألفا من المواطنين الذين كانوا، ومنذ آلاف السنين يطورون حياتهم في بادية وريف ومدن هذه الأرض، ولكن الوعد المشؤوم تجاهلهم ولم يعترف لهم إلا ببعض الحقوق المدنية والدينية، متجاهلا حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية.
ووعد بلفور رسالة لا تزيد عدد كلماتها عن 130، بعثها بفلور إلى اللورد البريطاني اليهودي يونيل روتشيلد، ويقول فيها إن حكومة بلاده تؤيد منح اليهود وطنا في فلسطين، قبيل أن تخضع الأخيرة للاحتلال البريطاني، ولم يكن سكان فلسطين من اليهود حينها يزيدون عن 5 في المئة.
وبات الوعد مترافقا مع عبارة: «أعطى من لا يملك لمن لا يستحق»، وبعد نحو 30 عاما أوفت بريطانيا بوعد بلفور عندما ساهمت في إقامة دولة إسرائيل وإنهاء الانتداب، في حين أن الفلسطينيين يتلقون وعودا عديدة بشأن إقامة دولة دون أن تلوح في الأفق أي بارقة أمل بالنسبة لهم. ويرى المفكر رفعت سيد أحمد أكذوبة أن الشعب الفلسطيني باع أرضه لا تستقيم ، ويشدد على أن من باع الأراضي ليس الشعب الفلسطيني، ولكن الاحتلال البريطاني والتركي قبله فضلاً عن بعض أثرياء العرب الخوَنة ممن كانوا يمتلكون وقتها آلاف الأفدنة أو(الدونمات بالتعبير الفلسطيني والشامي)؛ داخل فلسطين، بحُكم وحدة أراضي بلاد الشام التي كانت فلسطين إحدى دولها المفتوحة أمام العرب. في مثل هذه الأيام من العام 1976 وقعت أحداث يوم الأرض في فلسطين والتي يؤرّخ لها ب ((30/3/1976)) حين استشهد ستة فلسطينيين وأصيب المئات دفاعاً عن أرضهم التى صودِرت منها آلاف الدونمات فخرجت التظاهرات من الخليل إلى النقب وارتفع الشهداء الستة ….من يومها ونحن عربياً وإسلامياً نحتفل بالذكرى ، لكن هذه الأيام ثمة طعم آخر لها ….ففي زمن أبومازن ورفاقه من القابضين في بؤس على خيار أوسلو وثقافة التسوية التي زادت من الاستيطان وأضاعت ما بقي من حقوق؛ عادت الأكذوبة-وفي ذكرى يوم الأرض – لتطلّ برأسها مجدّداً، أكذوبة بيع الفلسطينيين لأرضهم لصالح المُحتل الصهيوني، لقد دأب فريق من النُخبة الإعلامية والسياسية في عالمنا العربى على تكرار أكاذيب تتّصل بالصراع العربي الصهيوني، وتبنّوا بإرادتهم (الروايات الصهيونية) للعديد من قضايا الصراع وحقائقه الممتدّة منذ بداية القرن العشرين حين أتت الهجرات الاستعمارية الصهيونية وحتى يومنا هذا (2017)، ومن بين ما تبنّوه وروّجوا له أكذوبة أن الفلسطينيين باعوا أرضهم لليهود والصهاينة قبل حرب 1948 وبعدها؛ وذلك لكي يُبرّروا فشلهم في تحرير أولى القبلتين، ولكى يبرّروا تطبيعهم وربما تحالفاتهم ومن ثم خياناتهم، حتى لحظتنا تلك!! ، مع العدو الصهيوني الممتدة. ولأن الأكذوبة لاتزال تتردّد، ولايزال البعض من نخبة إعلامنا العربي وسياسييه يردّده من دون حياء، فإننا نقدّم اليوم طرفاً من الحقيقة، والتي تقول سطورها أن من باع الأراضي ليس الشعب الفلسطيني، ولكن الاحتلال البريطاني والتركي قبله فضلاً عن بعض أثرياء العرب الخوَنة ممن كانوا يمتلكون وقتها آلاف الأفدنة أو(الدونمات بالتعبير الفلسطيني والشامي)؛ داخل فلسطين، بحُكم وحدة أراضي بلاد الشام التي كانت فلسطين إحدى دولها المفتوحة أمام العرب.
إن الحقائق التاريخية تقول إنه في الفترة ما بين 1929 و1947 قُتِل أكثر من 15 ألف فلسطيني وعربي على يد الانكليز والمُسلّحين اليهود، وتم تهجير الآلاف من بيوتهم وقراهم .. وتم تدمير وقتل أهالى 531 قرية بالكامل عندما زادت وتيرة الهجرة اليهودية لفلسطين التاريخية وزادت أيضاً وتيرة المقاومة الفلسطينية في مواجهة عُنف المستعمر الإنكليزي واليهودي، امتنع الفلسطينيون عن بيع أراضيهم أو التعامل مع اليهود، ما دفع الانكليز لسياسة تخصيص أراضي الدولة التي في حيازتهم لليهود .. لإنشاء المستوطنات ومشروعات توليد الكهرباء والمصانع وخلافه.
ويحدّثنا التاريخ أن إنكلترا استخدمت وسيلة خطيرة لهذا الهدف، وهي استخدام بعض الأثرياء العرب وخصوصاً من العائلات المُهاجرة لأوروبا وأمريكا للعب دور الوسيط .. يتم الشراء بمساحات كبيرة جداً وأسعار عالية باسمهم من الفلسطينيين، ثم عند إعلان دولة إسرائيل باعوا هذه الأراضي لليهود.
إن التاريخ ووثائقه يؤكّد أن إجمالى مساحة الأراضي التي وقعت تحت أيدي اليهود حتى عام 1948 من غير قتال أو حرب كانت حوالى 2 مليون دونم، أي ما يعادل 8.8% من مساحة فلسطين التي تبلغ 27 مليون دونم. هذا ويحدّثنا التاريخ أن الصهاينة حصلوا على تلك الأرض (2 مليون دونم) عبر وسائل عدّة نذكر منها :
أولاً: حصلوا على مساحة 650.000 دونماً (ستمئة وخمسون ألف دونم) حصلوا على جزء منها كأي أقلية في فلسطين منذ مئات السنين، وتملك أرضاً تعيش عليها، وحصلوا على الجزء الآخر بمساعدة الولاة الأتراك.
ثانياً : مساحة 665 ألف دونم (ستمئة وخمسة وستون ألف دونم) حصل عليها اليهود الصهاينة بمساعدة حكومة الانتداب البريطاني المباشرة، وتحديداً من خلال المندوب السامي البريطاني وعلاقاته المشبوهة بالوكالة اليهودية.
ثالثاً : مساحة 606 آلاف دونم (ستمئة وستة آلاف دونم) قام اليهود الصهاينة بشرائها من إقطاعيين عرب كانت لهم ملكيات واسعة في فلسطين. وهنا يحدّثنا التاريخ أن أبرز تلك العائلات أتى من لبنان وسوريا ومنها من لبنان : (آل سرسق – آل تويني – آل سلام – آل الصباغ – محمّد بيهم – جوزف خديج – خير الدين الأحدب (رئيس وزراء سابق) – آل الخورى) ومن سوريا : (آل ماردينى – آل اليوسف – آل القوتلي – آل الجزائرلي – الشمعة – العمري – مدام عمران .. وغيرهم) رابعاً : باقي الأراضى التي استحوذ عليها اليهود كانت عبر الإرهاب والقوة المُسلّحة ودير ياسين نموذجاً لذلك. – إن التاريخ يحدّثنا أنه عند قرار التقسيم سنة 1947 كانت ملكية اليهود للأراضي لا تتعدّي 2 مليون دونم – كما سبق وأشرنا – من كامل مساحة فلسطين، ولكنهم بالقوة المُسلّحة والعدوان والقتل والتهجير الإجرامى من ناحية، وبالأساليب السابقة للشراء عبر وسطاء ومن عائلات غير فلسطينية من ناحية أخرى، وعبر ضِعاف النفوس من الفلسطينيين أيضاً والذين تمت تصفيتهم على أيدى الحركة الوطنية الفلسطينية لاحقاً، تمكّنوا من احتلال أجزاء كبيرة من فلسطين الحبيبة.
مئة سنة احتلال وتآمر، ومازال الشعب الفلسطيني يقاوم رغم كل تناقضات المشهد العربي، ومازال نفس العرب يبيعون القضية ،الشعب أعطى كل معان التضحيات وقد تكلف نفسه بالدفاع الارض والتاريخ والمصير الفلسطيني المشترك.

الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 01/04/2017