ما حقيقة التوتر في العلاقة بين باريس والجزائر

باريس- يوسف لهلالي

 

ماذا يحدث في العلاقات الديبلوماسية بين فرنسا والجزائر؟ وزير العمل الجزائري الهاشمي جعبوب لم يتردد في وصف فرنسا بأنها «عدوتنا التقليدية والدائمة»، وهي تصريحات خطيرة وغير ديبلوماسية لا يمكن اللجوء إليها بدون إذن من العسكر، لكن باريس اختارت التهدئة وعدم الرد على هذه التصريحات المستفزة، واعتبرها كليمون بون، وزير الدولة في الشؤون الأوروبية أنها « لا تستحق استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر»، وتزامن ذلك مع إعلان إرجاء زيارة رئيس الوزراء جان كاستيكس إلى الجارة الشرقية التي كانت مقررة نهاية الأسبوع الماضي، وتم تبرير هذا الإرجاء رسميا بعدم إمكانية عقد هذا الاجتماع الرفيع المستوى بين الحكومتين بسبب الوضعية الصحية في البلدين، وأن ذلك لا يرتبط بأي توتر في العلاقات بين فرنسا والجزائر، وهو ما لم يسمح للحكومة الفرنسية بإرسال وفد كبير إلى الجزائر.
ونفى الوزير الفرنسي وجود أي «توتر» بين البلدين، وأن الإلغاء سببه استياء الجزائريين من تقليص عدد الوفد الفرنسي المرافق للوزير الأول، هذه هي المبررات الرسمية التي قدمها الطرفان لهذا الإلغاء في آخر لحظة، لكن السبب الحقيقي، الذي أثار غضب حكام الجارة الشرقية، والذي كان وراء التصريحات غير الديبلوماسية تجاه باريس، هو قرار حزب الرئيس «الجمهورية إلى الأمام « فتح تمثيلية له بمدينة الداخلة بالأقاليم الجنوبية للمغرب، وآخر بمدينة أكادير.
وأعلنت القرار ماري كريستين فيردير جوكلاس، وهي برلمانية ونائبة رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية المغربية والمتحدثة باسم فريق حزب «الجمهورية إلى الأمام» في الجمعية الوطنية، رفقة ممثل الحزب بالمغرب العربي وغرب إفريقيا جواد بوسوكوران.
وأكدت البرلمانية حرصها على حضور افتتاح الفرعين الحزبيين رفقة أعضائه بالمغرب بمجرد أن تسمح الظروف الصحية بذلك.
هذا القرار، الذي يخص أحد الأحزاب الفرنسية، كان كافيا لإثارة غضب حكام الجزائر، إلى حدود التضحية بمصالح الشعب الجزائري وإلغاء لقاءات سياسية مهمة مع بلد يعتبر شريكا اقتصاديا مهما وكبيرا، فقط لأن أحد الأحزاب الفرنسية قرر فتح فرع له بالصحراء المغربية.
الأزمة بين البلدين وصلت البرلمان، وتولى أصدقاء النظام بالجارة الشرقية، والمتمثلة في بقايا الحزب الشيوعي الفرنسي المهمة من حلال طرح سؤال شفوي على رئيس الحكومة، حول موقف حزب «الجمهورية إلى الإمام»، وفتحه لفرع بمدينة الداخلة المغربية، وهو ما جعل كليمون بون وزير الدولة في الشؤون الأوروبية يعبر عن «أسفه» لهذا القرار الحزبي.
يجب التذكير أن قضية الصحراء المغربية هي قضية النظام في الجزائر بينما لايهتم بها الشعب هناك مثلما هو الأمر بالمغرب حيث تعتبر قضية الصحراء قضية وطنية وشعبية.

هذا التوتر بين باريس والجزائر عكسته بعض الصحف الجزائرية التي كشفت الأسباب الحقيقية للأزمة، بدل المبرر الصحي، الذي أعلن عنه في العاصمتين. وأشارت صحيفة «الوطن» في عدد نهاية الأسبوع إلى تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الذي شدد على «دعم فرنسا لخطة الحكم الذاتي المغربية كأساس جاد وذي مصداقية» لتسوية النزاع، وذلك خلال حديث مع نظيره المغربي ناصر بوريطة. ويعتبر ذلك «خطا أحمر» جزائريا آخر حسب نفس الجريدة.
صحيفة «الخبر»، نقلت عن أحد محلليها، أن هناك بالرباط «تيارا معاديا للجزائر أفسد الزيارة»، وأن قضية الصحراء أصبحت «حساسة» بالنسبة للجزائر، وقرار حزب إيمانويل ماكرون فتح مكتب في مدينة الداخلة يعتبر عملا «استفزازيا» فرنسيا. وأضافت نفس الصحيفة أنه «يوجد تيار معاد للجزائر (داخل حزب ماكرون)» يريد إبقاء التوتر قائما بين البلدين.
هذا الخطاب يعتبر تطورا خطيرا في وسائل الإعلام القريبة من النظام، والتي أصبحت تعتبر أن سيادة المغرب على صحرائه هو» خط أحمر» وأنه موضوع « حساس»، بالجزائر الرسمية، وأصبحت تقيس به علاقاتها مع الخارج، وتحولت قضية «البوليساريو» من قضية بالأمم المتحدة، كما يردد النظام منذ عقود أمام الرأي العام الجزائري والدولي، إلى قضية داخلية اليوم، وهو ما يفضح مرة أخرى الأكاذيب، التي يروجها العسكر بالجارة الشرقية.
صحيفة «لو كوتيديان دوران» (يومية وهران) قدمت تفسيرا آخر لإلغاء الزيارة الرسمية لرئيس الحكومة الفرنسية، وأشارت إلى أن زيارة كاستيكس كانت ستشهد قدوم «جيش من الصحافيين كان يمكن أن يستغل زيارته للتركيز على نشطاء الحراك» الاحتجاجي الذي يطالب منذ عامين بتغيير «النظام» الحاكم في الجزائر، وتضييق السلطات الجزائرية على حضور الإعلام الأجنبي لتغطية التطورات في البلاد عبر إجراءات اعتماد بيروقراطية وغامضة، حسب نفس الصحيفة.
وأضافت الجريدة التي تنشر من مدينة وهران بالقول إن «العسكري له أسبقية على السياسي» في العلاقات الفرنسية الجزائرية، حيث استقبل رئيس الأركان الجزائري الفريق السعيد شنقريحة نظيره الفرنسي الجنرال فرانسوا لوكوانتر في زيارة نادرة لم يعلن عنها مسبقا.
هذه الأزمة المفتعلة مع باريس من طرف نظام الجارة الشرقية وإلغاء زيارة رئيس الحكومة الفرنسية، كان الهدف منها الضغط على فرنسا وعلى حزب الأغلبية «الجمهورية إلى الأمام»، بإلغاء نشاطه المقبل في مدينة الداخلة، ومن أجل «معاقبة» باريس على موقفها من قضية الأقاليم الجنوبية المغربية.
تصريحات كليمون بون، وزير الدولة في الشؤون الأوروبية، الذي «تأسف» على موقف حزب «الجمهورية إلى الأمام»، وهو حزب الرئيس ايمانييل ماكرون، رافقها تذكيره بالموقف الفرنسي الذي يدعم خطة الحكم الذاتي المغربية، وهو الموقف الذي سبق أن صرح به وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على «دعم فرنسا لخطة الحكم الذاتي المغربية كأساس جاد وذي مصداقية» لتسوية النزاع، وذلك خلال حديث مع نظيره المغربي ناصر بوريطة الأسبوع الماضي.
هذه الأزمة كشفت الأطماع الخطيرة للنظام الجزائري في أقاليمنا الجنوبية، الذي أصبح يعتبر قضية الصحراء المغربية «خطا أحمر» في علاقاته الديبلوماسية والدولية، ولم تعد القضية مجرد دعم للبمادئ، كما كان يدعي منذ عقود، لكن التطورات الأخيرة والاعتراف الأمريكي، كلها معطيات جعلت الوضع بفرنسا يتغير وتطالب العديد من الأصوات مختلف الأحزاب بالاعتراف بمغربية الصحراء، غير أن العقبة أمام فرنسا ليس اللوبي الجزائري الضعيف والذي يعتمد على اليسار المتطرف وبقايا الحزب الشيوعي، بل ضرورة إقناع باقي أعضاء الاتحاد الأوروبي، خصوصا ألمانيا وإسبانيا، اللتين مازلتا مترددتين، في انتظار موقف صريح من الإدارة الأمريكية الجديدة لدعم مغربية الصحراء.

الكاتب : باريس- يوسف لهلالي - بتاريخ : 19/04/2021