متى يستفيق «التخدير» من «البنج» ؟
وحيد مبارك
يحتفل العالم يوم السبت 16 أكتوبر بموضوع بالغ الأهمية، هو عنوان على ولادة جديدة، وعلى الحياة واستمراريتها، شكّل منعطفا في تاريخ العلاجات والألم، ويتعلق الأمر بالتخدير. ويستحضر الجميع من خلال هذا الحدث المهنيين المختصين للاحتفاء بهم والوقوف على تضحياتهم وما يبذلونه من جهود، سواء تعلق الأمر بالطبيبات والأطباء أو الممرضات والممرضين، الذين يعملون جنبا إلى جنب من أجل إنقاذ أرواح الأشخاص والتخفيف من آلامهم.
يوم ليس كباقي الأيام، فهو مناسبة للإطلاع على مدى التقدم الذي عرفه مجال التخدير في ارتباط بالإنعاش وبالصحة عموما، ولتقييم المخططات والبرامج التي تم اعتمادها، والوقوف على ما تم توفيره من إمكانيات للموارد البشرية لكي تمارس مهمتها بشكل سليم، بما يضمن لها الحماية والإنصاف والعدالة، قانونيا وماديا. فمن منا من لم يجد نفسه أو أحد أقربائه في لحظة من لحظات الحياة العابرة بين أيدي المختصين في المجال، وظل متوجسا، قلقا، متوترا، وهو يضع يديه على قلبه، بل أن كل السيناريوهات القاتمة تمر كشريط أمام عينيه، ولا يتنفس الصعداء إلا حين يأتيه الخبر بأن المريض يوجد في وضعية مستقرة وبأن حالته تبعث على الاطمئنان. أي خبر أعظم من هذا قد يتلقاه المرء في حياته، أي كلمات للشكر يمكن بها التعبير عن الامتنان لهذا المهني أو المهنية، لهذا الطبيب أو الممرض، أنثى كانت أو ذكرا، الذي ظل إلى جانب قريبك حتى يستفيق ويعود إلى وعيه، ويخبرك بأنه مازال أمامكما وقت لتقضياه معا في درب الحياة؟
لقد أبانت جائحة كوفيد 19 تحديدا، عن أهمية هذا التخصص، وضرورة منحه العناية الكاملة، وتوفير كل الإمكانيات، سواء منها البشرية أو التقنية، لكي نكون قادرين على مواجهة مختلف الأزمات الصحية وكل الحالات التي قد ترد على المصالح المختصة، وأن تتم تعبئة كل الموارد لتحقيق هذه الغاية، والحال أننا كنا مرارا، قبل الجائحة وخلالها، نتابع تفاصيل مأساوية لمرضى ظل أفراد أسرهم يطوفون بهم المستشفيات بحثا عن سرير في مصلحة للإنعاش، دون أن يتأتى لهم ذلك. إنها بعض من الصور القاتمة التي تؤلمنا جميعا، التي لا تقف عند عدم وجود سرير وإغلاق أبواب مستشفى في وجه مريض، بل تتجاوز ذلك لتكشف لنا عن أعطاب بالجملة وعن معاناة متعددة الأبعاد ومختلفة الصور، فنحن وإن خصصنا متابعة لهذا التخليد اليوم لفئة الممرضين والممرضات تحديدا، فإن ذلك لن ينسينا بأن عدد الأطباء المختصين في التخدير والإنعاش بالقطاع العام في بلادنا يقدّر بحوالي 200 طبيب وطبيبة فقط، يقومون بمجموعة من المهام في المصالح المختصة وبقاعات الجراحة والمستعجلات وغيرها، وينضاف إليهم 80 طبيبا بالقطاع الجامعي، وما بين 450 و 460 طبيبا بالقطاع الخاص، دون إغفال أطباء القطاع العسكري، والذين يظل عددهم جميعا ضعيفا ولن يلبي الاحتياجات المطلوبة.
هذا الخصاص يرخي بظلاله على فئة الممرضين والممرضات المتخصصين في هذا الباب، الذين يجدون أنفسهم يقومون بأعمال هي ليست من صميم عملهم من الناحية القانونية، وإن هم لم يقوموا بها فسيكونون عرضة للمساءلة لأنهم بإحجامهم عن التدخل سيكونون قد عرضوا حياة مريض للخطر، وهو ما يجعل من هذه الفئة حاضرة في كل مرافق المستشفيات المختصة وداخل سيارات الإسعاف لتأمين النقل الصحي لمريض أو مريضة في ظل ظروف جد مزرية، بسبب تقادم وتهالك الأسطول ووضعيته الميكانيكية المتردية، وبسبب الإرهاق، وغيرها من العوامل التي أدت غير ما مرّة إلى وقوع حوادث مأساوية تسببت في فقدان ممرض أو ممرضة، كما هو الحال بالنسبة لرضوى لعلو، رحمها الله، وغيرها من زميلاتها وزملائها الذين تختلف درجات المعاناة التي عاشوها أثناء قيامهم بواجبهم.
إنه فيض من غيض، يشكل اليوم مناسبة للنبش في بعض تفاصيلها وتقريبها من قراء «الاتحاد الاشتراكي» من خلال منح الكلمة لبعض المختصين، الذين حرصوا دوما على القيام بواجبهم المهني وعلى خدمة المواطن المغربي، وهم لا يريدون من خلال رسائلهم التي يوجهونها إلا لفت انتباه مدبري القطاع المسؤولين لحجم الإكراهات التي يعشونها يوميا والتي قد تقوّض من كل المجهودات المبذولة، وتفرمل تطور المنظومة الصحية التي يسعى الجميع اليوم، كل من موقعه، لكي يقدم شيئا لها، لربما تتعافى من أعطابها.
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 16/10/2021