مغرب الكرامة، القن التاريخي للانشغال الملكي
طالع السعود الأطلسي
خطاب العرش لهذه السنة، صدر، مرة أخرى، عن الموجِّه، الأصيل والتاريخي لجلالة الملك محمد السادس… الموجه الإصلاحي والتحديثي للمغرب… لإرساء وترسيخ مقومات وثقافة «مغرب الكرامة»…
الكرامة للمغاربة… كُل المغاربة… هي النَّاتج التاريخي لمُعادلات سياسية واجتماعية معقدة… مليئة «بالسينات»، والمعلوم من مُعطياتها متَّصل بتدافُعات اجتماعية وسياسية، مُنشدة لدوافع فئوية أو سياسوية… «الكرامة لكل المغاربة»طموح تاريخي، لعهد ملكي تاريخي… واضح المتطلبات وصاحي لتعقيدات المسارات… أُسُّ الأساسات في المشروع الإصلاحي والتحديثي الملكي هو امتلاكه للمشاركة الشعبية فيه وحوله… المشاركة الواعية، الحماسية والكاملة بحضور المرأة والرجل فيها… وقد كانت مدونة الأسرة، قبل سنوات، مَمرّا للارتقاء بطاقات مساهمة المرأة المغربية في المجهود الوطني، العارم، لوضع أسس «مغرب الكرامة للجميع»…وذلك عبر تغذيتها بالثقة في ذاتها وتحريرها من بعض الكوابح الإجتماعية…المدونة كانت «ثورة»في ذلك المجهود، ذلك المشروع، ذلك الأفق… وقد كاد المغرب أن ينشطر إلى فريقين، بل وإلى «عدُوَّين»… لولا حكمة جلالة الملك، الذي أدار مخاض إنتاج تلك المدونة بحكمة، متوسلا بشرعيته الدينية والسياسية، لإنتاج توافق وطني، حول الحاجة إلى رفع الكوابح أمام النهضة المجتمعية المغربية، بالإسهام التفاعلي والمتفاعل للمرأة والرجل فيها… ومدونة الأسرة رافعة وحاضنة لتلك النهضة المجتمعية ومن مُولِّداتها… وقد فتح جلالة الملك إمكانية مراجعتها، بالنظر في تجربة مُمارستها… وذلك على نهج جلالته بإعمال النقد في مآلات، أدوات وآليات الممارسة… كما فعل حين اقترح دستور 2011لإعادة هيكلة النظام السياسي… وكما فعل حين دعا إلى قراءة تجربتنا التنموية وإنتاج تصور، مُحيَّن ومُدقَّق، لنموذج تنموي جديد…إنه الملك الراعي لمشروع إصلاحي تاريخي، يعيد تقويم مساراته ليضُخَّ فيه نفَسا جديدا ويُنقحه من شوائب الممارسة.
مراجعة مدونة الأسرة مدخل هام لنقاش مجتمعي… نقاش يُنمّي ويُطور المشاركة الشعبية في إرساء دعامات المشروع الإصلاحي للبلاد… ينميها ويُعقلنها ويؤطرها بالموجِّهات الوطنية… الموجهات التي تنزَع عن الحساسيات الاجتماعية والتدافُعات الثقافية حدتها وانكفاءها على ذاتها… للوصول عبر الحوار وعبر الاجتهاد وعبر التفاعل الوطني إلى مدونة للأسرة، متقدمة على هذه السارية المفعول، ومُتصلة بمجتمعها ومُستبطِنة للتيارات الكبرى التي تخترقه… وتَقْطره بالتُّؤْدَة اللازمة، عند الخوض في الإنجازات الحضارية الكبرى، والتي لا تتحمل المواجهات ولا الاحتكاكات ولا النزاعات الإقصائية…
جلالة الملك في خطابه التاريخي، أطلق ورشا للتفكير المجتمعي بالنفَس الوطني… النفَس الذي أضحى هو الطاقة المُنتجة لمناعة المغرب في مواجهته للتحديات التي تعترضه… الوطنية منها، الاقتصادية والاجتماعية والصحية… ورش يهدف منه تنمية حماس المشاركة الواعية في مسارات الوطن، للمرأة والرجل معا… توفيرا وتطويرا للصحة الاجتماعية للمغرب… بالتقدم نحو “مغرب الكرامة للجميع”وتأمينه… وقد وقف جلالة الملك عند بعض مقوماته، وخاصة منها تعميم وإجبارية التغطية الصحية للمغاربة رجالا ونساء… ذلك المُكتَسب الذي يهدف إلى تمنيع المجتمع ضد الهشاشة الاجتماعية والصحية معا… لأن الكرامة لا تتأتى بدفء حماس القصائد… تتأتى بشروط تحقيقها وإدامتها، المادية والمعنوية في الحياة الواقعية، اليومية للمواطن وللمواطنة…
جلالة الملك، وهو القائد التاريخي لمشروع إصلاحي وتحديثي للمغرب…يحرص وهو يتوجه إلى شعبه وإلى قضاياه… يحرص، مباشرة أو ضمنيا، على استدعاء الجغرافيا في خطاباته… لأن المغرب “كائن”تاريخي، حركته وحرك الجغرافيا على مدى قرون… وجلالته سعى، ويُلح في سعيه، إلى تخصيب تفاعلات الجوار الجغرافي للمغرب…ذلك بعد ومن أساسات مشروعه الإصلاحي والنهضوي …في خطاب العرش…، مرة أخرى، مد يدَ الأخوة إلى رئاسة الجزائر… آملا أن تكون الحدود بيننا جسور تواصل… إنه وفيٌّ لما دأب عليه… أن يكون المغرب نافعا لنفسه ونافعا لجواره، ومنتفعا منه… تفاعلات الأخوة المغربية الجزائرية متعددة وواعدة، إن هي تحققت على الأرض… والملك حريص على تلك الأخوة… لأن الجفاء الذي يعامل به المغرب، ليس قدرا… يمكن تجاوزه نحو آفاق للتعاون، وفي هذه الظرفية الدولية المُنذِرة بشتَّى الأخطار، على أقطارنا بدرجات متفاوتة ومتباينة الخطورة… والأفق الوحدوي المغربي والإفريقي يقي من تلك الأخطار، ويضعف تأثيرها على منطقتنا، ويوفر سبل مقاومتها… نداء الأخوة الملكي لرئاسة الجزائر هو نداء الحكمة، نداء القائد التاريخي الذي يراعي أحكام وضرورات الجغرافيا، والتي تولد حتميات تاريخية… الملك يتوجه إلى رئاسة الجزائر…بمعزل عن موضوع النزاع حول الصحراء المغربية…نظر إليها مجردة من صلتها بالحركة الانفصالية ضد المغرب…في شأن الصحراء المغربية، اكتفى جلالة الملك بأن حيَّ القوات النظامية المغربية في دفاعها عن الوحدة الترابية وعن أمن واستقرار البلاد… الصحراء المغربية، حَسم أمرها… الرعاية الأُمَمية لحلّ النزاع تبنت مضامين مقترح الحكم الذاتي المغربي، ومعها العشرات من الدول ذات أنواع من التأثير في القرار الدولي…مغربية الصحراء، أضحت ثابتا في السياسة الدولية العليا…ومسار الحل السلمي يسارع الخطى نحو الحكم الذاتي… علاقة الجزائر بالموضوع لا تهم المغرب…ملك المغرب منشغل بكرامة الجزائر…والمغرب، الكرامة لهما والتي سيدعمها ويعززها تعاونهما وتآزرهما… النداء الملكي لرئاسة الجزائر هو لإيقاظ حس ومفاعل الأخوة بيننا…لأنها الأصل وهي الأمل… وعسى أن ترتفع رئاسة الجزائر إلى سُمُوّ الطموح الوحدوي لملك المغرب…انتصارا للأخوة المغربية الجزائرية… لتمد يدها تجاوبا مع يد الملك الممدودة… وتفاعلا مع نداءات المستقبل… ونداء الكرامة للشعبين.
الكاتب : طالع السعود الأطلسي - بتاريخ : 02/08/2022