من الأرقام إلى الاستدامة: رؤية بديلة لتقييم نجاح السياحة المغربية

محمد السوعلي (*)
مع بداية سنة 2025، أعلنت الحكومة تحقيق إنجاز استثنائي في قطاع السياحة، حيث استقبل المغرب 17.4 مليون سائح خلال عام 2024، بزيادة بلغت 20% مقارنة بعام 2023. ساهم هذا الأداء في رفع مساهمة القطاع إلى 7.1% من الناتج الداخلي الخام وخلق أكثر من 550,000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة. الحكومة احتفت بهذه الأرقام واعتبرتها نجاحًا لاستراتيجية 2023-2026، التي تمكنت من تحقيق أهدافها قبل سنتين من موعدها المحدد.
ومع ذلك، فإن التباهي بهذه الأرقام وحدها يغفل العديد من الجوانب الأساسية التي تعكس الواقع الحقيقي للقطاع. على سبيل المثال، يشكل المغاربة المقيمون بالخارج نسبة كبيرة من السياح الوافدين، حيث بلغ عددهم 8.6 مليون، مما يعكس اعتماد القطاع بشكل كبير على هذه الفئة. وعلى سبيل المقارنة، تسهم السياحة بـ 12% من الناتج المحلي الإجمالي في تركيا، ما يبرز الحاجة إلى رفع حصة القطاع في المغرب لتصل إلى مستويات مشابهة لدول منافسة.
في المقابل، لم يتم تسليط الضوء بشكل كافٍ على دور السياحة الداخلية في تحقيق هذه النتائج، رغم أهميتها في تعزيز استدامة القطاع وتوفير دخل ثابت بعيدًا عن التقلبات الموسمية أو الظروف الخارجية. كما أن الأرقام لا تعكس التفاوت الكبير بين المدن الكبرى مثل مراكش، الدار البيضاء، فاس، وطنجة، التي تستحوذ على الجزء الأكبر من التدفق السياحي، وبين المناطق النائية التي تزخر بمؤهلات طبيعية وثقافية هائلة لكنها تعاني من نقص البنية التحتية والخدمات الأساسية كما هو الحال بالنسبة لإقليم شفشاون.
الاعتماد على عدد السياح الوافدين كمؤشر لتقييم نجاح السياسات السياحية أشبه بمحاولة تغطية الشمس بالغربال. هذه الأرقام لا تعكس العجز الهيكلي الواضح في القطاع، والذي يتمثل في ضعف البنية التحتية، غياب التنسيق بين الفاعلين، والافتقار إلى خدمات سياحية مبتكرة وتنافسية. من الجدير بالذكر أن إسبانيا استطاعت تحويل المناطق الريفية النائية إلى وجهات سياحية مزدهرة عبر تحسين البنية التحتية وتوفير دعم حكومي للمشاريع السياحية الصغيرة، وهو ما يمكن للمغرب الاستفادة منه كنموذج.
القطاع السياحي بالمغرب: بين الواقع وآفاق التطوير المستدام
الاعتماد الكبير على المغاربة المقيمين بالخارج بلغ عدد المغاربة المقيمين بالخارج الذين زاروا المغرب في عام 2024 حوالي 8.6 مليون، مما يُظهر اعتمادًا كبيرًا على هذه الفئة، مقارنة بـ 8.8 مليون سائح أجنبي فقط. الأسواق المستهدفة لا تزال تقليدية ومحدودة، حيث تعتمد بشكل كبير على السياح الأوروبيين، في حين تبقى أسواق واعدة مثل آسيا، أمريكا الجنوبية، وإفريقيا غير مستغلة بالشكل الكافي.
التحدي الكبير لا يكمن فقط في تنويع الأسواق، بل أيضًا في تلبية الحاجيات المتزايدة التي تعبر عنها الجالية المغربية المقيمة بالخارج. هذه الفئة تمثل رافعة اقتصادية مهمة للقطاع السياحي، لكنها تحتاج إلى خدمات تراعي خصوصياتها، بما في ذلك تحسين جودة الإقامة، تبسيط إجراءات التنقل، وتعزيز المرافق التي تتماشى مع ثقافتها واحتياجاتها، يمكن للحكومة إطلاق مبادرات مثل برنامج “سفير السياحة المغربية” الذي يشجع أفراد الجالية المغربية على الترويج لوجهات المغرب بين معارفهم في الخارج.
ضعف البنية التحتية
تعاني العديد من المناطق ذات الإمكانيات السياحية الكبيرة، مثل ورزازات وشفشاون، من نقص حاد في وسائل النقل وشبكات الطرق. هذا النقص يجعل الوصول إلى هذه الوجهات صعبًا، مما يحد من الاستفادة من تنوع المؤهلات الطبيعية والثقافية التي تزخر بها البلاد. تطوير النقل السككي وربط المناطق النائية بالمراكز السياحية الرئيسية يعد أحد الحلول الفعالة لتعزيز التدفقات السياحية.
نقص الطاقة الاستيعابية للمرافق السياحية
تعاني الطاقة الاستيعابية للمرافق السياحية من نقص واضح، لا سيما في المناطق النائية. إعفاء القطاع من الضريبة على القيمة المضافة يمكن أن يكون خطوة جريئة لتخفيف العبء المالي عن المستثمرين وتحفيزهم على بناء المزيد من الفنادق والبنى التحتية السياحية.
استغلال غير كافٍ للموارد الطبيعية والثقافية
يمتلك المغرب تراثًا طبيعيًا وثقافيًا غنيًا يشمل مواقع تاريخية فريدة. ومع ذلك، فإن استغلال هذه الموارد يظل تقليديًا. تبني تقنيات الواقع الافتراضي والتطبيقات الذكية لتقديم تجربة تفاعلية تعزز السياحة يمكن أن يجذب فئات جديدة من السياح الباحثين عن تجارب فريدة.
تعزيز الاستدامة والابتكار
يجب أن يرافق تطوير القطاع السياحي اعتماد سياسات تعزز الاستدامة. من بين هذه السياسات إنشاء محميات طبيعية ومشاريع لإعادة تشجير الواحات وتحقيق توازن بيئي مستدام، بالإضافة إلى تطوير السياحة العلاجية في المناطق الغنية بالعيون الحارة.
رؤية مستقبلية لتعزيز القطاع السياحي
لتعزيز مكانة المغرب كوجهة سياحية عالمية، يجب توسيع الأسواق المستهدفة لتشمل آسيا وأمريكا الجنوبية، عبر استراتيجيات ترويج مبتكرة تعتمد على الرقمنة. إطلاق تطبيق وطني يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقديم مقترحات شخصية للسياح بناءً على اهتماماتهم يمكن أن يغير قواعد اللعبة.
استغلال التراث الثقافي والطبيعي بشكل أفضل يُمكن تحقيقه عبر تنظيم مهرجانات ثقافية وإنشاء بنى تحتية تدعم الأنشطة الرياضية والمغامرات. مثل التزلج على الرمال أو الغوص وتسلق الجبال، لتعزيز تجربة السياحة المغربية.
الخاتمة
إن تحقيق أرقام قياسية في عدد السياح ليس سوى بداية لبناء صناعة سياحية مستدامة تُحقق مكاسب تنموية شاملة. الصناعة السياحية تتجاوز استقطاب الزوار والعائدات المالية، لتشمل تطوير البنية التحتية، تحسين جودة الخدمات، الحفاظ على الموارد الطبيعية، وتعزيز مشاركة المجتمعات المحلية. تفعيل ميثاق استثماري خاص بالسياحة يوفر حوافز ضريبية وإعفاءات مغرية يعد خطوة استراتيجية لتحويل تحديات اليوم إلى فرص الغد.
من خلال تبني رؤية شاملة تركز على الاستدامة والابتكار، يمكن للمغرب تعزيز قطاعه السياحي ليصبح نموذجًا يُحتذى به على المستوى العالمي، مع تحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية للأجيال القادمة.
(*)عضو اللجنة الوطنية للتحكيم والأخلاقيات بالحزب
الكاتب : محمد السوعلي (*) - بتاريخ : 29/01/2025