من العاصمة .. حتى لا تتحول المعاناة الى فرجة حكومية

محمد الطالبي talbipress@gmail.com

أثارت مسيرة احتجاجية نظمها سكان بعض الدواوير التابعة لجماعة أيت بوكماز في اتجاه عمالة إقليم بني ملال، جدلًا واسعًا على المستويين المحلي والوطني، خاصة بعدما تناسلت أخبار عن استعداد جماعات قروية أخرى، في إقليم قلعة السراغنة تحديدًا، لتنظيم مسيرات مماثلة للمطالبة بحقهم المشروع في التزود بالماء الصالح للشرب.
وجوهر هذه المطالب بسيط جدًا: ماء، كهرباء، صحة، مدرسة، ووسائل نقل. إنها مطالب لا تخرج عن ضروريات العيش الكريم، لكنها تعكس في العمق اختلالات هيكلية ناجمة عن غياب عدالة مجالية تُنصف الجميع، أو على الأقل تضمن الحد الأدنى من مؤشرات الحياة وتيسيرها في مختلف ربوع الوطن، دون تمييز أو تهميش.
ورغم محاولات بعض الأطراف الركوب على هذه التحركات الشعبية، سواء لأهداف سياسية أو إعلامية أو انتخابية، فإن الحق يبقى حقًّا، مكفولًا بمقتضى الدستور والقانون. فطلب جواب من الجهات المختصة، ليس امتيازًا، بل حق أصيل، والبحث عن حلول وبدائل عملية هو واجب لا يحتمل التسويف.
لكن، وبدل أن تسارع الجهات المعنية إلى سد منافذ الخصاص وتدبير الأزمة بروح من المسؤولية والإنصات، لجأت إلى سياسة الاتهامات المتبادلة بين مسؤولين في الحكومة ومسؤولين محليين، وكأن الأمر لا يتعلق بحق في الحياة والكرامة، بل بمباراة لتبادل اللوم.
الملاحظ، وبمرارة، أن الحكومة الحالية تواصل التهرب من مواجهة الإكراهات الحقيقية التي يعيشها المواطنون، وتغض الطرف عن التحلي بشجاعة الفعل والتدبير الخلّاق. وكأن من في يدهم السلطة ووسائل القرار لا يدركون أن وجود الحكومات في الأصل ليس من أجل التسيير الروتيني أو تسويق الإنجازات، بل من أجل مواجهة الأزمات وابتكار الحلول، حتى في أصعب الظروف.
وفي مقابل هذه اللامبالاة، يتم بشكل يومي تبادل الاتهامات بين مختلف المسؤولين، بينما يتنامى لدى فئات واسعة من المواطنين، بل وحتى لدى أفراد معزولين، شعور عميق بالإهمال والتهميش، يجد ترجمته في شكل احتجاجات جماعية أو فردية.
ليس المطلوب التسليم بأن كل محتج على حق، أو أن كل صيحة في وجه المسؤولين تحمل الحقيقة الكاملة، لكن من المؤكد أن كل احتجاج، أيًا كان حجمه أو مصدره، يحمل سؤالًا مُلحًا، ويطرح إشكالًا لا يجوز تجاهله أو التقليل من شأنه. ففي خلفية كل تحرك شعبي، هناك قضية تتطلب جوابًا، وتنتظر تدخلًا ناجعًا، حتى لا نترك هذه الحالات العفوية لقمة سائغة في يد المبتزين والمتصيدين في مياه التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام الباحثة عن الإثارة.
إن الخطر لا يكمن في أن يحتج المواطن، بل في أن يتجاهله المسؤول، أو أن يُختزل المشكل في «نقرات الجيران»، أو في سخرية بعض المحسوبين على الإعلام، الذين لا يُبدعون إلا في تحويل قضايا الناس البسيطة إلى مادة للتهكم والتشويه، في حين يتغذون هم أنفسهم من مالنا العام، دعمًا وامتيازًا و»شحومًا» إعلامية لا يستحقونها.
إننا بحاجة إلى حكومة شجاعة، مسؤولة، قادرة على الاستماع لا القمع، وعلى التدخل لا التبرير. فكرامة المواطن ليست ترفًا، وحقوقه ليست مواضيع للنقاش، بل أساس الاستقرار، وبوصلة التنمية، وشرط لأي حديث جدي عن الوطن.

الكاتب : محمد الطالبي talbipress@gmail.com - بتاريخ : 19/07/2025