من العاصمة : فساد مراكش والباشا لكلاوي

محمد الطالبي
قضية «كازينو السعدي» ليست مجرد ملف فساد عابر، بل هي انعكاس صارخ لواقع تغلغل الفساد في تدبير الشأن العام، المحلي، أو حينما يتحول حاميها إلى حراميها بالمدينة التي لم تعد حمراء ولم تعد تغري الشعراء . فمراكش، التي طالما ارتبط اسمها بالسحر والجمال، فقدت بريقها وسط صفقات مشبوهة جعلت من المال العام غنيمة تتقاسمها أطراف نافذة وتحول بعضهم تدريجيا إلى أباطرة للمال والأعمال في وضح النهار دون أن تكون الركبان قد سارت بهم ولا الأخبار .
فبعد سنوات طويلة من المحاكمة والمماطلة، أسدل الستار أخيرًا على هذا الملف الذي عمر أكثر من 13 عامًا، حيث جرى اعتقال المدانين وإيداعهم السجن أيامًا قليلة قبل حلول شهر رمضان. في توقيت يحمل رمزية خاصة، وجد المتورطون أنفسهم خلف القضبان بعد أن ظلوا طيلة سنوات متابعين دون حسم وقد كانت محاولتهم الأخيرة نقض الأحكام دون جدوى، مستفيدين من طول الإجراءات وتعقيدات التقاضي. دخولهم السجن ربما لم يكن مجرد تنفيذ لحكم قضائي، بل كان رسالة واضحة بأن زمن الإفلات من العقاب انتهى، وإن طال، لا يمكن أن يستمر إلى الأبد.
ومع ذلك، ما نأمله بطبيعة الحال ليس سجن الناس أو التشفي فيهم، لأن الأمر في النهاية يخضع لتعقيدات العدالة، ورغم كل الضمانات القانونية والقضائية، يبقى هامش من الشك قائمًا حول براءة البعض. ولا نقصد هنا شخصًا بعينه أو الحالة التي أمامنا، بل نتحدث بشكل عام ومجرد: هل تكفي المحاكمة وحدها لتحقيق العدالة؟ فآثار الجريمة تبقى واضحة، والأشخاص المتورطون جليّون، والأخطر من ذلك هو الاغتناء الفاحش وغير المبرر الذي يأتي من التعدي على المصلحة العامة، مصلحة جميع المواطنين.
نعم، للعدالة، ولكن لابد أيضًا من نشر القيم الوطنية، وتعزيز الثقة في أن مستقبل هذا البلد سيكون للجميع، وأن الحفاظ على موارده مسؤولية مشتركة. فلا معنى لمحاربة الفساد إذا لم يصاحبها وعي مجتمعي يجعل المال العام خطًا أحمر، ومحاسبة كل من يتجرأ على العبث به أمرًا لا يقبل التأجيل أو التساهل.
لعل المدينة الحمراء تعرف اختلالات مستمرة وكل مرة تنفجر قضية ومتابعة ضمن مجالها الجهوي، وحال العموم يتساءل كيف أصبح بسطاء القوم ماديا مليارديرات زمانهم، وما علاقة ذلك بتدبير المال العام؟ وهو الأمر الذي يتطلب يقظة قانونية ومجتمعا مدنيا وحقوقيا، والذي كان له الفضل في نبش هذا الملف قبل سنوات.
يُعرف “كازينو السعدي بمراكش، بكونه فندقا ومنتجعا سياحيا عمره يقارب القرن، بدأت قصته في عهد باشا مراكش الكلاوي في فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب واستمرت إلى اليوم في شكل مأساة حزينة !
الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 15/02/2025