نبض المجتمع : «البرمجة الكروية».. و «ظلال» الهدر المدرسي!

حميد بنواحمان

يتابع المنشغل ب” أحوال المجتمع “، بشتى تمظهراتها داخل مختلف القطاعات ، بغير قليل من القلق ، تزايد وتيرة برمجة المباريات الكروية “النهارية” خارج عطلة نهاية الأسبوع ، وبالضبط منذ قرار إرساء التباري في منافسات كأس العرش بنظام الذهاب والإياب ، لتنضاف ، هذا الموسم ، “مبررات” أخرى، تتمثل في “تراكم المباريات المؤجلة للأندية المرتبطة بمواعيد قارية ، واحتضان المغرب ، بداية من النصف الثاني من الشهر القادم ، لنهائيات كأس إفريقيا للاعبين المحليين” ، ما يستدعي، حسب الجهات المعنية ، ” تسريع البرمجة بشكل استثنائي “! . قلق مبعثه التداعيات المحتملة على ” إيقاع ” عملية التعليم والتعلم داخل الأقسام الدراسية بمؤسسات التربية والتكوين ، التي تسهر على تنشئة وإعداد نساء ورجال الغد، على امتداد خريطة البلاد.
انطلاقا من “نقطة التماس” السالف ذكرها ، يتبادر إلى الذهن سؤال كبير مضمونه : – هل سبق لجامعة كرة القدم، وبالضبط اللجنة المكلفة ببرمجة وتحديد تاريخ وتوقيت كافة المباريات ، أن فكرت في “التنسيق” مع الجهات المكلفة بقطاع التربية والتعليم محليا ، على صعيد كل مدينة وإقليم ، على غرار تنسيقها المعتاد مع الجهات الأمنية ، وذلك قبل الإعلان “الرسمي” عن الجدولة الزمنية للمنافسات ؟
سؤال يمتح مرجعيته من “تصريحات” عدد من الأساتذة والأطر التربوية ، الذين لاحظوا – بانزعاج وقلق – تسجيل غيابات في صفوف تلاميذ الثانويات الإعدادية والتأهيلية – المحسوبة على القطاع العمومي أساسا – تزامنا مع برمجة “لقاءات كروية ” خارج الموعد المعتاد في نهاية الأسبوع – “اثنين ، ثلاثاء ، أربعاء ، خميس .. ” ، “وحتى إذا حضروا يصر البعض منهم على تتبع مجريات مباراة فريقهم المفضل عبر الإمكانيات التي تتيحها هواتف نقالة حديثة ، ما يحول المقاعد الخلفية داخل القسم إلى مصدر للصخب والتأثير السلبي على تركيز باقي التلاميذ ” يتحدث أحد أساتذة “المستوى التأهيلي” بالدارالبيضاء.
وضع “غير سليم ” يجعل المدرس في موقف لا يحسد عليه أمام هذا “الطارئ” الخارج عن إرادته ، فهو إن حرص على تطبيق القانون الداخلي للمؤسسة وتحميل الغائبين عواقب تفضيل الفرجة الكروية على الحصة الدراسية ، يكون عرضة ل” الانتقام ” بتوابعه المتعددة الأوجه ، وإن اختار، مكرها ، غض الطرف و التساهل معهم ، من خلال منحهم فرصة ثانية لشرح مستغلقات الدرس أو إعادة برمجة “فرض كتابي” في حصة أخرى، يكون قد فتح بابا ل” مفاجآت غير سارة “، يصبح من العسير إغلاقه مستقبلا دون تبعات قاتمة .
صحيح أن لمسؤولي “البرمجة الكروية” رزنامة من الالتزامات ينبغي الوفاء بها زمنيا، احتراما لما تنص عليه بنود العقود المبرمة مع أطراف عدة ، داخليا وخارجيا ، لكن هذا لا يعفي من “مسؤولية” استحضار معطى أساسي يتمثل في كون القاعدة الكبرى للجماهير الرياضية تتشكل من فئات التلاميذ اليافعين والأطفال ، الذين هم على عتبة المراهقة ، ممن تحدق بهم أخطار “الهدر المدرسي” من كل جانب و تتهددهم متخفية في أكثر من لبوس .
وبخصوص مصطلح الهدر” ، فهو قادم من عالم الأعمال والاقتصاد ، قبل أن يقتحم المجال التربوي من منطلق أن التربية باتت من أهم نشاطات الاستثمار الاقتصادي . ف ” التعليم ينظر إليه اليوم ، يقول دراسات عديدة ، في كثير من البلدان المتقدمة، كاستثمار له عائده المادي ، بعد أن صار للمؤسسات التعليمية دور مؤثر في إنتاج الثروة المعرفية والتكنولوجية والاقتصادية…، من خلال إعداد الموارد البشرية المؤهلة ” .
وتبعا لما يؤشر عليه هذا المفهوم ، فإن ” الهدر المدرسي ” بمعناه العام يشمل كل ما يعيق تحقيق نجاعة العملية التعليمية التعلمية ، وفي هذا السياق يمكن أن ندرج، بهذا الشكل أو ذاك ، البرمجة الكروية النهارية خارج عطلة نهاية الأسبوع أو خارج أيام إحدى العطل الدراسية، بما يحدثه ذلك من “تشويش” في أذهان المتمدرسين ، حيث يصبح الشغل الشاغل بالنسبة للعديد منهم هو كيفية تدبير سبل حضور مباراة فريقهم المفضل، ولو كان الأمر يتعلق برحلة خارج المدينة التي يقطنون بها ، أو، على الأقل ، متابعة أطوارها تلفزيونيا . و”للتأكد من هذه الحقيقة ، يقول أحد الأساتذة ، يكفي الاستماع للأحاديث البينية بين التلاميذ ، سواء في الساحة أو داخل الأقسام ، إذ لا صوت يعلو على صوت الكرة وما يرتبط بها من أسماء لاعبين وألوان أقمصتهم ، وجديد “الأغاني” الصادحة بتاريخ هذا الفريق العريق أو ذاك” . هوس وصل، في السنوات الأخيرة ، حد استقطاب العنصر النسوي اليافع، بالأساس ، لدرجة أضحت أعداد “المتيمات ” بعشق كرة القدم في تزايد لافت من موسم لآخر. وهو مستجد ذو دلالات عميقة يؤكد على أن تحولات جذرية آخذة في الحدوث في ما يخص انشغالات واهتمامات الفئات العمرية الشابة من الجنسين، تستوجب تعاطيا مسؤولا من قبل المكلفين بوضع أسس خريطة السياسة العامة للبلاد ، وذلك تفاديا لجني الثمار المرة لأي ” تصادم محتمل” بين الأجيال بفعل اتساع دائرة “سوء الفهم”، الذي بدأت تجلياته في البروز على أكثر من صعيد!
هي ، إذن ، علاقة تزداد “التباسا” بين “الحصص الكروية” المبرمجة بملاعب العديد من المدن ، في عز ساعات تلقين “حصص دراسية ” ، بالنظر لعواقب ” الحصص ” الأولى الوخيمة على “الغايات الاستراتيجية” للثانية ، في وقت تم الإعلان ، منذ سنوات قليلة ، عن شن”حرب رسمية ” للتصدي لكل عوامل ” الهدر المدرسي “، باعتباره خطرا يحول دون تحقيق “مجهودات التنمية الشاملة ” لمراميها الكبرى في القادم من السنوات. التباس يستوجب قراءة يقظة لما يحدث ، تجنبا لحصاد أسود النتائج، تربويا وتأطيرا . وبهذا الخصوص ، يرجى “الاستئناس” بالمعمول به ، دوليا، داخل المجتمعات الرائدة، على الصعيدين الرياضي و العلمي ، حيث تبرمج المباريات ، بشكل سلس ، وسط الأسبوع بملاعب تتوفر فيها الإنارة – حتى في منافسات أقسام الهواة – دون أن تتجاوز ميزانيات بنائها أو إصلاحها المبالغ المحددة لها سلفا ، خلافا لما تؤشر عليه “حكايات ” تأهيل بعض الملاعب عندنا حطمت أرقاما قياسية في “الإصلاحات” اللامتناهية ؟