نبض المجتمع : حتى لا يترك «المستقبل» بلا تأمين!

حميد بنواحمان benouahman.presse@gmail.com

 

” إن 13,4% من الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين 0 و4 سنوات، يعيشون حرمانا في ما يتعلق بالخدمات الصحية، كما أن أمهات حوالي طفل من بين أربعة أطفال في الوسط القروي لم يستفدن قط من العلاجات الكافية خلال فترة الولادة بسبب إكراهات تخص ولوجهن للبنيات الصحية الأساسية”، و”في ما يخص التأمين على المرض، فإن 66% من الأطفال بالوسط القروي محرومون من التغطية الصحية مقابل 44% بالوسط الحضري”.
هي إحدى خلاصات دراسة حول “وضعية الفقر المتعدد الأبعاد لدى الأطفال بالمغرب” ، تم الكشف عن بعض عناوينها الكبرى ، قبل أيام ، خلال أشغال ورشة جهوية احتضنتها كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمدينة وجدة . خلاصة لا يشكل مضمونها “جديدا” يخرج إلى العلن لأول مرة ، ولكن باعث استحضارها ، هنا ، يكمن أساسا في بروز مؤشرات عن انفكاك “التعاطي الرسمي ” مع “معضلات اجتماعية” كبرى، من “آفة” لغة الخشب التي غالبا ما عقدت ، في سنوات فارطة ، سبل المعالجة الجذرية لأكثر من مشكل.
إن صرخات الطفولة المحرومة من “التأمين الصحي” تتردد أصداؤها المؤلمة بشكل يومي ، على امتداد جهات البلاد المختلفة عمرانا واقتصادا ، كما تحكي حالات عديدة تنشرها الجريدة، باستمرار ، يلتمس أصحابها المساعدة من “أجل توفير مصاريف علاج ابن او ابنة استعصت الاستفادة منه جراء العوز الشديد الذي تئن تحت جبروته الأسرة المغلوبة على أمرها “.
واقع مر يشكل، للأسف ، قاسما مشتركا بين غالبية الأسر داخل الأحياء الشعبية لكافة المدن، تعلق الأمر بالمصنفة منها ضمن قوائم الحواضر التاريخية ، أو تلك المستحدثة في سياق التخلص من “مدن الصفيح “، في وقت يعد هذا الواقع علامة “مائزة ” لقاطني التجمعات السكنية القروية و دواوير المناطق الجبلية والنائية، أستحضر منه نموذجا فاضحا سبق أن تُدوول “إلكترونيا “، قبل ما يناهز السنتين .
تحكي الجمل القصيرة ، لهذه “الحالة “، قصة مأساة أسرة تقطن داخل غرفة متآكلة الجدران بفعل “ضربات” الرطوبة بحي الديزة بتطوان ، وجدت نفسها في موقع العاجز عن توفير مبلغ 50 درهما، ثمن محلول يحتاجه صغيرها ” ابراهيم .ب “، الذي يعاني من داء الصرع ، والذي أضحى عرضة للإغماء اليومي، مما ضاعف من محنته الصحية، هو التلميذ الذي يتابع تمدرسه بالقسم الثاني ابتدائي .
صبي ينحدر من أسرة غادرها الأب دون أن يترك وراءه عنوانا للاتصال به ، ولو تحت استعجالية حدوث طارئ جسيم ، فوجدت الأم نفسها مضطرة للكدح بمقهى بكورنيش مارتيل، تسندها في تحمل أعباء المعيش اليومي جدّة تعمل كحارسة في “موقف” يتوقف مدخولها الزهيد على “كرم” زبناء غير دائمين . وضع هش ازدادت قسوته بعد أن تمكن “الصرع” من”فلذة الكبد” إبراهيم ، المحتاج ، بشكل دائم ،لاستعمال دواء ” ديباكين ” .
قصة ، لاتخلو “جغرافية الفوارق الصارخة ” للمجتمع ، من مثيلاتها ، كانت قد كشفت النقاب عنها إحدى الجمعيات المحلية ، التي عممت الوصفة الطبية الخاصة بمرض “إبراهيم”، في سياق حملة تضامنية من أجل توفير بعض مصاريف علاجه، بما أن الأسرة لا “تأمين” لها ، خصوصيا كان أو عموميا، في غياب شغل قار معترف بوثائقه لدى المؤسسات المكلفة بمختلف أنواع “التأمينات الصحية”.
في السياق ذاته ، سبق أن أوضحت دراسة للمندوبية السامية للتخطيط “حول الفقر متعدد الأبعاد للأطفال، خلال الفترة ما بين 2001 و2014″ ، ” أن فقر الأطفال يعود بالأساس إلى فقر الكبار وإلى ظروف معيشية سيئة”، كما ” أن عدد أفراد الأسرة يؤثر في فقر الأطفال. فمعدل فقر الأطفال المنتمين للأسر التي تضم 6 أطفال أو أكثر يصل إلى 28 بالمئة، أي أربع مرات أكثر من الأسر التي لديها طفل واحد “.
وعن “المؤسسة ” ذاتها ، كشفت مذكرة إخبارية سالفة ، بمناسبة اليوم العالمي للطفولة، الذي يصادف 20 نونبر من كل سنة ، عن أن “معدل الأمية لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و18 سنة 2014، بلغ 4.8% على الصعيد الوطني، مقابل 32.2% بالنسبة لمجموع سكان المغرب”. و”حسب نتائج إحصاء 2014، بلغ عدد الأطفال بدون مأوى 660 طفلا، 30.2% منهم إناث، وثلثاهم يقطنون بالمدن (73.6%) ” ، كما “أن أكثر من ربع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 سنة يمارسون نشاطا اقتصاديا، حيث بلغ معدل نشاط الأطفال البالغين ما بين 15-18 سنة، 26% سنة 2014، وتقدر هذه النسبة ب 36.9% بالقرى مقابل 14.9% بالمدن. وتصل إلى 36.9% عند الفتيان مقابل 14.9% عند الفتيات، ويمارس حوالي 69 ألف طفل تتراوح أعمارهم ما بين 7 و15 سنة، نشاطا اقتصاديا، وهو ما يمثل حوالي 1.5 % من مجموع الأطفال الذين ينتمون إلى هذه الفئة العمرية “.
إنه “تشخيص رقمي” “قاس يحمل في طياته كل معاني التحدي بخصوص القدرة على جعل “المستقبل” – الممثل في طفولة اليوم – في منأى عن كل أنواع “الأدواء” التي من شأنها التأثير سلبا وإسدال “ظلال الشك “على الأهداف التنموية الكبرى المتوخى بلوغها في القادم من السنوات، يستدعي الانتقال سريعا إلى مرحلة الفعل وإيجاد الحلول، حيث ” لا نحتاج إلى المزيد من التشخيصات. بل هناك تضخم في هذا المجال ” و المغاربة “يتطلعون لتعميم التغطية الصحية وتسهيل ولوج الجميع للخدمات الاستشفائية الجيدة في إطار الكرامة الإنسانية” كما شدد الخطاب الملكي ليوم الجمعة 13 أكتوبر 2017 بالبرلمان، بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة .

الكاتب : حميد بنواحمان benouahman.presse@gmail.com - بتاريخ : 13/03/2018