نبض المجتمع : صرخات «فلذة الكبد» .. وفوات الأوان !

حميد بنواحمان benouahman.presse@gmail.com

 

« أنا المسؤولة .. لن أسامح نفسي أبدا ماحييت ..لم أكن حاضرة بالشكل الكافي حتى أستطيع فهم واستيعاب إشارات الخطر «.
نقد ذاتي حاد ورد على لسان إحدى الأمهات الفرنسيات، ضمن «برنامج خاص» بثته ، مؤخرا ، قناة «فرانس 3 « ، حول تداعيات «التحرش « وأساليب «التضييق والاضطهاد» التي أضحى عدد من الأطفال واليافعين، من الجنسين ، عرضة لها داخل المؤسسات التعليمية وغيرها من الفضاءات العامة، ومن خلال وسائل الاتصال الحديثة «الفيسبوك نموذجا «. نقد مرده إقدام ابنها ، ذي 17 ربيعا ، على وضع حد لحياته تاركا وراءه رسالة مؤثرة تستعرض تفاصيل معاناة لم يعد قادرا على تحملها !
لحظة استحضرت قساوتها أثناء تبادل الحديث – في مناسبات متباينة الزمان والمكان – مع بعض المرتبطين بالمجال التعليمي ، تدريسا وإشرافا تربويا ، والذين أجمعوا على أن العديد من الآباء والأمهات لا يتعاطون بالإيجاب مع «الدعوات الموجهة لهم قصد الحضور إلى المؤسسة من أجل مناقشة أمر يهم ابنهم او ابنتهم ، حتى ولو كان ذا طابع استعجالي»؟.
يحدث هذا في وقت لم تعد غالبية المدن والقرى المغربية ، في منأى عن الاستيقاظ يوما على وقع إقدام صبي أو صبية، على اتخاذ خطوة مغادرة الدنيا بشكل مبكر. حقيقة مرة تشهد على تجلياتها الصادمة حالات عديدة سجلت، خلال السنتين الأخيرتين، نستدعي بعضها ، هنا ، على سبيل التمثيل لا الحصر.
«على بعد حوالي 30 كيلومترا من مدينة قلعة السراغنة، شهد أحد التجمعات السكنية بمركز «كازيط» ، في النصف الأول من شهر مارس 2017، انتحار طفلة يبلغ عمرها سبع سنوات» . «يوم 21 ماي 2016 أقدم طفل – 13 سنة – على الانتحار بواسطة حبل بأحد أحياء مدينة تاوريرت «. « اهتز حي الزيتون « دوار المخزن سابقا « بتاوريرت ، يوم السبت 28 ماي 2016 « ، بفعل فاجعة إقدام طفل – 12 سنة – يتابع دراسته في السنة السادسة ابتدائي ، على وضع حد لحياته بواسطة حبل ربطه بعمود خشبي بسقف إحدى غرف منزل أسرته، ولفّه حول عنقه». « في الفترة الزمنية ذاتها، أقدمت تلميذتان قاصرتان بويسلان، بالعاصمة الاسماعيلية مكناس ، على تناول سم الفئران». «في بداية مارس 2017 استيقظ سكان قرية تيغسالين/ خنيفرة ، على وقع حادث انتحار راحت ضحيته يافعة لم تكمل عقدها الثاني، بواسطة سلاح ناري يستعمله والدها في ممارسة القنص» .
بعيدا عن جدل الأرقام وتفاوتها – بين الرسمية والجمعوية – يبقى الوضع حاملا لكل دواعي القلق ، كيف لا والأمر جلل يهم أطفالا ويافعين ، من الجنسين ، بعضهم أتمّ بالكاد عقده الثاني ، « اجتازوا « ، في غفلة من الجميع، خط «اللاّعودة « ، تاركين لأسرهم الصغيرة لوعة فراق لن تخبو جذوة قساوتها مهما تعاقبت السنوات .
أسباب وعوامل شتى تقف وراء «الظاهرة « ، تفيد دراسات نفسية واجتماعية ، مؤكدة أن» البنية النفسية الهشة « للأطفال واليافعين تجعلهم فريسة سهلة لكل أنواع الضغوطات التي قد تمارس عليهم، والتي تسقط بعضهم في» مخالب الإحساس بالتعاسة والاكتئاب «، ومن ثم» المرض النفسي المزمن «، الذي من مؤشراته «الاختلالات السلوكية ، العاطفية، الاضطراب في التحصيل الدراسي ، الانطواء وعدم الاندماج في المحيط…».
مؤشرات ، للأسف ، أحيانا، لا يتم التقاطها في الوقت المناسب ، في ظل المتغيرات المتعددة الأوجه التي لحقت ب « النسق الحياتي العام» لغالبية الأسر، باختلاف مستوياتها الاجتماعية ، لدرجة حولت يوميات الآباء والأمهات إلى «معارك متواصلة « ، مع ما يعنيه ذلك من غياب «جسدي» والاكتفاء، بالنسبة للبعض ، ب» الحضور التكنولوجي»، عبر استعمال وسائل الاتصال الحديثة.
لقاء «عن بعد « لا يمكن أن يشكل بديلا ل “ لقاء الأحضان “ تحت سقف البيت الأسري ، بما يوفره من حرارة ودفء . مستجد «سلبي» يقول بشأنه الباحث السوسيولوجي “عياد أبلال” إن “ الأسرة كانت في السابق تلبي ، بشكل أو بآخر ، مختلف متطلبات الأطفال ، كما تعمل على أن يكون هناك إسناد وظيفي للأنساق المكونة لشخصيتهم ، قبل أن تنتقل من شكلها النّواتي إلى الممتد ، حيث تخلت عن عدد كبير من الأدوار لصالح المدرسة ، والشارع …” و” اكتفت بلعب دور المؤمّن للجوء السكني للطفل أو المراهق..”!
تحول يدفع إلى التساؤل عن خطورة الاكتفاء ب “ الحوار المالي “ – إذا صح التعبير – في تنشئة الأبناء ، بمسوغ أن كثرة الانشغالات لا تسمح بتخصيص أوقات لإغداق قسط من الحنان على ابن داهمته المراهقة على حين غرّة ، وهو أعزل من أية توجيهات أبوية تهدئ من روعه وتجعله يجتاز المرحلة بأقل “الخسائر” الممكنة ، أو على ابنة حوّلت “الهجمة الهرمونية “ على جسدها الطري، ابتسامتها العفوية إلى وجوم جعلها على خط التماس مع الاكتئاب، في غياب تطمينات أمّ لا تترك لها أجندة “المسار المهني” أي مساحة زمنية للإنصات إلى “ صرخات” صغيرتها ؟
صحيح أن متطلبات الحياة “العصرية” باتت تشكل ضغطا قاهرا على غالبية الأسر ، لكن هذا لايبرر ، يقول أطباء، باسم منظمة الصحة العالمية ، عدم تخصيص حيز زمني للاستماع ل “ آهات “ فلذة الكبد ،»فدقيقة من وقتك تغير حياة»، يفيد شعار للمنظمة ، يحث على منح الوقت اللازم للاستماع ل “أحزان “ الغير ، فما بالك ب” هموم” الفئات العمرية الناشئة !

الكاتب : حميد بنواحمان benouahman.presse@gmail.com - بتاريخ : 17/04/2018