نبض المجتمع : «قصور عمري» و «رشد إجرامي»!

حميد بنواحمان benouahman.presse@gmail.com

 
هل «القاصر» اليوم – بالمفهوم العمري للكلمة – يقف على قدم المساواة ، في ما يخص درجة البراءة وقلة التجربة، مع «قاصر « سنوات ما قبل الثورة التكنولوجية الحديثة ؟
سؤال كبير طرحته العديد من البحوث والدراسات الاجتماعية، في فرنسا وغيرها من الدول ، عقب تزايد «الأفعال الجرمية» – بشتى تمظهراتها وتباين مستوى خطورتها – المرتكبة من قبل الأحداث / القاصرين ، إناثا وذكورا ، كما تشهد على ذلك إحصائيات مثيرة صادرة عن السلطات والمؤسسات القضائية المختصة . سؤال تبادر إلى الذهن ، عقب قراءة متأنية ل «خبر « بشأن « حادث « دارت أطواره ، قبل أيام ، بمدينة البوغاز.
تقول خلاصة الخبر: « تمكنت عناصر فرقة الهيئة الحضرية العاملة بالمحطة الطرقية لطنجة ، من ضبط 1030 قرصا مهيجا لدى قاصر تبلغ من العمر 17 سنة… وذلك بعد الاشتباه في أمرها بسبب سلوكها المريب داخل المحطة»، و « أسفر إخضاعها للتفتيش، من طرف شرطية عاملة بالفرقة المعنية ، عن العثور بحوزتها على الأقراص المخدرة من نوع إكستازي مخبأة بعناية في ملابسها الداخلية « والتي «كانت تنوي نقلها إلى مدينة فاس».
خبر لا يصنف في خانة «الفرادة « في ما يتعلق ب «المضمون «، ولكن «حرارة « أسطره تكمن ، أساسا ، في صغر سن المقبوض عليها على خلفية تورطها في « فعل محظور « لا يقدم على ارتكابه ، عادة ، إلا «عتاة « الاتجار في المخدرات بمختلف أصنافها . ما يؤشر على أن عوامل جديدة – غير متحكم فيها غالبا – أضحت بصماتها حاضرة بقوة في «تنشئة» الأجيال الصاعدة ، رامية بأعداد من اليافعين في «غياهب « المجهول ، المتمثل في اقتراف أفعال تتجاوز خطورتها «الشغب « المتعارف عليه خلال مرحلتي الطفولة والمراهقة . ويبقى الفيديو المنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليلة الأحد 20 غشت 2017، والموثق للحظة اعتداء على فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة داخل إحدى حافلات النقل الحضري بالدارالبيضاء ، ومحاولة تجريدها من ملابسها ، عنوانا مفزعا للمدى الذي بلغه جنوح «قاصرين» – ما بين 15 و17 عاما – وتورطهم في سلوك إجرامي هز الرأي العام وأسفر عن « ردود» شعبية ، شاجبة مستنكرة، وأخرى رسمية تستهدف إنزال ما يمكن من أسباب الزجر والردع .
«ميل إجرامي» قرأت في «عناوينه « المقلقة ، بعض التحليلات السوسيولوجية، ما يشير إلى أن « فئة من المراهقين تعيش وضعية اجتماعية غير سوية» نتيجة ل « غياب مرجعية أسرية سليمة «، ما يجعل هؤلاء فريسة سهلة ل «مرجعيات» أخرى غريبة عن قيم المجتمع وتقاليده ، تتسرب عن طريق «برامج ومسلسلات تلفزيونية «، وغيرها من وسائل التواصل الحديثة ، تمجد مسلكيات التمرد والخروح عما ألفه الآباء والأجداد « بمسوغ «إثبات الذات « و «التحرر من الوصاية « .
وضع يمكن نعته ب « تيهان هوياتي»، يزداد تعقيدا بفعل تدخل عامل «الإدمان على المخدرات « ، والذي جربت عصابات «تسويق السموم « ، أكثر من «وصفة شيطانية» ، من أجل الإيقاع بأكبر عدد من صغار السن في شباكه، والتي بلغت حد استقطاب العشرات منهم وتكليفهم بترويج «قطع من الحشيش وأقراص مهلوسة» بين تلاميذ المؤسسات التعليمية، وذلك من خلال عرضها بأثمان بخسة – لكن بتداعيات باهظة – خلافا لتلك المعمول بها داخل «أسواق الكبار».
وارتباطا بموضوع المخدرات ، سبق أن كشفت المصالح الأمنية، في أكثر من مدينة ، عن معطيات تحمل في طياتها كل دواعي القلق ، تؤكد «توظيف عدد من القاصرين في تنفيذ أفعال محظورة : عمليات السرقة ، اعتداءات ، ترويج الممنوعات..» من قبل «بارونات» و»رؤوس مدبرة « لعصابات الإجرام المتعددة الأوجه، وذلك باستعمال ورقة «الإغراء المالي «، التي يتم من خلالها استغلال الوضع الاجتماعي الهش الذي ينحدر منه أغلب المغرر بهم.
حقيقة مرة وصلت «أثارها» إلى مدرجات ملاعب كرة القدم ، إذ أن أغلب المتورطين في أعمال «التخريب» – وليس الشغب كما هو رائج – التي سبق أن طالت العديد من الممتلكات العامة والخاصة في مجموعة من المدن ، كبيرة أو صغيرة ، كانوا من «القاصرين»، وتم اعتقالهم وهم في حالة تخدير متقدمة ؟
واللافت في هذا «الجنوح» المبكر نحو الخروج عن دائرة القانون، المحدد والضابط للعلاقات داخل المجتمع، أن بعض «أبطاله « – بالمعنى السلبي للبطولة – انتقلوا من مرحلة تنفيذ «مهام» أوكلت لهم من قبل مجرمين «راشدين»، إلى مرحلة أخذ المبادرة والتخطيط للقيام ب»الفعل الجرمي» مع سبق « الإصرار والترصد «، كما يستشف من «قضايا» عرضت على الجهات القضائية المختصة، تبين أن أعمار المتابعين فيها أقل من 18 سنة.
متغير جعل العديد من «القانونيين « ، يدعون إلى « تخفيض سن الرشد الجنائي « ، استحضارا لبروز مؤشرات عدة تثبت أن يافعي الزمن الحالي ، باتت لديهم القدرة على «التمييز» بين الأفعال الموجبة للعقاب والأخرى التي لا ضرر، يلحق بالفرد أو الجماعة، جراء اقترافها ، ومن ثم أضحى «من غير المنطقي الاعتداد بسن ال 18 كسن للإدراك والمسؤولية الجنائية «.
هي ، إذن ، «مسلكيات خطيرة « آخذة في الاستفحال ، تسائل الجميع – أسرة ، مدرسة ، سلطات مختصة ، جمعيات … – تستوجب تعاطيا حاسما يقطع مع وضعية التأرجح بين «القصور العمري « و «الرشد الإجرامي « ، وذلك تفاديا للأسوأ في القادم من السنوات .

الكاتب : حميد بنواحمان benouahman.presse@gmail.com - بتاريخ : 08/05/2018