نجاح ملك المغرب في صنع رصيد ضخم من المصداقية الدولية
عبد السلام المساوي
لا أحد يمكنه أن ينكر نجاحات الديبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة ، سواء في ما يتعلق بقضية الأقاليم الجنوبية أو في تحقيق مكانة محترمة للمملكة المغربية على المستوى الإقليمي والقطري والجيواستراتيجي .
لقد حققت المملكة المغربية انتصارات متوالية ديبلوماسية وميدانية في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية .
وإن الدور المحوري للديبلوماسية المغربية ليس من قبيل المبالغة وتضخم الذات، وليس من باب الصدفة أو المفاجأة، إنها تحصيل حاصل لمسار طويل وهادئ من العطاء الديبلوماسي المتواصل، فمن الواضح اليوم أن التغيير الجيواستراتيجي الحاصل في موازين القوى العالمية حول المغرب إلى مركز ثقل ديبلوماسي لا محيد عنه في شمال إفريقيا والشرق الأوسط والعالم بأسره، بما يتوفر عليه من موقع استراتيجي، واستقرار سياسي وموثوقية في المعاملات والمواقف، وقبل ذلك بما يحوزه من تاريخ عريق بملكية يسمح لها إرثها وتقاليدها وشرعياتها بأن تكون صانعة وقائدة للأمن والسلام .
لقد قدمت دولتنا، عبر مؤسساتها السيادية منذ سنوات، نموذجا لسياسة خارجية مستقلة تستند إلى مبادئ وأسس واضحة تهدف من خلالها إلى الدفاع عن المصالح العليا للوطن بكل حزم ووضوح، لكن دون المس بحقوق ومصالح الشعوب الأخرى، وظهر أن ملك المغرب بعزمه الصادق، الذي لا يلين، نجح في صنع رصيد ضخم من المصداقية الدولية، حتم عليه مواصلة الاضطلاع بدور قدر للملكيات المغربية أن تضطلع به منذ عقود بل منذ قرون .
والحقيقة الواضحة للعيان أن هذا التوجه الديبلوماسي الناجح أكسبنا احترام الخصوم قبل الأصدقاء، وفي المقابل لجم وحجم أصوات دول معادية لمصالحنا وعمق من عزلة خصومنا الظاهرين والمستترين، والأهم أنه دفع حكام الجزائر ولعبتهم الانفصالية الى الرهان الخاسر على أطراف ومحاور اقليمية تقودها إيران، لتحريف التوجه الدولي والاقليمي المتبور حاليا الذي يرجح كفة المغرب على كل المستويات، وهذا الرهان سيؤدي « كابرانات « الجزائر كلفته آجلا أم عاجلا .
بعد مرور أحد عشر شهرا من الأزمة الديبلوماسية والاقتصادية بين المغرب وإسبانيا، وما ترتب عنها من تبادل الضربات والمواقف والقرارات المتشنجة، بسبب فضيحة دخول ابراهيم غالي متنكرا الى اسبانيا في أبريل 2021، نجحت الديبلوماسية المغربية في كسب صيد ديبلوماسي ثمين، لم يكن يتوقع حدوثه ، في هذا السياق الدولي المتوتر ، أكثر المتفائلين بأدائنا الديبلوماسي المتميز، فأن يصدر موقف دولة من الحكومة الاسبانية يؤكد أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب في 2007 هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع، فهذا إنجاز ديبلوماسي غير مسبوق، لكن أن يصدر الموقف عن الدولة الإسبانية بثقلها الديبلوماسي وحمولتها التاريخية ودورها كآخر دولة كانت مستعمرة لأقاليمنا الصحراوية، ورمزيتها السياسية بالنظر إلى أن قضية الصحراء المغربية ظلت دائما موضوعا للاستثمار السياسي والانتخابي لدى جميع الأحزاب السياسية من اليمين إلى أقصى اليسار، فهذا أكبر من إنجاز، إنه اختراق خارق للعادة .
من كان يعتقد أنه في ذروة حاجة اسبانيا للغاز الجزائري لتدفئة اقتصادها ومواطنيها، وفي ظل حكومة ائتلافية يشارك فيها حزب معاد للمصالح الوطنية، يمكن أن يخرج قرار ديبلوماسي بهذه القوة لصالح الدولة المغربية ؟ لا تفسير لهذا الأمر سوى غلبة توافقات وضمانات ملكيتين عريقتين، ورجحان كفة المصالح الاستراتيجية المغربية – الإسبانية على غيرها من المصالح مع دولة كالجزائر، وهذا بالضبط ما أكده وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس حينما قال إن استقرار وازدهار بلدينا مرتبطان بأزيد من 16 مليار أورو من المبادلات التجارية، والمغرب هو ثالث أكبر شريك اقتصادي لإسبانيا .
ويوم الخميس 7 أبريل، حل رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز بالمغرب بدعوة من الملك محمد السادس، بعد حوالي سنة من سوء الفهم الكبير بين الرباط ومدريد . وتخلل حضور ضيف المغرب إجراء مباحثات رسمية مع ملك البلاد، توجت بإقامة مأدبة إفطار ملكية بطقس شبه عائلي على شرف رئيس الحكومة الإسبانية، تجسد لحظة « تفاهم « واضحة .
اتضح أن زيارة سانشيز ليست عادية بكل المقاييس، لقد أصر ملك المغرب على أن يعطيها بعدا خاصا، لما تحمله مستقبلا من رهانات جيو – استراتيجية بين البلدين بعد الانعراجة التاريخية التي حدثت في المواقف الديبلوماسية الاسبانية تجاه وحدتنا الترابية ، ودعمها لأول مرة بشكل علني ورسمي لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل نزاع الصحراء المفتعل .
إننا، إذن، أمام بداية تحول جديد في العلاقات المغربية الإسبانية ، بأسلوب جديد مبني على التشاور والتوافق والتنسيق بين البلدين بعيدا عن المواقف الانفرادية . فالبلدان معا يدركان جيدا أنهما يمتلكان أوراقا سياسية حيوية ومهمة على الصعيدين الإقليمي والدولي ويمكنهما التكامل الفاعل سياسيا لتقديم خدمات ومنافع متبادلة بينهما وفق قاعدة رابح – رابح .
إن العلاقات بين البلدين اليوم، بعد الأزمة الديبلوماسية الأخيرة، ليست كما كانت قبلها، لقد حصل الاقتناع داخل أعلى مراكز القرار بالرباط ومدريد أنها ينبغي أن تتشكل مجددا على أساس قواعد أخرى غير تلك التي سادت منذ أكثر من أربعة عقود، ولا يمكن أن يتحقق ذلك سوى بزيارة دولة وعلى مأدبة إفطار ملكي بطعم خاص، زيارة سانشيز مؤطرة بنفس جديد للشراكة بين المغرب وإسبانيا التي أضحت تندرج في اطار مرحلة جديدة، قائمة على الاحترام المتبادل، والثقة المتبادلة، والتشاور الدائم والتعاون الصريح والصادق .
إنها زيارة متزامنة مع أجواء روحانية بمناسبة الشهر الفضيل، وهي الإشارة التي التقطها رئيس الديبلوماسية الإسبانية ألباريس، واعتبر مأدبة الإفطار التي أقامها جلالة الملك محمد السادس لفتة خاصة .
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 11/04/2022