نحكي المغرب للعالم

يوسف لهلالي

نحكي المغرب للعالم، هكذا يمكننا أن نسمي معرض الكتاب الدولي للرباط هذه السنة، في هذا المغرب يحكي كتاب وكاتبات مغاربة مغربهم لنا وللعالم، يحكي مغاربة العالم أيضا مغربهم، ذاكرتهم، التي تكون دائما مليئة بالعاطفة والحنين الى ماض في أغلب الأحيان مثالي عن الطفولة والعائلة الممتدة التي احتضنتهم في المغرب في مختلف أرجائه. كان هذا هو الشعور الذي رافقني عند الدخول الى بوابة المعرض الدولي للكتاب، من أجل البحث عن زمن ربما ضائع، ربما مثالي، في عالم أصبح بعض رواد التواصل الاجتماعي كتابا ومبدعين ومفكرين وحتى فلاسفة في عالم افتراضي. كانت وجهتي الأولى كمغربي مقيم بالخارج هي رواق مجلس الجالية الذي يعتبر اليوم محطة ضرورية في هذا المعرض، والذي ينشر سنويا عددا محترما من الكتب والدراسات حول مغاربة العالم ، رئيسه ادريس اليزمي هو رجل مهووس بالثقافة والكتاب، لهذا اختارا شعارا لمشاركة المجلس هذه السنة حول « نكتب المغرب ، نحكي العالم» وهو عنوان ربما يصلح لأن يكون عنوانا لهذا المعرض. طبعا هناك دائما الجديد، هذه المرة حول نساء الريف، القويات المقاومات اللواتي تحدثت عنهن امرأة استثنائية ومتميزة في الهجرة، فاتحة السعيدي، اختارت الحكي عن نساء الهجرتين، الهجرة نحو الجزائر الفرنسية والطرد من طرف من انقلبوا عن الثورة الجزائرية وأكلوا رصيدها الرمزي.
تحكي فتيحة من خلال هؤلاء النساء عن ظلم دوي القربي والهجرة ،عن أحداث الريف، عن ثورة عبد الكريم،عن سنوات الرصاص وعن الهجرة ببلجيكا، هي هجرة متعددة الأبعاد وهي هجرة مغربية استثنائية لنساء استثنائيات.
طبعا لدى رئيس المجلس دائما الجديد، حدثني اليوم عن البروفيسور عمر مبو، هو طاقة علمية استثنائية في مجال العلوم الإنسانية، يهتم بالأقليات وبتاريخها ، بذاكرتها المغربية و المنسية، بتاريخ قديم جديد، رجل لا يمكن إلا الإنصات إليه والى تجربته العلمية بالجامعة الامريكية التي أصبحت اليوم تحظى بالإعجاب من خلال هذا التضامن المشرف مع الفلسطينيين.فلسطين التي اختار عبد الحميد جماهري أن يخصها بعمله الأخير، وأن يعود الى هذا الجرح لدى المثقفين المغاربة والى قضيتهم أمام هذا الجنون الصهيوني الذي يريد القضاء على كل أمل للسلام وكما بني منذ أوسلو وقبلها، إنه جنون من اجل إحراق كل شيء . فرغم زخم العمل الصحفي اليومي، فجماهري لم ينس التعبير الشاعري عن هذه المأساة الإنسانية والعربية.
*هذا الصباح من المفترض أن أزور المعرض، لكن ذاكرة أخرى أخذتني الى الدار البيضاء، من على شرفة محكمة الدار البيضاء في هذه الساحة التي تصورها ليوطي لتكون مركز مؤسسات المدينة، ليطل من شرفته على ساحة المدينة ومركز قوتها، اليوم رغم تصاعد مركز المغرب بالقارة السمراء مازالت الدار البيضاء قطبه الاقتصادي .رحل ليوطي عن الدار البيضاء ، ولم ير مسرح الدار البيضاء الكبير الذي يشغل الفضاء الغربي للساحة.
هذا جزء من التاريخ والذاكرة الذي شغلني من خلال نقاش مع الأستاذ والشاعر محمد الصابر، الذي تبادلت معه الحديث عن ديوانه»يغنون وهم يفكون القمر من شباك الصيد» الذي تتحدث بعض قصائده عن ذاكرة الثانوي بابن العوام بعين السبع التي تقاسمنا ردهات أقسامها رغم فاصل الجيل وحضورها في ديوانه الأخير …. لكن قاطعنا زميل له عن غياب معرض الكتاب ورحيله الى العاصمة الرباط ومشروعية هذا القرار وسكوت مثقفي البيضاء، هل فعلا صمتوا أم أن العاصمة السياسية قررت أخذه وذاكرته.
*شاب سعودي أسامة المسلم أثار مروره جدلا بالمعرض الدولي للكتاب ،وبين قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على خلق النجومية و على جذب مئات الشباب المغاربة نحو المعرض للحصول على توقيع لروايته. جميل يقول صديقي عبد الرزاق الحنوشي، لأنه في السابق كان فقط الغناء من له هذه القدرة على جذب هذا العدد من الشباب. طبعا عبد الرزاق هو كاتب متميز أيضا ، استطاع من خلال كتاب حول مؤسسة دستورية جذب المئات من المهتمين رغم أن الموضوع غير مثير، هذه المرة بالمعرض اختار الحديث عن احد أعلام الذاكرة المغربية رفقته زميله جمال المحافظ، والحديث عن» محمد الحيحي ذاكرة حياة» ، وأحد أكبر مربي أجيال ما بعد الاستقلال . اليوم اللقاء مع حراس الذاكرة المغربية المشرقة والتقدمية بما للكلمة من معنى في القرن الماضي. لكن الحضور كان بقيمة الرجل، التوقيع دام أكثر من ساعتين، الندوة حول الكتاب كانت متميزة بالحضور لكتاب يمتد على أكثر من 400 صفحة وأزيد من 50 شهادة حول هذا المربي الاستثنائي في تاريخ المغرب المعاصر.
كنت أيضا سعيدا بلقاء عدد كبير من الوجوه التي تشكل المشهد الثقافي والفكري بالمغرب، وكنت سعيدا بلقاء الأستاذ محمد الصديقي، الذي ظل وفيا لحضور مختلف ندوات المعرض.
*الروائية المغربية المقيمة بألمانيا ريم نجمي قدمت «العشيق السري لفراو ميركل» بحضور الشاعر والصحفي محمد مسعاد الذي تساءل عن انتمائها للأدب المهاجر والهوية.
نقرأ في غلاف الرواية الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية أنها رواية مهاجرة في هذا الإطار تساءل الصحفي بشبكة دوتش فيله محمد مسعاد عن الانتماء الأدبي لريم نجمي وهل يمكن القول بأنها تنتمي للأدب المهاجر في ألمانيا؟
*هناك أيضا ذاكرة حرمة باهي، وهي ذاكرة رعتها حلقة أصدقاء باهي بباريس، اليوم انتقلت المعركة الى ذاكرة باهي نحو المغرب، وعباس بودرقة أحد حراس هذه الذاكرة من خلال كتابه الأخير حول الباهي .
في المساء ، كان علي أن أعتذر لمخرج فلم مورا، الذي ساهم بنقل آلاف العمال الى المصانع والمناجم الفرنسية| وأثر باختياراته على شكل الهجرة المغربية نحو فرنسا وعلى جيلها الأول ، اليوم تغيرت ولم تبق إلا ذاكرة موظف الشؤون الأهلية مورا، وهؤلاء الشباب الدين يحرصون على ذاكرته من خلال هذا الوثيقة.

 

الكاتب : يوسف لهلالي - بتاريخ : 18/05/2024