نحن وإسبانيا

  نوفل البعمري

 

الأزمة الأخيرة التي تسببت فيها الحكومة الإسبانية في علاقتها بالمغرب تثير وتعيد عدة أسئلة مرتبطة بطبيعة العلاقة بين البلدين، ففي الوقت الذي يبدو فيه المغرب ملتزما بحسن الجوار وبدعم إسبانيا اقتصاديا، من خلال الأولوية التي أعطاها للمقاولات البحرية التي تشتغل في جنوب إسبانيا للصيد في المياه الإقليمية الأطلسية بالجنوب الصحراوي المغربي، هذه المقاولات التي كانت قد تضررت كثيرا جراء توقف اتفاق الصيد البحري قبل أن يتم تجديده مع الاتحاد الأوروبي، ثم موقف المغرب الواضح تجاه الانفصال بإقليم كطالونيا بحيث تعاطى رسميا وشعبيا مع الوضع هناك سياسيا وحقوقيا، نتيجة الخروقات والانتهاكات بشكل أخلاقي ومبدئي مع الوضع هناك، ولم يستغل الانتهاكات الخطيرة التي مارستها الحكومة الإسبانية بهذا الإقليم ضد المطالبين بالانفصال، ولا المحاكمات التي وصفتها المعارضة الانفصالية الكطلانية بأنها صورية، بل ظل موقفه ثابتا ولم يستغل ضعف الدولة الإسبانية في تلك اللحظة ومواجهتها لخطر حقيقي يهددها بالتفكك، خاصة مع تراجع شعبية الملكية الإسبانية التي تمت مواجهتها بتنازل الملك السابق خوان كارلوس عن العرش لابنه الملك الحالي فليبي ودفعه لمنفى اختياري خارج إسبانيا…
المغرب إعلاميا رسميا لم يشوش على المرحلة الانتقالية الصعبة التي عاشتها ومازالت تعيشها إسبانيا، ومعها الملكية هناك..

بل أكثر من ذلك، المغرب عندما حدد مياهه الإقليمية البحرية في الأقاليم الصحراوية الجنوبية، وفقا لقانون البحار وميثاق الأمم المتحدة، أعلن عن استعداده للحوار مع الحكومة الإسبانية لتدبير هذه العملية، رغم أن الأمر هو حق مغربي خالص وفقا للقانون الدولي، ومع ذلك المغرب بعد ترسيم مياهه الإقليمية أعلن عن رغبته في الحوار مع إسبانيا ليس من باب الضعف بل لاعتبارات أهمها العلاقة التي يعتبرها استراتيحية وتاريخية ومشتركة، هذه العلاقة والنظرة المغربية تجاه الجار الإسباني قابلها في عدة محطات نوع من «الجحود» الدبلوماسي والسياسي، وفي كل مرة كنا نجد بعض المبررات لتصرفات غير مفهومة من الحكومة الإسبانية تجاه المغرب، ونعتبر أن الأمر قد يتعلق بتواجد حكومة هجينة بمكونات متناقضة قد تكون تمارس نوعا من الضغط على رئيس الحكومة الإسبانية، والمغرب في ردود فعله كان يحاول تخفيف هذا الضغط وتجنب اصطدام مباشر دبلوماسي للحفاظ على الاستقرار الحكومي الهش بإسبانيا… كل هذا دون أن ننسى فضل الأجهزة الأمنية المغربية على إسبانيا التي جنبتها في عدة مرات، حمامات دم، بواسطة المعلومات الاستخباراتية التي ظل المغرب يوفرها لهم بفضل جدية واستباقية أجهزته الاستخباراتية التي كانت توفر المعلومات الدقيقة عن إرهابيين وعن عمليات إرهابية كانت تهدد الشعب الإسباني وكان للمغرب الفضل في تجنيب إسبانيا إراقة الدماء.
انتصارا من المغرب لقيم الحياة وحفاظا على الأرواح، ولأن المغرب كان ومازال يعتبر أن علاقته بإسبانيا يحكمها المشترك أكثر من بعض التفاصيل التي تريد التشويش على هذا الترابط الاستراتيجي.
لكن هذه المرة، الأمر مختلف، يتعدى الاحتكاك الدبلوماسي، أو التدافع السياسي لتحقيق مصلحة هنا أو هناك، ما قامت به الحكومة الإسبانية باستقبالها لزعيم مليشيات البوليساريو المسلحة، بهوية وجواز سفر مزورين، فيه عدة خروقات حقوقية، قانونية ثم سياسية:
خرق القواعد العامة للقانون الدولي الإنساني لأن هذا القانون، بمختلف فروعه ، يدين ابراهيم غالي الذي حولته إسبانيا لمحمد بن بطوش، لأنه ارتكب جرائم ضد الإنسانية، ويكفي العودة لضحايا جزر الكناري الذين يحتجون اليوم على هذا الاستقبال غير المبرر، فالتنظيم الذي يتزعمه المدعو إبراهيم غالي/محمد بن بطوش ارتكب مجازر حقيقية في حق صيادين إسبان تسببت في مقتلهم، وهناك اليوم حركة مدنية قوية بجزر الكناري مشكلة من أسر ضحايا البوليساريو يطالبون بمتابعة ومحاكمة كل من تسبب في مقتل مواطنين إسبان عُزَّل كل ذنبهم أنهم كانوا يصطادون بمراكبهم في المياه المتاخمة للجنوب المغربي.
خرق للقانون الإسباني،هذا الخرق يطرح عدة أسئلة حول الأسباب التي تجعل من الحكومة الإسبانية تقبل استقبال مطلوب للعدالة الإسبانية، وهناك شكاية موجهة ضده تتعلق بالاغتصاب والاعتداء الجنسي من مواطنة صحراوية تحمل جنسية إسبانية، الحكومة الإسبانية تتستر على مجرم مطلوب لدى قضائها في جرائم جنسية!!! جرائم مدانة قانونيا وأخلاقيا، الحكومة لم تكتف بذلك بل قامت بتعطيل العدالة الإسبانية من خلال قبول استقباله بهوية مزورة حتى لا تطاله يد القضاء، ووفرت له حماية سياسية لم توفرها هذه الحكومة لملكها وتركته يواجه السخط الشعبي للحد الذي أدى به للتنازل عن العرش.
خروقات سياسية تتعلق بطبيعة هذا الاستقبال في حد ذاته، استقبال جاء بناء على قرار سياسي من طرف رئيس الحكومة في تكسير غريب لقواعد حسن الجوار، وجعله يتدخل في القضاء الذي جعله اليوم محط شك وتشكيك كبيرين في نزاهته ولم يعد من حق هذه الحكومة أن تُعلق على الممارسة القضائية لبعض البلدان مادامت قد سقطت سياسيا وأخلاقيا.
المغرب وجه أسئلة مباشرة للحكومة الإسبانية ينتظر الجميع الإجابة عنها، وإن كان ما حدث للحكومة الإسبانية يجعلها غير قادرة على الرد وتقديم التوضيحات المطلوبة منها، فقد حدث لها ما يحدث لتلميذ كان يعتقد الجميع أنه مجتهد لكن في النهاية ضبطه أستاذه في حالة غش كشفته وعرَّت حقيقة اجتهاده، وبدل أن تبحث عن طريقة لمعالجة الموضوع بتطبيق القانون في حق المدعو المطلوب للعدالة المجرم ابراهيم غالي، وتسليمه للقضاء بناء على مذكرة البحث الموجهة في حقه، تعمد الأيادي التي أفتت باستقباله بجواز سفر مزور وبهوية مزورة إلى دفع جريدة «إلموندو» المعروف خيوط ارتباطها اليمينية الرجعية إلى فبركة حوار مع ناصر الزفزافي ونسب مواقف لم تصدر عنه فقط لمحاولة الضغط على المغرب.
في النهاية سؤال مفتوح، ولو أن المغرب لن يفكر فيه، ماذا لو فكر في استقبال رئيس الحكومة الكطلاني السابق بودجيمون المطلوب للقضاء الإسباني وهو لم يرفع يوما السلاح في وجه إسبانيا كما فعل المدعو إبراهيم غالي، ماذا سيكون موقف إسبانيا ويمينها الرجعي وصحفيي إلموندو!!!؟

الكاتب :   نوفل البعمري - بتاريخ : 28/04/2021