نظافة «البناء العشوائي»

العربي رياض

المتتبع لملف النظافة بالعاصمة الاقتصادية لابد أن يقف مندهشا لعملية تدبير هذا المرفق الحيوي، والذي يعد عصب اهتمام أي مدينة وجدت على سطح الكرة الأرضية.

عندما انتخب مجلس المدينة الحالي كان أول قطاع وضعه ضمن أولوياته هو شركات النظافة المدبرة في تلك الفترة، معتبرا أنها لا تقوم بواجبها على الوجه الأكمل وتمتص من ميزانية الجماعة مبلغ 65 مليار سنتيم. وهو مبلغ مبالغ فيه بحسب ذات المجلس، صعد عمدة المدينة إلى كرسي الخطابة، في مرات عديدة وردد على مسامع الحاضرين أن مجلسه لا تعجبه تلك الشركات، وأن له حلا عجيبا سيجعل من الدار البيضاء أنقى مدينة على الصعيد الإقليمي والقاري، وسارع دون توفير بديل جديد إلى فسخ العقدة مع الشركتين السابقتين، لتدخل المدينة في ماراطون إعداد دفتر تحملات جديد إعدادا لصفقة ستكون بمثابة المنقذ للشوارع من الأزبال، لندخل إلى فترة انتقالية تكلفت خلالها إحدى شركات التنمية المحلية بتدبير القطاع، إلا أن هذه الفترة الانتقالية دامت أكثر من سنتين وقعت خلالها مشاكل جمة، واشتكى الناس من سوء النظافة، ودخلت السلطات على الخط وكثر القيل والقال والضغط على المجلس، ليأتي العمدة من جديد ويعلن أن دفتر التحملات جاهز وأن اتفاقا قد وقع مع شركتين عالميتين بديلتين، ليصدم الجميع بعد هذه التوطئة بأن ثمن تدبير النظافة سيتضاعف إلى 100 مليار سنتيم بدل الرقم الذي انتقده في السابق، واعتبره ضخما.
لم تكن هذه الخرجة هي الوحيدة للعمدة بخصوص هذا الملف بل ستتلوها خرجات مسترسلة، يعلن فيها أن تعديلا جديدا سيدخل على بنود دفتر التحملات وأن مسألة إقناع الشركتين مازالت مستمرة، خاصة في الشق المتعلق بالجزاءات التي رفضتها هذه الأخيرة وما إلى ذلك من الأمور التقنية، لكن كان يصر في كل خرجة على أن الشركتين ستعملان بنظام تقني وتواصلي متطور لأن خبرتهما واسعة. ولما وصل موعد ظهور أسطول هذين الشركتين، كان الجميع ينتظر بشغف إلا أنهما لم تكونا مستعدتين وطالبتا بأجل زمني جديد في الأفق. نفس طريقة الاشتغال التي عهدناها منذ ظهور شركات النظافة، الفرق فقط في ارتفاع المبلغ إلى 100 مليار سنتيم.
من أولى سمات الارتباك، أن الشركتين الجديدتين، اعتمدتا حاويات غاية في السريالية، هناك أحياء ومناطق وضعت فيها حاويات حديدية وأخرى بلاستيكية بلون أخضر وأخرى بلاستيكية بلون أسود بالإضافة إلى حاويات بلاستيكية قديمة، وهو ما يثير التساؤل حول نوع التغذية التي يتناولها السكان حتى توضع لهؤلاء حاويات حديدية ولأولئك حاويات بلاستيكية؟ وماهي المعايير ونوع الدراسات التي اعتمدتها هذه الشركات العالمية جدا في هذا الاختيار غير المتناسق؟ وهل قامتا بدراسة نوعية الأزبال التي سترمى في هذه الحاويات، لذلك التجأت للحديد هنا وللبلاستيك هناك؟
وضع هذه الحاويات لم يعتمد أي دراسة جدية وعلمية تجعل منها ممركزة في نقطة محدد، فقد تجدها اليوم في هذا المكان وفي اليوم الموالي في مكان آخر، وبإمكان أي حارس للسيارات أن يحول مكانها إن أراد أن يركن سيارة راكب لم يجد أين يوقف سيارته.
أما بخصوص صناديق القمامة الصغيرة، الخاصة بتجميع النفايات الصغيرة كالمناديل الورقية، فلم تقم الشركتان بوضع خريطة صحيحة، إذ نجد أحيانا هذه الصناديق مملوءة حتى بأزبال المنازل والمطاعم نظرا للموقع الذي وضعت فيه، ويتجلى الارتباك أكثر عندما نجد أن الشركتين أضافت صناديق قرب الصناديق القديمة، الأدهى من هذا أن بعض الحاويات تكسرت حتى قبل أن تمر مدة شهر على وضعها.
ومن اختصاص هذا النوع من الشركات، وكما أعلن المسؤولون ذلك، هو القيام بعملية التحسيس وتوعية المواطن بخصوص التعامل مع النفايات ورمي الأزبال، فقد اكتفت الشركتان بوضع ورقة على صناديق القمامة، تشعر الساكنة بتوقيت رمي الأزبال، والحال أن هذه الورقة يمحى مضمونها مع أول امتلاء للحاوية لأن مخلفات الأزبال تؤثر عليها.
منذ الوهلة الأولى أظهرت الشركتان عجزا في التواصل واعتمدت طرائق تقليدية عفا عنها الزمن، ولم تعتمدا مشروعا تواصليا تحسيسيا يتماشى وتطورات تقنيات التواصل، لترسيخ ثقافة محاربة النفايات بالشكل المعمول به في المدن الدولية.
كما يقال «النهار الزين باين من صباحو» ويظهر أن قطاع النظافة هزم المسؤولين على التدبير المحلي البيضاوي، وهو ما يتطلب وقفة حقيقية، تعتمد في المقام الأول تقديم حصيلة في فترات قصيرة مرة كل ثلاثة أشهر مثلا، لأن الأمر يتعلق بالمسار اليومي للمدينة ومراقبة حثيثة تنطلق من نوعية الآليات التي وفرتها الشركتان، فلحد الساعة لم يظهر من هذه الآليات سوى ما ذكرنا عليه بالإضافة إلى الشاحنات، في غياب تام لآليات كنس وغسل متطورة، وهو ما يدعو إلى وضع المقارنة بين الخدمة المقدمة والمبالغ التي تتحصل عليها الشركتان.

الكاتب : العربي رياض - بتاريخ : 22/02/2020