نظرية عنصرية فرنسية وراء المجزرة ضد مسلمي نيوزيلندا
باريس .. يوسف لهلالي
المجزرة التي قام بها الإرهابي الأسترالي برينتون ترانت ضد مصليين أبرياء بمدينة كرايتس تشيرتش النيوزيلندية، والتي خلفت 50 قتيلا، تطرح علينا التساؤل حول الأسباب التي قادت هذا المجرم إلى هذه العملية الشنيعة. وفي الرسالة التي تركها يتحدث عن نظرية «الاستبدال الكبير» والتي أطلقها الكاتب الفرنسي العنصري رونو كامي، وهي نظرية تقول إن المسلمين والأفارقة يسعون إلى «تعويض سكان فرنسا الأصليين،» وإنه ما لم يتم طردهم سوف يحتلون كل هذه البلدان»، وسوف» يقضون على الحضارة والثقافة الفرنسية» وسبق للمحاكم الفرنسية أن أدانته بتهمة الاسلاموفوبيا والإساءة إلى الإسلام والمسلمين.» لكن رغم ذلك مازال مستمرا في نشر أفكار العنصرية والاسلاموفوبيا دون أن يتعرض للمساءلة القضائية. بل إن أفكاره تنتشر بكل بلدان العالم خاصة بامريكا واوربا بفضل وسائل التواصل التي أصبحت مرتعا للمنظمات العنصرية والإرهابية، نظرا للحرية وعدم العقاب الذي توفره لكل رواد الأفكار المتطرفة ونظرية المؤامرة.
هذه النظرية العنصرية والمعادية للاسلام تأثر بها مقترف مذبحة نيوزيلندا ضد مسجدين، وهو ما تركه في رسالته التي تحدث فيها عن وجود عدد كبير من المهاجرين والمسلمين بهذا البلد حسب ادعائه.
صاحب هذه الأيديولوجية رونو كامي، وضعها في برنامج حزبين صغيرين لليمين المتطرف، قام بتأسيسهما، بالإضافة إلى تبني أفكاره من طرف اليمين المتطرف الفرنسي وأحزاب الهوية. وهي نظرية وضعها في كتاب «الاستبدال الكبير «الذي نشره سنة 2011.
هذا الكاتب وزعيم هذه المجموعات العنصرية، يتهم اوربا ومؤسسات الاتحاد الأوربي، بأنها هي من يساهم في سياسة الاستبدال الكبير، وفي نفس الاتجاه يقول إن هذه الوضعية شجعتها حركة ثلاثية الأبعاد وهي التصنيع، وغياب الروحانية وغياب الثقافة. وفي كتابه « تغيير الشعب» سنة 2013 يتحدث عن العولمة والماديات التي «جعلت الانسان يتجرد من كل خصوصية وطنية، اثنية وثقافية، كما لم تعد هناك مرجعية تاريخية وأدبية «،وهو في كتابه يقوم بتحليل يخلط بين بعض مخلفات العولمة اليوم مع الهجرة والتحول الذي تعرفه البلدان الغربية بفعل تطورها ودخولها إلى مرحلة جديدة، وهو تراجع وشيخوخة اوربا أمام تزايد القوة الاقتصادية لبلدان اسيا، وهو في كتابه يجد المسؤول عن هذه الوضعية الجديدة باوربا ، الهجرة إذ يحملها مسؤولية هذه التحولات بل يعتبر أن الأوربيين مهددون في بلدانهم ..
طبعا نظرية الاستبدال الكبير هاته، لقيت رواجا كبيرا بين المجموعات العنصرية بمختلف البلدان الصناعية خاصة بأورب،ا وتعززت مع تدفق اللاجئين نحو اوربا سنة 2015 بعد الأزمة السورية. وهو ما جعل رونو كامي يتحدث مؤخرا إلى إحدى الجرائد الأمريكية عن الهجرة الاستعمارية.
بعد مجزرة كرايتس تشيرتش النيوزيلندية، اعتبر رونو كامي أن من قام بهذا العمل، هو مختل ولا علاقة له بأفكاره، رغم أن منفذ العملي،ة ترك رسالة يتحدث فيها عن نظريته التي تأثر بها. طبعا كل منظري التفوق الأبيض، ومختلف النظريات العنصرية، يتنكرون لمنفذي الجرائم والعمليات الإرهابية باسم أفكارهم، وذلك لتجنب المتابعات القضائية، ليستمروا في شحن عددا آخرمن الشباب الأوربي بنظريات كراهية الأجانب والاسلاموفوبيا. بل إن رونو كامي، لم يتردد في القول بأن العمليات التي تعرضت لها فرنسا في السنوات الأخيرة، والتي تبنتها داعش، هي التي وراء هذا العنف والإرهاب الذي يتعرض له المسلمون.
نشرت جريدة الغارديان البريطانية لائحة للجرائم التي ارتكبتها هذه العناصر أو المجموعات الإرهابية الاوربية والأمريكية في العقد الأخير، وسمتهم الجريدة ب»المتطرفين البيض» أي الإرهابيين البيض، والذين استهدفوا الأقليات المسلمة أو الافريقية، تحت اعتقادأ يهددون العرق الأبيض حسب اعتقادهم، وقاموا بتنفيذ عمليات بإطلاق النار والطعن والتفجيرات والهجمات بالسيارات، واستهدفوا المسلمين، اليهود، اللاجئين، الحركات النسائية، والسياسيين اليساريين. وهم ينتمون إلى مجموعات متفرقة، ما يجمعها هو تبني خطاب كراهية الأجانب والاسلاموفوبيا، ويقوم منفذ العمل الإرهابي دائما بذكر أسماء الذين سبقوه إلى هذا العمل الإجرامي.
وأسوأ هذه الهجومات، هو هجوم النورفيج الذي خلف 77 قتيلا في يوليو 2011 ونفذه الإرهابي النورفيجي أنديرس بيرينغ بريفيك، الذي استهدف ناشطين سياسيين من حزب العمال اليساري لدفاعهم عن الهجرة واللاجئين. وهجوم كندا بأحد مساجد الكيبيك و الذي خلف 6 قتلى والعديد من الضحايا الذي قام به الإرهابي الكسندر بيسونيت الذي ادعى «أن المهاجرين واللاجئين يهددون أسرته». بالإضافة إلى العديد من الاعتداءات المتفرقة التي خلفت عددا من الضحايا خاصة بالولايات المتحدة الأمريكية.
المجزرة هاته، التي ارتكبت باستراليا بالإضافة إلى العمليات المتفرقة سواء بأمريكا الشمالية، اوربا أو نيوزيلاندا، تطرح أكثر من تساؤل حول انتشار هذه المجموعات العنصرية الفاشية التي تهدد التعايش بهذه البلدان.
منظمة العفو الدولية، اثر بيان لها بعد هذه العمليات، دعت إلى محاسبة الذين يشجعون على كراهية الإسلام في جميع أنحاء العالم. أغلبهم يدعي أنه سلمي، وأنه فقط يدافع عن أفكار الكراهية بشكل حضاري، وهو ما يردده الكاتب الفرنسي رونو كامي الذي نفى أي علاقة له بمجزرة نيوزيلندا، رغم أن رسالة مقترف هذه المجزرة الإرهابية،يعترف بأهمية نظرية «الاستبدال الكبير « التي تحدث عنها الكاتب، وقد سبق للقضاء الفرنسي أن أدانه بالترويج لكراهية الإسلام والمسلمين. وفرنسا وحدها تضم عددا كبيرا من هؤلاء الكتاب العنصريين الذين سبق لبعضهم أن أدانه القضاء، ويستمرون في إشاعة فكر كراهية الأجانب مثل أريك زمور، فنكيل كروت، ورونو كامي بالطبع.
وهو ما يتطلب ضغطا من المنظمات الحقوقية وكذلك المنظمات الدولية وكذا ضرورة مقاطعة المقاولات التجارية للإعلام التي تفتح أبوابها لهذه الفئات من الكتاب التي تمثل اليمين المتطرف ونظرية التفوق الأبيض، وتنظر للإراهابيين مثل مقترف مذبحة نيوزيلاندا أو مذبحة الكيبيك التي استهدفت كلها مساجد. ومواجهة هذه الايديولجية التي تدعو إلى استعلاء العرق الأوربي وإلى نشر الكراهية التي أصبح ينخرط فيها عدد من السياسيين سواء باوربا أو بامريكا.
هذه العنصرية التي تساهم فيها بعض وسائل الإعلام، حيث امتنعت العديد من الجرائد الفرنسية مثل لوفيغارو، ولوباريزيان، وفرانس انفو على وصف ما تم بالعمل الإرهابي، وهو امتناع يخفي نوعا من التضامن الخفي مع مقترف هذه الجرائم الإرهابية، كما أن مرشحة سابقة لحزب الجبهة الوطنية كاترين بلاين، قالت حول هذه العملية الإرهابية ضد مسلمي نيوزلندا» العين بالعين «في حسابها على تويتر قبل أن تحذف تغريدتها. وهو ما قام به أيضا سناتور استرالي قبل أن يتراجع عن تصريحاته.
هذه المجزرة الإرهابية بنيوزيلاند، جعلت السلطات الفرنسية والألمانية تتخوف من إمكانية تنظيم أعمال إرهابية ضد الأقليات المسلمة بهذين البلدين. لكن منظري هذه الأفكار الإرهابية مثل رونو كامي لا يزعجهم أحد بل يصدرون بيانات استنكار لما حدث.
الكاتب : باريس .. يوسف لهلالي - بتاريخ : 19/03/2019