هل تشكيل مجلس للأئمة سيحل مشاكل فرنسا مع «إسلامها»
باريس : يوسف لهلالي
بعد الأزمة الكبيرة التي خلقتها تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الإسلام، مع العالم الإسلامي ومع الإعلام الانغلوساكسوني، يحاول قصر الإيليزيه إعادة تنظيم إسلام بلاده بشكل يتلاءم مع قيم الجمهورية الفرنسية ويجنب فرنسا أزمة أخرى، هي في غنى عنها في منطقة تعتبر جد استراتيجية لمصالح باريس من الناحية الاقتصادية والعسكرية، سواء في منطقة جنوب المتوسط، وإفريقيا جنوب الصحراء وإفريقيا الغربية أو في الشرق الأوسط.
في هذا الإطار، أعلن قصر الإليزيه أن الرئيس إيمانويل ماكرون استقبل، مساء الأربعاء18 نوفمبر، مسؤولي الديانة الإسلامية في فرنسا، الذين عرضوا أمامه، بناء على طلبه، الخطوط العريضة لتشكيل مجلس وطني للأئمة يكون مسؤولا عن إصدار الاعتمادات لرجال الدين المسلمين في فرنسا وسحبها منهم عند الاقتضاء.
وقالت الرئاسة الفرنسية إن ماكرون طلب أيضا من محاوريه أن يضعوا في غضون 15 يوما «ميثاقا للقيم الجمهورية» يتعين على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية والاتحادات التسعة التي يتألف منها الالتزام به.
وشددت الرئاسة على أن ماكرون أمهل مسؤولي المجلس مدة أسبوعين ليحضروا له هذا الميثاق، وطلب الرئيس من محاوريه أن يتضمن الميثاق تأكيدا على الاعتراف بقيم الجمهورية، وأن يحدد أن الإسلام في فرنسا هو دين وليس حركة سياسية، وأن ينص على إنهاء التدخل أوالانتماء لدول أجنبية.
وشارك في الاجتماع رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية محمد موسوي، وهو من أصول مغربية، وعميد مسجد باريس شمس الدين حافظ، وهو من أصول جزائرية، بالإضافة إلى ممثلين عن الاتحادات التسعة التي يتشكل منها المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.
وتحاول فرنسا من خلال هذا التنظيم للأئمة بفرنسا، خلق هيئة تشبه العديد من الهيئات التي تنظم العديد من المهن بفرنسا مثل هيئة الأطباء، وتكون مهمتها الاعتراف بالأئمة ومنحهم رخصا أو سحبها منهم حسب التزامهم بقيم الهيئة التي ينتمون إليها، وهو ما يجنب الدولة التدخل باستمرار في هذا الحقل، كما تسعى فرنسا إلى استقلال «إسلامها» عن باقي البلدان الإسلامية.
ويأمل ماكرون من وراء تشكيل المجلس الوطني للأئمة، أن ينهي في غضون أربع سنوات وجود 300 إمام أجنبي في فرنسا مبعوثين من تركيا والمغرب والجزائر، لكن السؤال المطروح، إذا توقفت بلدان مثل المغرب عن تمويل وتكوين الأئمة الذين يشتغلون بفرنسا، هل هذه الأخيرة لها الإمكانيات المادية والبشرية المتخصصة من أجل تكوين أئمة؟ وهل لها الوسائل لتمويل هذه الفئة المهمة داخل أي مسجد، ومن سيكون بمقدوره توفير أجر مادي كل شهر لمنح الاستقرار لهذه الفئة التي يعول عليها الجميع لوقف التطرف؟ وكذلك توفير أجر يلائم مستوى التكوين الجامعي العالي الذي يجب التوفر فيهم، وهو على الأقل باكالوريا زائد 5 سنوات من التكوين، وهو مستوى إطار جامعي أو مهندس، بهدف التوفر على أطر من تكوين عال.
هل لفرنسا الإمكانيات؟ أو يسمح قانونها اللائكي بتمويل هذه الفئات الضرورية والأساسية داخل المساجد، والقادرة على فهم ميثاق الجمهورية الذي يريد تأسيسه إيمانييل ماكرون.
ومنذ خطابه في مطلع أكتوبر ضد الانفصالية والإسلام المتطرف وبعد الهجومين الجهاديين اللذين راح ضحيتهما المدرس سامويل باتي ذبحا قرب باريس وثلاثة أشخاص قتلوا داخل كاتدرائية في نيس، زاد ماكرون من ضغوطه على قادة الديانة الإسلامية في فرنسا لتنقيتها من النفوذ الأجنبي والتطرف والنزعات السياسية، لكن هل هذه الشعارات والمبادئ يمكن تطبيقها دون الحصول على إمكانيات، كيف لفرنسا أن تبني إسلاما مستقلا عن الخارج وهي تعتمد على هذا الأخير في بناء المساجد وتمويل تسييرها اليومي؟
وفي اجتماعه مع قادة الديانة الإسلامية قال ماكرون لممثلي الاتحادات التسعة المنضوية تحت لواء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إنه يعلم أن عددا منها لديه مواقف غامضة من هذه الموضوعات، أي قيم الجمهورية، مشددا على مسامعهم على أنه من الضروري «الخروج من هذا الالتباس».
ومن بين هذه الاتحادات التسعة التي تمثل قسما كبيرا من مسلمي فرنسا، هناك ثلاثة اتحادات لا تعتمد «رؤية جمهورية»، وفقا للإليزيه.
وحذر ماكرون محاوريه من أنه «في حال لم يوقع البعض على هذا الميثاق، فسنستخلص النتائج»، مشيرا إلى أنه «أخذ علما بمقترحاتهم».
ولن يكون مجلس الأئمة مخولا إصدار التصاريح للأئمة ومنحهم بطاقة رسمية فحسب، بل سيكون قادرا أيضا على سحب هذه البطاقات منهم إذا ما خرقوا «ميثاق قيم الجمهورية» وشرعنة أخلاقية سيتم الاتفاق عليها.
واعتمادا على دور كل منهم: إمام صلاة وخطيب مسجد وداعية، سيتعين على كل إمام الإلمام بمستوى مختلف من اللغة الفرنسية وحيازة شهادات دراسية يمكن أن تصل إلى المستوى الجامعي.
من المؤكد أن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية سوف ينضم إلى هذه المبادرة التي اقترحها قصر الإليزيه، خاصة أن خطاب الرئيس كان يحتوي نبرة «تهديدية» تجاه كل من لن ينضم إلى هذا الميثاق الجمهوري، ولكل الذين أشار إليهم بوجود نظرة «ملتبسة» لهم حول قيم الجمهورية، من المؤكد أن قبول هذه الاتحادات بهذا الميثاق الذي سوف يقومون باقتراحه، سيعتبر نصرا للرئيس الفرنسي الذي تعرض لهجوم عنيف بسبب تصريحاته حول الإسلام المتطرف، لكن هل بمقدوره إيجاد إمكانيات من أجل تمويل إسلام فرنسا ومختلف الاتحادات التسعة وآلاف الجمعيات الدينية الفرنسية، التي تعتمد على تمويل الخارج؟ والإشكال الآخر، الذي لم يتناوله قصر الإليزيه، هو إشكال وتحد خطير مطروح على مسؤولي الجمهورية الفرنسية، هل باستطاعتهم مراقبة ما يحدث على شبكة الانترنيت؟ التي أصبحت تلعب دورا كبيرا في تكوين وتوجيه الإسلام بفرنسا من طرف أشخاص لا يمكن التحكم فيهم أو محاسبتهم، فإذا كان بإمكان فرنسا محاورة مسؤولي الإسلام وتنظيمه بفرنسا، بكل مشاكله، سواء بالداخل أو في الخارج، فإن المسؤولين الفرنسيين وأمام «إسلام الانترنيت»، لن يجدوا أي محاور أو مؤطر أمامهم، وسيكونون مجبرين على تطبيق مقاربتهم الأمنية والتي ليست كافية لوحدها من أجل إسلام فرنسي مندمج في مجتمع الاستقبال، وهي المقاربة التي يؤاخذهم عليها الإعلام.
الكاتب : باريس : يوسف لهلالي - بتاريخ : 21/11/2020